مقالات تناولت ترشيح الاسد لنفسه لدورة رئاسية جديدة
الأسد و’ما بعد الأبد/ الياس خوري
منذ انفجار الاحتجاجات الشعبية في سوريا في آذار- مارس 2011، رفع انصار النظام الاستبدادي او ما يطلق عليه السوريون اسم ‘الشبيحة’، شعارين:
الشعار الأول هو ‘الأسد او نحرق البلد’، واشتعلت الحرائق، وامتلأت شوارع المدن والبلدات السورية بجثث الشهداء والضحايا. بدأ النظام باحراق البلد قبل ان تطلق المعارضة السورية رصاصة واحدة. الأزهار والمياه التي قدمها غياث مطر للجنود السوريين، قابلها النظام بإعادة جثة الشاب الى ذويه مشوّهة. والرد على مظاهرات درعا السلمية اتى عبر جثة الفتى حمزة الخطيب الممزقة، وحنجرة القاشوش اقتلعت قبل ان ترمى جثة المنشد الشعبي في نهر العاصي.
لم يسبق ان استخدمت الدبابات في قمع المظاهرات، ولم يسبق لسلطة ان تجبّرت كما فعل نظام الابن الذي لم يحفظ من تاريخ والده سوى مجزرة حماه، ووأد المجتمع السوري في الصمت، وسحق المعارضة في سجن تدمر الرهيب.
بدأ النظام في إحراق البلد بشكل همجي لا مبرر له. فالعنف الفائض الذي استخدم لم يكن بهدف قمع المتظاهرات والمتظاهرين من أجل اطفاء نار الاحتجاج الشعبي فقط، بل كان يهدف أيضا الى تلقين الشعب السوري درسا لن ينساه الى الأبد.
والأبد، كما يعلم القاصي والداني، هو هدف مجانين السلطة، ونقطة ضعف جميع المستبدين. واذا كان الجنون قد قاد الامبراطور الروماني كاليغولا الى ان يعلن انه يريد القمر، كما في مسرحية البير كامو التي تحمل اسم الامبراطور عنوانا، فإن الملك المحتضر كان له طلب واحد هو الخلود المستحيل، كما في مسرحية يوجين يونيسكو ‘الملك يموت’. غير أن الأسد الأب تفوق في خياله الإستبدادي على خيال أسلافه جميعا، فانتقلت اليافطات المؤيدة له من كونه رئيسا ‘الى الأبد’ الى اعلانه رئيسا ‘الى الأبد والى ما بعد الأبد’.
لم أستطع فهم معنى ما بعد الأبد إلا حين رأيت كيف يقوم الإبن بتنفيذ أبد والده عبر إحراق سوريا وتدميرها، ثم ينتقل الى مرحلة ما بعد الأبد عبر ترشيح نفسه كي يكون رئيسا على الركام.
‘الأسد أو نحرق البلد’، لقد نجح الشبيحة وحلفــــاؤهم الروس والإيرانيون والميليشيات التــــابعة في إحــــراق البلد، بل نجحوا في استدراج ميليشيات تشبهـــهم في استبدادها كي تتسلط على الشعب السوري، وتدعشه وتنصره على نفسه.
(وهذه مسألة يجب ان تفتح صفحتها كي نفهم من يتحمل مسؤولية هذا الإنهيار، وكي تتم محاسبة قيادات المعارضة والجيش الحر ايضا، من دون ان ننسى دور النفط الخليجي، ولؤم الغرب ونذالته ونذالة من عوّل على مساندته لقضية الحرية في سوريا).
كان الخيار هو الأسد أو احراق البلد، احـــترق البــــلد، وتشّرد الشعب، فلماذا الأسد بــــعد ذلك. حـــــرف ‘او’ يعني ان الحريق جاء بعد ان صـــار بقاء الأسد مستحيلا، او هكذا تدلّ العبارة، لكن يبدو ان للنظام طريقته الخاصة في إعراب اللغة.
لذا اندفع الإستبداد الى تطبيق شعاره الثاني، ‘الأسد او لا أحد’.فإذا كان الأبد يعني إحراق سوريا، فإن ما بعد الأبد يعني الدخول في عالم يصنعه خيال مريض، لا يشبع من سفك الدماء، ولم يعد له سوى هدف واحد هو استمرار الانتقام من ‘العبد’ الذي تمرّد على سيده الى ما لا نهاية.
الدعم اللامحدود الذي تلقاه ولا يزال يتلقاه النظام، سمح له بالذهاب الى شعاره الثاني، لكن الواقع السوري المأسوي أحدث عليه تعديلا، فاستبدل ‘أو’ ب ‘و’، والمسألة لا تقتضي جهدا لغويا خاصا، فاستبدال حرف عطف بحرف عطف آخر، مسألة في غاية البساطة. هكذا صار الشعار الفعلي هو ‘الأسد… ولا أحد’.
أي أن الخيار بين ‘السيد الرئيس′ (وهذا عنوان رواية أستورياس عن مآلات الاستبداد في أمريكا اللاتينة)، وبين الفراغ او اللا أحد لم يعد مجديا، لأن الرئيس نفسه صار هو هذا اللا أحد.
بشار الأسد سوف ينتخب رئيسا على إيقاع البراميل والدماء وفي بلد ممزق الأوصال، وسينعم باللقب سبع سنوات أخرى، أو هكذا يظن.
ولكن من هو هذا الرجل اليوم؟
هل هو الأمين القطري لحزب البعث، الذي تدعمه وتقاتل بالنيابة عنه ميليشيات أصولية عراقية ولبنانية؟
أم هو زعيم الممانعة الذي سلّم سلاحه الكيميائي مقابل ان يبقى في السلطة؟
أم هو بطل استكمال ذاكرة مذبحة تل الزعتر بحاضر مأساة مخيم اليرموك؟
أم هو بطل الجولان الذي لم تطلق فيه رصاصة واحدة منذ أربعة عقود؟
أم هو القائد العام لجيش لا يقود، بل يقاد من قبل الحرس الثوري الايراني؟
أم هو الإبن الذي نسي سر أبيه بأن تكون سوريا لاعبا إقليميا على جماجم أبنائها، فأبقى سور الجماجم الهولاكي، متخليا عن دوره كلاعب ومحولا سورية الى ملعب لكل من هب ّودب ّمن القوى الإقليمية والدولية؟
هل يحكم هذا الرجل ركام بلاده أم أنه صار جزءا من هذا الركام، وما عليه سوى ان يدفع الجزية لأسياد سوريا الجدد؟
الأسد … ولا أحد
الأسد هو اللا أحد
انه كائن ضبابي يسبح فوق الدم والأشلاء، ويدّعي انه سيكون رئيسا لجمهورية لم تعد موجودة.
هذا هو ‘ما بعد الأبد’، الذي بشرتنا به يافطة علقها الأزلام، في يوم مضى، على مداخل طرابلس الفيحاء، أو طرابلس الشام، او مدينة القهر والدم، التي لا تزال تدفع من دم أبنائها ثمن الأبد الأسدي وما بعده.
القدس العربي
بشّار الأسد و «استهبال» السوريّين/ حازم صاغية
ليس أسوأ من القسوة الوحشيّة التي يبديها النظام السوريّ إلاّ نزعته الانتخابيّة المستجدّة. فالأولى التي تفتك بأجسادهم تحترم عقولهم أكثر من الثانية التي تهين هذه العقول بوقاحة قلّ نظيرها. ذاك أنّ القسوة العارية تفترض أنّ السوريّين أقوياء ينبغي استئصال قوّتهم، أمّا السخاء في «الاستهبال» فيفترضهم «مساطيل» ينبغي تثبيتهم في «سطلنتهم».
في القلب من هذا «الاستهبال» الخبرُ الرائج عن ترشّح بشّار الأسد لرئاسة الجمهوريّة السوريّة، والذي تصدّت له النكتة وحدها تقريباً. والمضمر في هذا أنّ الأمر نكتة لا تستحقّ الردّ بغير النكتة. فالأسد المرشّح السابع بين أحد عشر مرشّحاً، قبل أن يبلغوا أربعة وعشرين لم توافق المحكمة الدستوريّة العليا إلاّ على ترشّح ثلاثة منهم، ثالثهم ترتيباً بشّار «حافظ» الأسد.
ولا شكّ في أنّ الموظّف الذي نيط به أن يكتب هذه الخلاصة ويعمّمها اصطكّت أسنانه فحاول أن يقول لرؤسائه: أعفوني من مسؤوليّة السماح لبشّار حافظ الأسد بالترشّح. ذاك أنّ الرئيس إن لم يغضب، غضبت عظام أبيه وأتت تنتقم في ليلة شكسبيريّة كالحة.
ولا بدّ من أنّ روع هذا الموظّف هُدّىء وسُكّن بأن قيل له إنّ الحدث كلّه أقرب إلى سهرة مقنّعة وإنّ عليه أن يلبس القناع لساعات قليلة.
مؤكّدٌ أنّ ذاك الحدث، بطبيعته، نكتة، والنكتة موضوع نموذجيّ للتنكيت. لكنّه ما دام حدثاً، والحدث هو ما يحدث، بات يستحقّ التعامل معه بجدّ. ذاك أنّ كثيراً من الجدّ مقيم في هزليّة الحدث المذكور. والجدّ هذا هو بالضبط صورة السوريّين عند رئيسهم وأجهزته.
فالأسد، بـ «ديموقراطيّته» المستجدّة زاد في الرقّة حتّى شجّع «مراقبين» و «معلّقين» موالين له، في سوريّة وفي لبنان، على المشاركة في «الاستهبال». وهؤلاء تساءلوا على شاشات التلفزيون ببراءة مطلقة: هل حصل مثل هذا في سوريّة منذ خمسين عاماً؟
وفي ذلك بدا شيء من ردّة الفعل التي اعترت المشدوهين بانشقاق القبر وخروج المسيح منه بعد ثلاثة أيّام على صلبه، وفق الرواية المسيحيّة. وهذا ما حصل فيما السماء تُبرق وتُرعد بينما تحاول الأرض ألاّ تنشقّ.
أمّا الإيحاء الضمنيّ هنا، فإنّ طرفاً ما غامضاً كان يمنع حصول انتخاباتٍ طوال حقبة مديدة. بيد أنّ الأسد قرّر أخيراً أن يتمرّد على هذا الطرف الغامض الذي ربّما كان الشعب نفسه وربّما كانته الإمبرياليّة أو الصهيونيّة. لكنّ الذاكرة غير المعروفة بقوّتها تقول إنّ حزب البعث حكم سوريّة منذ 1963، وإنّ حافظ الأسد هو الذي حكمها شخصيّاً منذ 1970 ليورّث الحكم بعد ثلاثين عاماً لنجله الرئيس الحاليّ.
فصورة النظام عن شعبه تنطوي إذاً، وأوّلاً، على خداع يُفترض ألاّ ينطلي على أبله. غير أنّ الأبله هذا، الذي لم يُسأل رأيه منذ خمسين عاماً، يُطلب منه اليوم أن يبدي ذاك الرأي من خلال اقتراعه. وبما أنّ النتيجة الانتخابيّة معروفة سلفاً، فالأمر لا يعدو كونه مسرحةً ومسخرةً لرأيه أو «باروديا» عنه. ذاك أنّ الخدعة تحمل في بطنها خدعة تحمل، هي الأخرى، في بطنها خدعة… وهكذا دواليك.
وهي ديناميّات بسيطة في «استهبال» السوريّين الذين أفضى قتل الأسد لهم إلى هجرة وتهجير يحولان دون تصويتهم أصلاً.
غير أنّها رسالة بليغة، لا في احتقار السوريّين فحسب، بل أيضاً في احتقار المعاني والدلالات. فلقد قال النظام: تريدون انتخابات؟، خذوا انتخابات يخوضها منافسون لسيادة الرئيس. أمّا تلك القيمة التي بدأت صناعتها مع اليونان القديمة، والمسمّاة ديموقراطيّة، فنصنعها ونحن واقفون على رِجل واحدة، ما بين مقتلة عابرة وأخرى. ذاك أنّ كلّ شيء قابل للصنع كوجبة سريعة «تستهبل» مئات الكتب التي وُضعت في الديموقراطيّة وشروطها. وهي أيضاً رسالة بليغة في احتقار العالم الذي يراد له أن يصدّق أنّ «ديموقراطيّة» ولدت في سوريّة ما بين برميل متفجّر وبرميل.
وذلك كلّه، ولفرط الثقة بالنفس، يبدو أشبه بما تتحفنا به كوريا الشماليّة. فالعزلة والهذيان اللذان يجعلان الحاكم «يستهبل» الشعب والعالم والمعاني دفعة واحدة، لا يبقى منهما في النهاية إلاّ «استهبال» صاحبهما.
الخياة
من سيفوز في الانتخابات الرئاسية السورية؟/ د .خليل قطاطو
تضاربت الانباء بشأن عدد الذين تقدموا كمرشحين للرئاسة السورية، هل هم 17، 21، أم 24، لا يهم. نشرت الاسماء مع مدنهم وسنوات ميلادهم. عدا الرئيس بشار الأسد، فالأسماء غير معروفة، وبينـــــهم امرأتان ومسيحي. القائمة التي أعلن عنها رئيس مجلس الشعب السوري ونشرتها وكالة الأنباء الســـورية الرسمية وضعت اسم بشار حافظ الأسد بين الاسماء، ومن دون ان تسبقه كلمة رئيس، في اشارة الى الحيادية منذ اليوم الأول، قمة الديمقراطية!
مجلس الشعب السوري يتكون من 250 عضوا، 161 منهم من حزب البعث، أما الـ89 الباقون فمن أحزاب أخرى، حواش، أي تكملة عدد، لا نعرف الكثير عن مبادئ ومرتكزات أحزابهم، ولكن الثابت فيها كلها انها لا تحتوي كلمه ديمقراطية ـ مهمة جدا، لا. وافق الأعضاء بالأجماع، بعثيين وغيرهم، على الا ينطقوا بلا’طيلة بقائهم في المجلس، وبعد خروجهم منه! حفظوا بروتوكولات المجلس منذ اليوم الاول وطبقوها بحذافيرها لأنها بسيطة’ كمهمة وطنية، حفظ اللسان، فالسكوت من ذهب، والوقوف عندما يدخل الرئيس ويخرج وعندما يتفوه بالدرر، والتصفيق الحاد طبعا عندما تنهمر العبر من فمه.
ينص الدستور السوري على أن على المرشح ان يحصل على تأييد 35 عضوا، على الأقل، من مجلس الشعب، ولا يحق لأي عضو بالمجلس أن يؤيد غير مرشح واحد. أعضاء البعث الـ161 حسموا امرهم ، للرئيس طبعا. أما الاخون الـ89 فيتمتعون بكامل حريتهم التي كفلها لهم الدستور وسيوافقون على ترشيح واحد أو اثنين فقط، اذا ارادوا، وبذلك سنشهد معركة انتخابية حامية الوطيس بين الرئيس الاسد الابن، الاسد الوالد كان المرشح الاوحد دائما (معا الى الابد يا حافظ الأسد) ومنافس أو منافسين اثنين، مثل المعركة الاخرى التي نتلهف لمعرفة نتائجها عندما ينشق عنها الغبار، بين السيسي وصباحي، يقتلنا الفضول، وسننتظر على احّر من الجمر هذين العرسين الديمقراطيين. ستمر الايام القادمة علينا ثقيلة وبطيئة كالسنين، أو قل القرون، ولكنه انتظار الولهان الذي لا يمل.
الاعلام الرسمي السوري أعلن أنه سيقف على مسافة واحدة من كل المرشحين. المعروف ان سوريا بلد عريق في أصول الديمقراطية، فسوريا بلد لم تعرف الانقلابات العسكرية قط.
في الخمسينات والستينات من القرن الماضي لم يكد السوريون يحفظون اسم رئيسهم الجديد حتى يصحوا في اليوم الثاني على بيان رقم واحد جديد ورئيس جديد، وهكذا الى أن أنعم الله على الشعب السوري المسكين بالثورة التصحيحية على يد الاسد الاب، أراحهم من الانقلابات بعد ان نشر العدل وسمح بتعدد الاحزاب وأرسى قواعد الديمقراطية! وجثم على صدورهم 29 عاما فقط! كان رؤوفا بشعبه ولم يشأ أن يتركهم يتامى لا يتدبرون أمرهم، فورّثهم لابنه الذي سبق والده أميالا في نشر العدل بين الناس.
ان كان الرئيس حافظ الاسد عرف بما فعله في حماة، فان بشار الأسد أبى الا أن يعمّ خيره كل أنحاء البلاد فلم يترك مدينة أو قرية أو بلدة مهما صغرت على الخريطة ألا وصب عليها حمم براميله وصواريخه وشبيحته
الحكومة السورية’(والرئيس ومجلس الشعب والاعلام).
يتكلمون عن انتخابات والبلاد أصبحت كجسد الصحابي خالد بن الوليد،
الراقد في حمص، ليس فيها موضع الا وفيه ضربة لسيف أو طعنة لرمح. فلتقم الانتخابات اذا وجد سيادة الرئيس موطئا لصناديق الانتخابات على الارض السورية التي تنزف. فلتجر الانتخابات ان وجد الناخبون خبزا وماء ودواء لآلامهم قبل أن يدلوا بأصواتهم.’وليتقدم سيادة الرئيس ويقدم للشعب قائمة بانجازاته (ضحاياه) في السنوات الثلاث الماضية. ماذا لو تجرأ الرئيس السوري ونزل الى ساحة الامويين او ساحة العباسيين وقال: ‘أيها الناس ان رأيتم فيّ أعوجاجا فقوموني’،’ترى كم من الرعية سيقومونه بسيوفهم؟
التجارب العربية الديمقراطية مبكية مضحكة.. مرشح واحد أو استفتاء بنعم ولا، أو بالأصح بنعم أو نعم، وتزوير، والرئيس الذي يترشح ولا يكف عن الترشح حتى لحظة التقاطه أنفاسه الأخيرة أو حتى على كرسي متحرك.
أما في المشهد السوري فالأمر أكثر سوداوية، يترشح الرئيس ويطلب من الضحايا أن ينتخبوه لولايه ثانية، حتى يكمّل عليهم، عفوا يكمّل المهمة. انه ببساطة يطلب منهم أن يصنعوا له كرسي الرئاسة، من جماجمهم.
من سيفوز بالرئاسة السورية؟ سيكون الجواب سهلا عندما ينعدم الخوف والتزوير وينقرض المنتفعون وجوقة الاعلام المضلل. قامت الثورات العربية على السلطات الفاسدة. لم يغادر أي رئيس أو ملك أو أمير عربي كرسي الرئاسة الا وورّثنا ابنه أو اخاه أو أحدا على شاكلته، من حاشيته، أو كاد، حتى رفعنا أيادينا بالدعاء ‘اللهم أنّي داع′ فأمّنوا: اللهم ارزقنا حاكما عقيما أو مقطوعا من شجرة.
كاتب فلسطيني
القدس العربي
من حل حمص إلى التخفيف عن كييف مصادفة غريبة أم ربط تزامني بالانتخابات؟/ روزانا بومنصف
هل من رابط او صلة بين ان يخلي الثوار المقاتلون في حمص القديمة المدينة الاربعاء الماضي في 7 أيار الجاري بموجب اتفاق مع النظام السوري باشراف الامم المتحدة واعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاربعاء نفسه سحب قواته البالغ عددها 40 الف جندي من الحدود الاوكرانية تزامنا مع دعوته الانفصاليين الموالين لموسكو في اوكرانيا الى تأجيل الاستفتاء على الانفصال قبل موعده المقرر بعد غد الاحد استباقا للانتخابات الاوكرانية في 25 ايار بنية تعطيلها، ام ان احد هذين التطورين تم على نار التطور الآخر؟
فالموقف الروسي المستجد من اوكرانيا والمتساهل او المتراجع الى حد ما، بدا مستغربا بالنسبة الى رئيس يرفع التحدي في وجه اميركا والدول الاوروبية فيضم القرم ويعتد باعادة الهيبة الى بلاده على الصعيد الدولي متصديا لأحادية السيطرة الاميركية في العالم، فيما يظهر هذا التساهل انه يتراجع امام مجموعة عقوبات اميركية واوروبية طاولت شخصيات قريبة منه وشركات على نحو أربك الاقتصاد الروسي على رغم انه يجب الاقرار بان الاتصالات لم تنقطع بين روسيا والاوروبيين وثمة مساع جدية لحل الازمة الاوكرانية ومنع انزلاقها الى حرب اهلية. يضاف الى ذلك ان روسيا اعقبت هذه المواقف، وعلى رغم كل التشكيك والتصعيد العلني من جانب الاوروبيين، بالاعلان ان بوتين سيحضر الاحتفال في ذكرى انزال الحلفاء في الحرب العالمية الثانية في فرنسا في 6 حزيران المقبل، مما عدّ بالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين بداية الطريق الى تراجع في مستوى التوتر ورغبة في اعادة التطبيع بينه وبين الدول الغربية والولايات المتحدة وتخفيض مستوى الخلاف على الوضع في اوكرانيا.
اذا كان الامر مجرد مصادفة فانه قد يكون مصادفة غريبة نظرا الى ارتباط الوضعين في سوريا كما في اوكرانيا بصراع نفوذ دولي اساسي اصحابه من الاطراف نفسها. وهذا لا يتعلق بنظرية المؤامرة التي يعتقد بوجودها بقوة قادة رأي في منطقة الشرق الاوسط متى حصل تفاهم دولي كانت بلدانهم ضحاياه او غير مشاركة فيه او جاء على حساب هذه الدول، لكنه قد يكون من الصعب بالنسبة الى المراقبين الديبلوماسيين عدم الربط بين تلازم توقيت التطورين او الحدثين السوري والاوكراني وتجاهل تزامنهما الذي، وفقا لهؤلاء، يحض على وجوب البحث ومحاولة معرفة بين جملة احتمالات من بينها اذا كانت ثمة مقايضة قد حصلت بالتوقيت نفسه بين الوضعين المتأزمين في سوريا واوكرانيا في ضوء تطورات الموقف الروسي. وتاليا هل ان هناك تفاهما ما بالحد الادنى بين اميركا وروسيا ام انها مجرد خطوات تم تبادلها ولا تترجم اتفاقات متكاملة، تماما كما حصل بالنسبة الى الاتفاق على نزع السلاح الكيميائي السوري الذي صيغ في ظروف معروفة للجميع لكن في ظل انسداد افق التسوية السورية وعدم امكان ترجمة بيان جنيف 1 حول الحكومة الانتقالية بحيث لم يؤد الاتفاق على الكيميائي السوري الى اتفاق اميركي روسي لحل الازمة. الامر الذي يعني تاليا وجوب البحث اذا كان منح الاسد الذي يدعمه بوتين ويستعد لانتخابات رئاسية من المفترض ان تجدد له ولاية اخرى، اعادة السيطرة على حمص بعد ثلاث سنوات من الحصار والتجويع والقتل من دون القدرة على انهائها عسكريا على رغم كل المساعدات العسكرية والمادية التي تلقاها، في مقابل تخفيف بوتين الضغط على حكومة كييف من دون اتضاح اذا كان ثمة بنود يلتزمها فعلا الرئيس الروسي بحيث يسمح باجراء الانتخابات في اوكرانيا في 25 ايار الجاري من دون تعطيلها او محاولة تفجيرها من الداخل عبر استفتاءات الموالين لروسيا من اجل الانفصال عن كييف وما شابه. الامر الذي طرح تساؤلات حول ترجمة ذلك في اتاحة اجراء الانتخابات الاوكرانية على انها مقايضة مقنعة لاتاحة اجراء الانتخابات السورية التي تقول روسيا انها ستشارك في مراقبتها (!) ما يعني ان روسيا تتحضر لتأمين غطاء شرعي لهذه الانتخابات على رغم اقرارها سابقا بالتشكيك ضمنا فيها ما دامت تجرى في مناطق سيطرة النظام وفي ظل اعتراض المعارضة ووجود اعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في بلادهم وخارجها.
وفي غياب اي معلومات او معطيات مؤكدة، تجدر الاشارة الى ان ما لفت المراقبين في التطور السوري هو التركيز على المشاركة الديبلوماسية الايرانية فيه، والتي للمناسبة لم تحظ باي تعليق من اي نوع سلبيا كان ام ايجابيا ومن اي كان ايضا اقليميا او دوليا، بما لا يعزل ما حصل عن اعطاء الانطباع بان ما حصل ربما كان تفاهما متعدد الطرف والاتجاه حتى لو كان الامر مرتبطا بوجود اسرى او قتلى ايرانيين لدى الثوار في حمص. ذلك علما ان واشنطن اعطت مؤشرات، تزامنا مع هذا التطور، مناقضة نسبيا لاي استعداد لها للتسليم الواقعي باعادة تأمين بشار الاسد استمراريته في السلطة من خلال استقبالها رئيس الائتلاف السوري المعارض احمد الجربا يوم الاربعاء ايضا والذي عطفته على الاعتراف للمعارضة في واشنطن بأنها بعثة خارجية على نحو متعدد الهدف كون الجربا في واشنطن اخذ الضوء نوعا ما من امام خروج الثوار من حمص القديمة، فضلا عن ان هذا الاستقبال قد يدحض تسليم واشنطن بالامر الواقع الذي تستدرجه اعادة اعطاء حمص للنظام من جهة والذي تقول مصادر ان الوضع المأسوي للمدينة هو الذي فرضه.
النهار
الاسد يملك ولا يحكم/ ساطع نور الدين
للوهلة الاولى بدا ان البيان الذي اصدرته الرئاسة السورية ظهر السبت هو بمثابة البلاغ الرقم واحد لانقلاب حصل بالفعل في دمشق، اطاح بالرئيس بشار الاسد وحرمه من خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، وعطل العمل بالدستور، وجمد الحياة السياسية السورية…
لكن تأخر البلاغ الثاني، الذي كان يفترض ان يدعو السوريين او من بقي منهم على قيد الحياة الى الاستعداد لمبايعة الحاكم الجديد او المجلس الانتقالي المؤقت، أثار الاشتباه بان ثمة خطأ حصل في قصر الرئاسة، سواء في الصياغة او في النشر او حتى في التوقيت.. او أن ثمة خلافا داخليا ما في أروقة السلطة في دمشق حول ادارة الحملة الانتخابية للرئيس الاسد، التي تشتد ضراوة مع اقتراب موعد توجه الناخبين السوريين الى صناديق الاقتراع في الثالث من حزيران يونيو المقبل.
لا يمكن ان تكون الرئاسة السورية قصدت في بيانها الغريب الذي تعلن فيها حرفيا “انها على مسافة واحدة من كل المرشحين..” وقوفها على الحياد، الا إذا بلغت السخرية حدها يفوق التصور. ولا يعقل ان تكون الرئاسة ارادت ان تؤكد التزامها بالدستور، الذي لا يلزمها اصلا بمثل هذا الموقف المحايد، وتجدد احترامها لمبدأ الفصل بين السلطات التي لم تطلب يوما مثل هذا الفصل، ولم ترغب به طبعا..
ثمة مؤسسة جديدة في سوريا تعلن عن نفسها، وتقدم اوراق اعتمادها. هذا هو الانطباع الفوري الذي يتركه البيان المفاجىء الصادر في وقت واحد تقريبا مع اعلان المهندسة سوسن حداد انضمامها الى المنافسة على منصب الاسد، مع مرشحين آخرين سبق ان قررا خوض المعركة الانتخابية هما ماهر حجار وحسان النوري.. وهو ما حفز الرئاسة السورية على ان ترحب في بيانها ايضا “بالجو الديموقراطي والحر الذي تسير به مرحلة الترشح لشغل منصب الرئيس في سوريا”، وهو منصب ليس شاغراً الان ولن يكون شاغراً في الثالث من حزيران!
لعل البيان اراد فقط القول ان المعركة لا بد ان تأخذ مجراها الطبيعي، وان يتعدد المرشحون، حسب النص الدستوري، الذي يفرض المنافسة، والا يكون الاسد مضطرا للبقاء في منصبه سنتين فقط ، (حتى تنظيم انتخابات تعددية جديدة)، بدلا من ولاية كاملة من سبع سنوات ينالها بعد ان تفرز اصوات الناخبين مساء الثالث من حزيران المقبل ويتبين انه فاز على منافسيه الثلاثة الحاليين. ثمة من يتوقع ان يزيد عدد هؤلاء المنافسين مع اقتراب موعد التوجه الى مراكز الاقتراع، لعل في ذلك ما يكسب الانتخابات المزيد من المصداقية والشرعية، وما يكيد للمعارضة التي لا يمكنها ان تحلم بان تضم إسما واحداً فقط الى تلك اللائحة..
قد لا يكون اعلان الحياد زلة او غلطة. هو في العمق يعبر عن تعالي الرئاسة والرئيس وسموه فوق مبدأ الترشيح وحق الانتخاب، وكأنه يعتبر ان التنافس يدور بين آخرين، وعلى منصب آخر غير منصبه. وفي هذه الحالة ترتقي السلطة الى مصاف خارج الادراك، ويشي البيان بما يجول في لاوعي الرئيس والرئاسة من جدل خفي حول الفكرة التي طرحت يوما كحل للازمة السورية عن بقاء الاسد شخصيا في منصبه من دون صلاحيات، سوى البروتوكولية. رئيس يملك ولا يحكم. وهي فكرة سبق ان أفقدت النظام رشده، مثلما أفقدت المعارضة وعيها، وساهمت في طغيان منطق الثأر وفي غرق سوريا في بحر من الدم.
المعركة الانتخابية ما زالت في بدايتها. البيان الاول الصادر عن القصر مجرد تلميح أولي عما يدور في خلد الرئيس والرئاسة. وهو يستدعي تحليلأ نفسياً اكثر مما يتطلب تحليلاً سياسياً. فالعبرة في النتائج التي ستفرزها الارض السورية، حيث يمكن ان يزيد عدد المرشحين ويتقلص عدد الناخبين، بما ينفي الحاجة أصلاً الى فتح صناديق الاقتراع، أو فرز الاصوات.
المدن
بشار الذي أنهى … الإسلام السياسي!/ علي الرز
ربما كانت أكثر الأمور صدقاً في مسلسل الكذب الأسدي الدموي الطويل هو مطالبات أنصار بشار الاسد له بأن يصبح ملكاً على سورية تتعاقب ذريته على حكمها لاحقاً. اما أكثر الأمور كذباً وتدجيلاً واحتقاراً للعقول فهو تباهيه اليومي بانه «أنهى الإسلام السياسي» قاصداً المواجهات مع تنظيمات «القاعدة» وأخواتها في سورية.
هذا الرجل الذي يعبد نفسه ويقدّسها ويحتقر الأديان كلها هو المسؤول الأكبر عن استيراد شحنة الاسلام السياسي الفاسدة الى سورية لتحويل المعركة من مواجهة شعب ثائر سلمياً الى مواجهة إرهابيين متطرفين روّعوا الآمنين واعتدوا على المؤسسات وأقاموا محاكم تفتيشهم على الارض واغتصبوا الأقليات وحقوقها.
هذا الرجل الذي سرّبت أجهزته الامنية في بداية الثورة كل مقاطع الفيديو التي تظهر أنصاره وهم يعذّبون المعارضين والمتظاهرين لا لشعاراتهم السياسية بل لمعتقداتهم الدينية ويطلبون منهم ان يقولوا «لا اله إلا….»، هو مَن استدرج مناخات متطرفة، وضحك على مَن اعتقده غبياً يقصف سلطته بهذه المشاهد، لانه عملياً كان يقصف البنى الاجتماعية السورية ويطبّق ما تمّت برْمجته في غرفة القيادة الموحّدة.
هذا الرجل عمل بخطوطٍ متوازية على صرف إرهابه الاسود في اليوم الأبيض… يوم انتفاضة السوريين الرائعة. كل مَن أرسلهم الى العراق مع ايران أعاد تجميعهم، وكل مَن كانوا في مخازنه – مثل أنصار «فتح الاسلام» وغيرها- أخرجهم ونفض عنهم الغبار وبدل ان يرسلهم للجهاد في نهر البارد والعراق كما كان يفعل، أرسلهم الى شمال سورية وجنوبها ووسطها مدجّجين بحلم الإمارة الإسلامية التي لا يجدون في ظل الابواب الاقليمية والدولية الموصدة الا الانتحار من اجلها. وبالطبع لم تبخل ايران بإمداده باللاجئين اليها من افغانستان عبر الجسور الجوية والبرية المفتوحة. وللتوثيق، فقط للتوثيق. ايران التي فتحت لسنوات عقلها الامني قبل ارضها لايمن الظواهري، تستطيع فتح الطريق لجماعته الى سورية.
هذا الرجل لعب على أقذر أنواع العصبيات عند الذين كانوا قبل ذلك خارج هذه اللعبة. وبين ممارسات مخابراته وممارسات «المجاهدين» وجهل المعارضين وغياب الرؤية عند كثيرين، تأسست في سورية مسألة اسمها «تحالف الاقليات» تضمّ مجموعات من أبناء الطوائف غير المسلمة وعدداً كبيراً من الشيعة والعلويين، تجمعهم فقط غريزة الالتفاف حول «حامي الطوائف الشرقية».
وهذا الرجل الذي «أنهى الإسلام السياسي»، يعرف كما يعرف الجميع ان المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية في ايران السيد علي خامنئي هو مَن أعطى الفتوى للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله بالمشاركة في القتال في سورية دعماً له، وان الشعارات التي أطلقها الحزب اللبناني لترجمة امر الولي الفقيه وتبرير تدخّله هي شعارات دينية موغلة في الطائفية مثل حماية مزارات الشيعة او الاستجابة لما ورد في كتب دينية قبل مئات السنين عن رايات تقاتل في برّ الشام.
وهذا الرجل الذي «أنهى الاسلام السياسي»، أرسل له قائد لواء القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني عشرات الآلاف من «عصائب اهل الحق»، وهم التنظيم الأكثر تطرفاً ومذهبية في العراق المنشقً عن التيار الصدري، ومَن يستمع الى قادة العصائب وهم يتحدثون عن أسباب وجودهم وقتالهم في سورية يترحّم على «الإسلام السياسي» الذي يقصده بشار.
هذا الرجل يتحدث وكأن مَن يحمي نظامه اليوم تكتلات مدنية علمانية ليبيرالية ديموقراطية قومية يسارية. عملياً، يحميه الحرس الثوري الايراني، «حزب الله»، «عصائب اهل الحق»، تكتلات علوية متطرفة ملتحقة بأنصار الجيش السوري او ما بقي منه. وفي النتائج السياسية يحميه ايضاً تنظيم «داعش» وجبهة «النصرة» والمجموعات المقاتلة المتطرفة والدعاة الذين نصّبوا أنفسهم حكّاماً و«الامراء» الذين يتحكمون بخلق الله في سورية… وكل هذه التكتلات تتجاوز الإسلام السياسي الذي «انتهى» منه بشار الاسد الى الإسلام الطائفي المذهبي العسكري الأمني الهمجي.
إما ان بشار يكذب، وإما أن كل التكتلات الدينية الطائفية التي تحمي نظامه ستعتمد منهجاً ليبيرالياً انفتاحياً مدنياً لتثبت انه فعلاً أنهى «الإسلام السياسي» ولم ينه سورية وشعبها وتاريخها وحضارتها.
الرأي الكويتية
فضيلة المؤرخ بشار الأسد/ مشاري الذايدي
لكنه ضحك كالبكا. هذا هو التعليق الذي يتبادر للذهن مع فتاوى ولمعات ولمحات الدكتور، المدني الحضاري الفقيه اللغوي، بشار الأسد.
طالعوا ماذا قال هذا الطلعة الهمام. فقد وجّه الأسد، كلمة مطولة إلى رجال الدين، حسبما نشر في موقع «سي إن إن» الأميركي، بنسخته العربية، ومما ذكره الأسد في كلمته أمام رجال الدين إقراره للمرة الأولى بوجود من وصفهم بـ«عشرات الآلاف من الإرهابيين السوريين»، وهو الوصف الذي يطلقه على مسلحي المعارضة، وبرز في هذا الإطار قوله إن خلفهم «حاضنة اجتماعية»، وقدر عدد أفراد تلك الحاضنة بما يصل إلى «الملايين من السوريين».
هذا الإقرار تحصيل حاصل، لو أنكره بشار فهو يعرض نفسه للسخرية أمام أطفال العالم، فلا يمكن حجب صوت البراميل المتفجرة عن أسماع البشر على هذه المعمورة.
دعنا من هذا، ولنتأمل في تجليات الأسد الفقهية والتاريخية والسياسية، اتهم «مولانا» البعض بـ«تسطيح العقل في فهم القرآن». وحذر «شيخنا» من محاولات ضرب «العقيدة» من خلال التلاعب في المصطلحات قائلا «عندما نخسر العقيدة نخسر الثقافة ونخسر معها الأخلاق». كلام مؤثر حافل بالحساسية المرهفة.
وتابع في لحظة كشف لغوية اصطلاحية، أين منها كشوفات وتجليات الراحل معمر القذافي: «المصطلحات تتبدل بحسب مصالح الغرب، ونحن مع كل أسف خاصة في الإعلام العربي، نتبناها كما هي. لنأخذ مصطلح الإسلاميين. ماذا يعني إسلاميون؟ الآن يوجد مصطلح الإسلامويون، مع أنه لا يوجد وزن مفعليون، كما في اللغة العربية. لكن عمليا الإسلامويون هي دمج لكلمة إسلامي – دموي».
يتحدث عن غيرته على الإسلام، وحميته للعروبة، وأنه يغار على حمى الدين أكثر من السعودية! ويحمر أنفه للعروبة أكثر من السعوديين، ويتحدث، في حالة اغتيال للتاريخ والذاكرة، أن السعودية هي المسؤولة عن انكسار عبد الناصر، «السني العربي». ويضرب عرض الحائط بما يعلمه الكل عن المسؤول عن إفشال الوحدة بين سوريا ومصر، وهم البعثيون، وتحديدا حافظ الأسد، بإقرار عبد الناصر نفسه!
وأضاف أن السوريين هم من بنوا الدولة الأموية، دولة الإسلام، وأن العرب الأوائل لو كانوا قادرين على بناء الحضارة من مكة ومن المدينة لما أتوا لبلاد الشام!
أما المضحكة المبكية فهي تذكيره بالأحاديث النبوية التي تحض على «طاعة الأمير» حتى وإن كان من غير المتبعين للسنة النبوية. وهذا موقف سني تاريخي معاكس تماما للنظرية السنية الشيعية الثورية التي قامت عليها جمهورية إيران الخمينية، التي يقول مؤرخنا الهمام الأستاذ بشار بعد هذه الفقرة بلحظات متهما السعودية، وليس الخميني ودستور إيران الإثني الطائفي، بأنها هي التي أثارت الحماس الأصولي الطائفي في المنطقة، يصف بجرأة متناهية ثورة الملالي بإيران «ثورة طرحت نفسها كثورة إسلامية بالمعنى الشامل، ولم تطرح نفسها كثورة شيعية». من فضلك دكتور بشار. انشغل ببراميلك المتفجرة، وتنظيم الشبيحة والميليشيات، ودعك من حديث التاريخ والفقه.
الشرق الأوسط
انتخابات سورية في غياب نصف السكان/ عبد الوهاب بدرخان
قيل كل شيء تقريباً في الانتخابات الرئاسية المزمعة في سوريا، ومع ذلك تبقى ثلاث بدهيات في كل الأذهان، ولا بدّ من تسجيلها. الأولى أنها بمواصفاتها الخاصة وبكل المواصفات المعروفة، غربية أو عربية، متكيّفة مع الظروف ،أو متجاهلة، أو بينَ بين، لا يمكن أن تُسمّى انتخابات. والثانية أن الجدل حولها بيزنطي عقيم، ذاك أن هناك قانوناً للانتخاب و«دستورًا» ينص على إجرائها، وأن هناك أياد تُدلي بالمظاريف في صناديق الاقتراع، إلا أن النظام ألغى منذ نشوئه الانتخابات معنىً ومغزىً ووظيفة، وغدا التصويت مجرّد دفع للبلاء واجتناب للأذى. أما الثالثة فهي أنه يصعب العثور على حاكم راكم كل هذه الارتكابات في حق البشر والحجر والزرع والضرع، ثم يفكّر في أن يعيد انتخاب نفسه بالطريقة البائسة نفسها. فليبقَ، طالما أنه باقٍ، والسلام.
تقول الحجّج الطبيعية، إن النظام لا يريد فراغاً دستورياً، ولاتشكيكاً في «شرعية» وجود الرئيس، وأن الاستحقاق أزف وينبغي احترامه، هذا يفترض أن كل ما أقدم عليه النظام، طوال عقوده الخمسة، كان في إطار «دولة قانون» بامتياز أين منها الدول العريقة ذات الدساتير المكتوبة، أو العرفية غير المكتوبة، فتاريخه متخم بممارسات لا يقرّها قانون ولا عرف، ولا مجال هنا للغوص فيها، إلا أنه يحسن التذكير فقط بأن دستور أي «جمهورية» لا يمكن أن ينصّ على توريث الرئاسة، أو جعلها وراثية، وإلا فهي ليست جمهورية.
لم يخطر في بال أصحاب تلك الحجج أي حال أصبحت عليها «الشرعية»، وفي أي حال يراد تجديدها، وكيف يمكن للحاكم القول، إنه لا يرى شيئاً «يمنعه» من الترشّح للرئاسة، ولعله لم يخطئ، فهو يعرف جيداً أن «الشرعية» التي يُحكى عنها أُخذت عنوةً، ولم يمنحها الشعب ليستردّها.
لكن هناك الكثير الكثير مما تمكن رؤيته، بل مما يصفع العيون، ويخلع القلوب، ويستوقف العقول ويستدعي الضمائر، وجلّ ما يُرى هو من «إنجازات» النظام، ففي الكارثة التي تعيشها سوريا ما يشير بوضوح وبساطة إلى إخفاق تاريخي ونهائي لبنية سياسية وقيمية متخلفة ومتهتّكة استندت أولاً وأخيراً إلى «آلة القتل»، ولم تستطع الخروج من عصر غابر اغتربت إليه، ولم تهتدِ إلى سبيل للعودة منه، فما «يمنع» الترشّح وإجراء الانتخابات هو هذا المليون إنسان سوري بين قتيل وجريح ومعوّق ومفقود ومعتقل تحت التعذيب، وهو ما يقارب نصف الشعب السوري بين مهجّر ونازح وهارب وجائع ومحاصر، وهو ملايين الأطفال الذين خرّبت حياتهم، وخُطفوا خطفاً من مدارسهم ومن مستقبلهم، وهو هذه المدن والبلدات، والقرى التي اقتلع أهلها اقتلاعاً، ولم يعودوا إلى أي مكان استعادته قوات النظام وحلفاؤه، أي هو هذان الأمن والأمان اللذان ما عاد النظام يمثّلهما أو يوطّدهما لا لخصومه ولا حتى لأنصاره، بل هذا الدمار والأرض المحروقة، وهو هذا الاقتصاد المتمادي في الانعدام، وبالأخصّ هو هذا البلد الذي يتلاشى وتتشظّى خريطته، وأخيراً هو هذا الشعب الذي اكتوت طيبته وانتُهكت كرامته وديست مسالمته وسُحقت طموحاته… هذا بعضٌ مما يُرى الآن ولا يراه سوى أعمى البصيرة، فإذا لم يشكّل سبباً لعدم الترشّح، فلا شكّ أنه يكفي دافعاً لواحد من أمرين: الانتحار أو الرحيل.
يُقال أيضاً، إن النظام استطاع أن يبرهن أمرين: أولاً أنه استعاد زمام المبادرة عسكرياً، وثانياً أن لديه هو الآخر أنصار يشار اليهم لتأكيد أن «الشعب معه». أصبحت أسباب «الانتصارات» الميدانية معروفة، فالقوى الدولية الداعمة للمعارضة القلقة من انتشار المجموعات الإرهابية سكتت عن تدخل إيران و«حزب الله» والميليشيات العراقية، مفضّلةً الشيطان الذي تعرفه على ذاك الذي لا تعرفه، لكنها لم تتجاهل دور النظامين الإيراني والسوري في تسهيل اختراق إرهابيي «داعش» لمناطق المعارضة، ولذلك، فإن انتصارات النظام لم تترجم بقبول له والصفح عن جرائمه. أما «الشعب الذي هو معه»، فهو الشعب الذي كان دائماً معه محكوماً بقانون الصمت والخوف. هناك طبعاً مَن هم مع النظام بحكم الانتماء والمصالح، لكن خوفهم منه ومن أخطائه وتهوّراته بات ينافس خوفهم عليه. فحتى هؤلاء المؤيدون لم يشأوا في أي يوم أن يُقصم ظهر التعايش الوطني، وأن تُوضع وحدة البلد في مهب الريح، ولا شك أنهم يتساءلون كسواهم كيف تُجرى انتخابات في غيابٍ قسري لأكثر من نصف السكان؟
الاتحاد
صناديق للاقتراع… وللموتى!/ راجح الخوري
كان على بشار الاسد ان يكتفي بتقديم طلب ترشّحه للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في ٣ حزيران المقبل والتي تجمع عواصم العالم على انها “مهزلة ومسخرة المساخر”، ولم يكن في حاجة الى الإدلاء بتصريحات مستغربة تؤكد إما انه يعيش خارج واقع سوريا الكارثي وإما انه يختار إقامة العرس الانتخابي وسط المأتم الوطني!
“الأسد قدم ترشيحه وأهاب بالمواطنين السوريين عدم إطلاق النار تعبيراً عن الفرح بأي مناسبة كانت، وخصوصاً ونحن نعيش في اجواء الانتخابات التي تخوضها سوريا للمرة الأولى في تاريخها”. ولكن ما حاجة “الفرحين” الى اطلاق النار والمفرقعات، اذا كان جيشه يطلق الصواريخ ومدافع الميدان على المدن ويقصف الاحياء بالمقاتلات ويسقط البراميل المتفجرة على البيوت؟
غريب قوله انه يعيش أجواء الانتخابات بينما تتخبط سوريا في مستنقع الحديد والنار، وغريب ان يعترف بأنها اول انتخابات في تاريخ سوريا الحديث، ولكأن استفتاءات الماضي وارقام الـ ٩٩,٩٩ كانت كلها من الأكاذيب، وغريب ايضاً قوله ان الوعي الوطني يتجلى بالتوجه الى صناديق الاقتراع، بينما الواضح ان الوعي الوطني الحقيقي هو الذي أدى بمعارضيه الى صناديق الموت!
كانوا ستة مرشحين يمثلون الكومبارس الانتخابي والديكور الفاقع للحديث عن الديموقراطية، والسابع هو الاسد بعد تسريبات مضحكة عن عدم دستورية ترشّحه لأن زوجته تحمل الجنسية البريطانية، وكل هذا لإثارة المزيد من التعمية الديموقراطية، ولكن ليس من الواضح ما اذا كان هؤلاء الستة سيعودون في النهاية الى بيوتهم، إن بقيت لهم بيوت في سوريا المنكوبة، او الى “بيت خالتهم”!
اذا كان النظام لا يسيطر على اكثر من ثلث البلاد فكيف يمكن الحديث عن انتخابات، واذا كان الذين خرجوا من سوريا بطريقة غير شرعية، اي الهاربين من الجحيم، ممنوعين من الترشّح والانتخاب فمن أين تتوافر الأجواء الانتخابية؟
انها مهزلة تصطبغ بالدماء ومسخرة المساخر كما تصفها معظم التعليقات، لكنها بالنسبة الى الاسد ضرورة ملحّة لدفن بيان “جنيف -١”، الذي دعا الى عملية انتقال سياسي يرفضها النظام وحلفاؤه الروس والايرانيون، فمن الاسد والى الاسد وإلا نحرق ما تبقى من البلد، لكن الحريق سيستمر قياساً بالواقع الميداني الكارثي، الذي يغرق سوريا في حرب جهنمية استقطبت شرور الدنيا، برعاية وحشية من شركة القتل الاميركية – الروسية، التي عطّلت كل المخارج لتفتح المقابر على مداها!
المسرحية الانتخابية ضرورية لإبقاء التغطية القانونية والسياسية للتدخل الروسي والايراني الى جانب النظام، وهي ضرورية ايضاً لتوفير الهيكلية السياسية والتنظيمية للدولة العلوية اذا اقتضى الأمر، وهي التي إن اطلقت النار ابتهاجاً كما أشار الاسد فمن اجلها!
النهار
هل حان وقت إعادة النظر في مستقبل سوريا في ظل الأسد؟/ بول أدامز
بي بي سي
الجماعات الجهادية مثل جبهة النصرة تثير القلق لدى الغرب
أوشكت الولايات المتحدة على شن غارات عسكرية تستهدف سوريا قبل ثلاثة أشهر.
وكانت نبرة خطاب واشنطن تجاه الرئيس السوري بشار الأسد تتزايد حدتها، إذ قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في أحد تصريحاته إن استخدام الرئيس الأسد للأسلحة الكيماوية ضد شعبه جعله يندرج على قائمة تضم أسماء من بينها أدولف هتلر وصدام حسين.
وبعد أسابيع من ذلك التصريح أشاد كيري بتعاون دمشق بشأن اتفاق دولي طموح يفضي إلى تخلص سوريا من أسلحتها الكيماوية، لكنه أصر على رحيل الأسد عن الحكم.
كما بدأت تقارير من شتى أرجاء البلاد في ذلك الوقت تركز بشدة على أعمال العنف التي ترتكبها جماعة جبهة النصرة وجماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وهي جماعة إسلامية متشددة ذات صلة بتنظيم القاعدة.
وما أن اقتربت نهاية العام الماضي وبدأ من اختار الغرب التحالف معهم في سوريا يعانون من انتكاسة تلو الأخرى، حتى بدأ صناع السياسة في التفكير في أشياء غير متصورة وإمكانية الحصول على مكاسب من خلال التعاون مع الأسد بدلا من اتخاذ موقف ضده؟
“لا خيار”
لم تعرب وزارتا الخارجية الأمريكية أو البريطانية عن هذا التفكير صراحة، لكن قبل أسبوع قال ريان كروكر، السياسي الأمريكي السابق الذي يحظى باحترام كبير، لصحيفة (نيويورك تايمز) إن الوقت حان “لبدء محادثات مع نظام الأسد من جديد”.
وقال كروكر :”بقدر ما لديه من سوء، فهو ليس بقدر سوء الجهاديين الذين كانوا سيتولون السلطة في حالة غيابه”.
وأوضح السفير السابق لدى العراق وسوريا أنه كان يتحدث عن حوار بشأن قضايا بعينها وقال إنه يتعين أن تجرى “بهدوء شديد”.
لكن محللين أخرين ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك.
وقال جوشوا لانديز، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما، وأحد مستشاري صناع السياسة في واشنطن، “قد يضطر أحد الأشخاص إلى أن يقر على مضض ببقاء الأسد. فليس لدينا لعبة أخرى”.
وكان لانديز من المعارضين بشدة لتسليح المعارضة السورية، وقال إنها سياسة “ستنفجر في وجوهنا”.
كما أنه لا يعتقد في أن إجراء اتصالات مبدئية مع الجبهة الإسلامية، وهو ائتلاف تشكل مؤخرا ويضم الجماعات الإسلامية غير المنحازة لتنظيم القاعدة، قد يفضي إلى نتائج أفضل.
ويقول لانديز إن السفير كروكر ربما يتحدث إلى نفسه، لكنه على علم بما تفكر فيه وزارة الخارجية.
قال كورت فولكر، السفير الأمريكي السابق لدى حلف شمال الأطلسي: “اعتبرنا الأسد بمثابة شريك بدلا من النظر إليه على أنه المشكلة”.
كما يعرب المشرعون الأمريكيون عن قلقهم الخاص.
فقد تحدث مايك روجرز، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي، عن قلقه بشأن تجمع غير مسبوق لمقاتلي القاعدة في سوريا.
وقال خلال مؤتمر في جامعة جونز هوبكنز الأسبوع الماضي :”ليست لدينا طريقة جيدة لاختبار المعارضة على أرض الواقع”.
جزء من الحل؟
وبناء على هذه الخلفية بدا الأسد كشخص لا يمكن الاستغناء عنه، فهو رجل يمكنه تسليم أسلحة بلاده الكيماوية، وربما هزيمة متشددي جبهة النصرة وجماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
وكان الجيش السوري أعلن سيطرته على الطريق السريع الرئيسي الواصل بين دمشق وحمص في وقت سابق هذا الأسبوع، غير أنه قال إنه بحاجة الى معدات ثقيلة إضافية لضمان وصول القوافل إلى ميناء اللاذقية على البحر المتوسط.
ويعتمد نجاح هذه المرحلة الحرجة من الاتفاق كليا على قدرة الحكومة السورية في السيطرة على الأحداث على الأرض.
وربما يصبح الهدف الثاني، وهو التعامل مع المتشددين الإسلاميين، أكثر أهمية على الأجل الطويل.
ولطالما كان قادة سوريا مخادعين ويقرعون أجراس الخطر قبل وجود تهديد حقيقي من القاعدة في سوريا وبوضوح أخفقوا في التصدي لجبهة النصرة و(داعش) عند ظهورهما على الساحة.
تعاونت سوريا مع الأمم المتحدة لتدمير أسلحتها الكيماوية
لكن معارضين لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما يقولون إنه لا طائل من السعي إلى مساعدة الأسد.
وقال كورت فولكر، السفير الأمريكي السابق لدى حلف شمال الأطلسي: “اعتبرنا الأسد بمثابة شريك بدلا من النظر إليه على أنه المشكلة”.
مشاركة محدودة
وعلى الرغم من وضوح فكرة عدم الاستغناء عنه، فإن الغرب لا يريد على نحو واضح الاعتماد بشدة على زعيم يده ملوثة بالدماء.
وقال دانيال ليفي، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية :”سيكون من الصعب تحقيق ذلك”، معتقدا أن حدود اعتماد الغرب على بشار الأسد وصلت بالفعل إلى نهايتها.
وأضاف :”الولايات المتحدة لديها بالفعل مهمة شاقة مع السعودية بشأن إيران”، مشيرا إلى الاتفاق الأخير المبرم بشأن البرنامج النووي لطهران.
وربما لن يكون الأسد ذلك “الرجل” مرة أخرى، كما كان في أعقاب غزو العراق.
غير أن نجاحه الأخير في ميدان المعركة، الممتزج بحاجة الغرب الملحة لتأمين ما لديه من أسلحة كيماوية إلى جانب صعود المد الجهادي يعنى أننا سنتعامل معه بطريقة أو بأخرى لفترة من الوقت.
BBC © 2014
مفاجأة سقوط بشار…
الديمقراطية في سوريا تجلجقت، بعدما كانت رئاسة الجمهورية مقتصرة على واحد لا منافس له من فئة خاصة جدا من الجنس البشري، فجأة صارت على قفى من يشيل.
ليس سهلا أن يغامر أحدٌ في هذه الظروف الدقيقة ويرشح نفسه للرئاسة في منافسة بشار الأسد إلا إذا كان ضامنا لفشله 100′ ومطمئنا بأنه لن يتجاوز نسبة 3′ من الأصوات في أفضل الأحوال، وبعد أن أقنعه أولو الأمر بأن السيد الرئيس راض عنه كل الرضى بل ويرحب بترشيحه ولا داعي لخوفه، ولا بد أن المجموعة المتنفذة في النظام أقنعته بأن ترشيحه لنفسه يُسجل في ميزان حسناته عند الرئيس والجهاز كله، لأنه عيب بعد كل هذه الإصلاحات أن يبقى الرئيس في الميدان مرشحا وحيدا ينافس نفسه بنفسه كما جرت العادة، فالدستور الجديد يمنع المرشح من منافسة ذاته، في الجولة الأولى على الأقل.
الوطن يستغيث ويطالب بأكثر ما يمكن من المرشحين كمساهمة شعبية لدعم الدستور ولفرك بصلة حرّاقة بعيون الأعداء مهووسي الديمقراطية، صحيح كلنا نعشق الرئيس ونريده أن يبقى فوق رؤوسنا ورقابنا إلى الأبد، ولكن ما العمل والدستور مختلف هذه المرة! صحيح أنه ممكن نسف الدستور ومن دستره مثلما نسفت دساتير من قبله، ولكن للضرورة أحكاما. ولهذا فمن يحب الرئيس حقًا عليه أن يبرهن حبه بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، ولن ينسى شعب سوريا ومحبو بشار فضله إلى الأبد، وليكن أكبر عدد ممكن من المرشحين، وإذا كانت البرازيل تقيم مهرجانا سنويا للسامبا في شوارعها فنحن سنعمل مهرجانات انتخابية رئاسية هي أقرب لحفلات الغناء والرقص الجماهيري.
المرشح المسكين أو كيس الرمل الذي سيخبطه بشار والحاشية بقبضاتهم الديمقراطية، سيقول لمن أقنعوه بالترشح إنه يحب سيادته جدا لدرجة أنه هو نفسه سيصوت له، ولا يتصور رئيسا غير بشار حتى في أسوأ كوابيسه، لأن لحم رقبته من خير سوريا وسوريا هي بشار وآل الأســـــد وأنسباؤهم، وليس له قلب ليسرق من سيادته مئات الأصوات حتى وإن كانت تمثيلية على عيون الناس! فيطمئنونه مرة أخرى بأن ما يقوم به هو مهمة نضالية ليست عادية، وأن ترشّحه للرئاسة هو من أرقى أشكال المقاومة، ولا جُناح عليه، فهو مثل من يكفر مضطرا وقلبه عامر بالإيمان.
إلى هنا تسيرالأمور والخطة على ما يرام، ولكن هبّ أن مفاجأة حدثت وحصل المنافس المحترم على 53′ من الأصوات وأسقط بشار الأسد بالضربة القاضية، ونقلت الفضائيات صورا لمركز حملة بشار الإنتخابية وهم يتلقون النتيجة بذهول، ودموعهم سكابى!
كيف سيتصرف هذا الفائز المسكين ومن دفعوه لترشيح نفسه؟ هل سيلطم وجهه أمام الفضائيات ويبكي مفجوعا، هل يهرب من البلاد! كيف سيتمكن من النجاة بروحه وتوضيح الموقف الغامض الذي حصل! ليس خوفا من بشار الديمقراطي بل من أهله وأقربائه هو نفسه، هل سيدّعي أن الشيطان لعب برأس الشعب فأغواه، هل سيقسم بالله العظيم أنه لم يقصد أن ينجح وأنه صوّت لبشار، ولا يعرف ما الذي حصل بالضبط؟ وقد يهذي ويتساءل إذا ما كان للرئيس نفسه يد بهذه النتيجة وما الهدف من هذا! ومن الذي قرر تغيير نهاية المسرحية، لا بد أن تزييفا هائلا حدث في المشهد الأخير، وهو لا يرضى أن يستلم رئاسة البلاد بالتزوير وسوف يصرخ بوجه زوجته التي تدعوه للرضى بالنتيجة طمعا منها بدور السيدة الأولى ‘كيف فزت بدون أن يعرفني الناس وبدون دعاية انتخابية! كيف أفوز على تاج راسي ومعلمي وقدوتي في السياسة وإدارة الأزمات!’ هل سيهاتف بشار شخصيا ليعتذر ويطالبه بمعاقبة المسؤولين عن هذا الموقف المحرج!
أين سيذهب بوجهه من أسرته وعائلته وأصدقائه بعد الورطة التي وضع الجميع فيها، أي تفسير سيجد لهذا الذي خبأه له القدر في الصندوق!ة لا شك أن يدا خارجية لعبت وتآمرت وهناك إثباتات بأن ملايين المهجّرين والقتلى والغرقى والجرحى والأسرى الأمنيين والمفقودين صوتوا له!
ولكنه لن يكون لعبة بيد المتآمرين، وسيعلن أن البلاد ما زالت بأمس الحاجة لقيادة السيد الرئيس! يبقى السؤال هل سيقبل الرئيس اعتذاره واعتذار لجنة الانتخابات عن هذا الخلل في الخطة الديمقراطية، هل سيتم إلغاء النتيجة، وإعادة الإنتخابات، هل سيقوم بشار نفسه بالإعتراض واتهام الأيدي الخفية المتآمرة وبشهادة المرشح المنافس نفسه! كيف سيتم التعامل مع هذه المصيبة! هل سيخرج بعض المساكين إلى الشوارع ليهتفوا أن الانتخابات كانت نزيهة 100′ وأن بشار سقط من خلال الصندوق وعليه احترام إرادة الناخبين.
ولكن لماذا لا نكون متفائلين؟ ألا يجوز أن يظهر بشار في مؤتمر صحافي ويعلن هزيمته الإنتخابية أمام العالم وأمام شعبه وقبوله للنتيجة، وببراءة يقول وهو مبتسم’لم ينجحوا بهزيمتي في ساحة القتال ولكنني راض بهزيمتي في صندوق الإقتراع، أبارك للفائز، وأعترف أن الإنتخابات جرت في عرس للديمقراطية الشاميّة، ديمقراطيتنا الله حاميها!’ ثم يتصل مع فخامة الرئيس الجديد ويهنئه بفوزه، ويعلن أنه منذ هذه اللحظة سيتفرغ لإنشاء جمعية خيرية لمساعدة المصدومين بالنتيجة.
طبعًا سيصاب كل المناوئين للنظام بصدمة، سيشعرون بالخجل وتأنيب الضمير، ويكتشفون أن النظام كان صادقا بإصلاحاته، والإنتخابات لم تكن صورية ولا عملا مسرحيا كما روّجوا، وأنهم ظلموا الرجل بسوء ظنهم وحسدهم وضيق عيونهم.
القدس العربي
نطلق البراميل المتفجرة ابتهاجا عنكم/ راجح الخوري
عندما دعا الرئيس بشار الأسد السوريين إلى عدم إطلاق النار ابتهاجا بعد إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية، اشتعلت التعليقات على وسائل الاتصال الاجتماعي وكان أطرفها «لا تطلقوا النار فنحن نطلق البراميل المتفجرة ابتهاجا عنكم، ونحن نسقط الأوراق في الصناديق عنكم كما نسقط القذائف على رؤوسكم»!
تزامن إعلان الأسد أولا، مع مباشرة تركيا العمل لإنشاء جدار إسمنتي متحرك لحماية حدودها من الفوضى الدموية السورية التي تقلق دول الجوار مثل وباء، وثانيا، مع الإعلان عن مناورات عسكرية أردنية على الحدود لها مغزاها الأمني، وثالثا، مع الغارات العراقية على قوافل «داعش» داخل الأراضي السورية، ورابعا، مع حسيس النار والقذائف على الحدود اللبنانية، وكل هذا يؤكد أن سوريا باتت حلبة للموت وستراوح طويلا في الصراع الدموي فكيف يمكن الحديث عن إجراء انتخابات؟
لكن الأسد لا يرى شيئا من هذا الواقع المأسوي عندما يقول «نحن نعيش أجواء الانتخابات التي تخوضها سوريا لأول مرة في تاريخها الحديث»، هكذا بالحرف «أجواء انتخابات» لا أجواء تلك الحرب التي قتلت أكثر من 150 ألفا وفق أرقام الأمم المتحدة وشردت تسعة ملايين ودمرت 50 في المائة من المدن والقرى السورية، فهل دفع ستة من المواطنين المغمورين إلى إعلان ترشحهم للانتخابات قبل الأسد يكفي للحديث عن أجواء انتخابية؟!
وهل كان من الضروري أن تغرق سوريا في حرب كارثية لتذهب إلى «أول انتخابات في تاريخها الحديث» كما يقول؟ بينما الواضح أن مسرحية الانتخابات تهدف إلى إلغاء مبدأ الانتخاب على قاعدة أن «الأسد قائدنا إلى الأبد»، وأن سوريا لن تكون في الثالث من يونيو (حزيران) المقبل ساحة لصناديق الاقتراع بل ساحة لصناديق الموت، ولن يتمكن الناس من إسقاط أوراق الاقتراع في الصناديق لأن المعارك بين النظام ومعارضيه ستسقط القذائف على رؤوس من يجازف بالخروج من تحت الركام!
عمليا لا يسيطر النظام على أكثر من ثلث البلاد وحتى هذا الثلث ليس قادرا على تأمين الوصول إلى صناديق الاقتراع فيه، على افتراض أن هناك حاجة فعلا إلى سوريين يقترعون، وهذا ليس ضروريا طالما في وسع النظام أن يقترع عنهم كما درجت العادة في الاستفتاءات منذ 40 عاما، ولهذا لم يكن الإعلان عن حرمان الذين غادروا البلاد من حق الترشح أو الاقتراع، أكثر من مناورة هدفها الإيحاء بأن هناك عملية انتخابية، في حين تجمع دول العالم تقريبا أنها مهزلة المهازل ومسخرة المساخر!
في دولة لم يعد فيها حجر على حجر، الانتخابات أمر مستحيل، وهي «سخافة وسخرية مرة سوف تؤدي إلى تصعيد الوضع بدلا من التهدئة» كما تقول «نيويورك تايمز»، ولكن مسرحية اللامعقول الدموية لن تعدم وجود ممثلين من طينة طلال البرازي محافظ مدينة حمص المدمرة، الذي لا يتردد في القول إن حمص مكان مناسب «لانتخابات جيدة نسبيا.. إن القتال والنزوح لا يشكلان أي عقبة أمام التصويت»، طبعا لأن في وسعه هو وأمثاله التصويت عن الشعب!
قبل أسبوعين قال إيليا السمان، وهو مستشار في وزارة المصالحة الوطنية السورية، إنه لا يجد «أي سبب وجيه يبرر الذهاب إلى الانتخابات الآن. برأيي الشخصي لا أعتقد أنها فكرة جيدة».. ولكنها فكرة جيدة وضرورية جدا بالنسبة إلى النظام وحلفائه، على خلفية حسابات تتصل بالمعركة السياسية التي تخاض في الخارج في موازاة المعركة العسكرية التي تدور في الداخل.
إن الهدف من الذهاب إلى انتخابات ولو شكلية هو إسقاط بيان «جنيف 1» ودفن البند الذي يدعو إلى تشكيل حكومة وطنية ذات صلاحيات كاملة تنظم عملية انتقال سياسي، فقد كان واضحا منذ البداية أن الأسد المدعوم من الروس والإيرانيين يرفض أي عملية انتقال سياسي، وهو ما أدى إلى إفشال مؤتمر جنيف في مرحلتيه الأولى والثانية، وفي هذا السياق لم يكن أحد في حاجة إلى تصريح الأخضر الإبراهيمي الذي قال إن «إجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا هو بمثابة إسقاط للعملية السياسية»!
من الضروري الانتباه إلى أن انتهاء ولاية الأسد من دون الادعاء أن انتخابات قد جرت وجددت بقاءه في السلطة، يمكن أن تفتح الوضع السياسي على الفراغ وهذا أمر سيضع الروس والإيرانيين أمام إحراج كبير، لجهة دعمهم هذا الفراغ واستمرار معارضتهم عملية الانتقال السياسي، ثم لأن النظام يتحسب أنه قد يصل إلى خيار الدولة العلوية، فمن الضروري عنده إبقاء الإطار على السلطوي السياسي الذي يمكنه أن يشكل جسرا لتأمين هذا الانتقال!
الشرق الأوسط
التزوير الإيرانيّ: داعش أم الانتخابات؟/ حازم صاغية
إذاً، حركة داعش في العراق وسوريّة، بما تعنيه من تخلّف وتعصّب وعنف واحتراب، مقابل انتخابات ديموقراطيّة في العراق وسوريّة، بما تنطوي عليه من تحضّر وتقبّل للرأي المغاير وتساوق مع العالم المعاصر. فما الذي يفضّله، والحال هذه، الناس والعقل والضمير، وقبل كلّ شيء، ما الذي تفضّله الولايات المتّحدة وباقي الغرب؟
هذا الخيار الزائف هو فحوى التزوير الإيرانيّ الراهن بالتعاضد والتنسيق مع نوري المالكي وبشّار الأسد. والتزوير هذا لا يكتم عمقاً ودلالة طائفيّين مفادهما وضع برنامج شيعيّ – علويّ مزعوم قوامه هذه الانتخابات، مقابل برنامج سنّي مزعوم هو الآخر، قوامه داعش وفظاعاتها.
الأهمّ أنّ التزوير المذكور يراد له إقناع الغربيّين بجديّة إيران، من خلال عامليها السوريّ والعراقيّ، في مكافحة الإرهاب وإشاعة الاستقرار، وبأنّ كلّ مقاومة لخطّتها حيال المشرق العربيّ لا تعدو كونها اسماً حركيّاً للإرهاب السنّيّ. ولئن رُسم بشّار رأس حربة في المعركة على الإرهاب، فقد رَفعت حملة المالكي الانتخابيّة عنوان «معاً نكافح الإرهاب». وبالطبع، وكما الدعايات لأنواع الصابون، يخوض الأسد «أوّل» معركة ديموقراطيّة تعرفها سوريّة في تاريخها الحديث، بينما اقتضى التواضع العراقيّ تخويض المالكي «أوّل» معركة ديموقراطيّة منذ استكمال الانسحاب الأميركيّ من بلاده.
لكنّ هذه الانتخابات، في عمومها، وصفة حرب أهليّة تدمّر ما تبقّى من دول ومن مجتمعات. فهي تدلّ إلى غياب الإرادة الشعبيّة أكثر ممّا تدلّ إلى حضورها، لا سيّما في سوريّة حيث تحول الهجرة والتهجير واستقلال المناطق عن سلطة بشّار إلى وضع أكثر من نصف الكتلة الناخبة خارج الانتخاب. أمّا العراق، حيث تنخفض نسبة الإقبال السنّيّ على الاقتراع، فتتقدّم موضوعة الإرهاب طاردةً مسائل الفساد وتراجع النموّ الاقتصاديّ وقانون تزويج القاصرات ممّا لا يمكن أيَّ انتخاب إلاّ أن يدور حولها. بل يوضع العنف المتعاظم بدلالاته الأهليّة الخطيرة، وهو ما اكتنف الانتخابات، بين هلالين.
بيد أنّ الديكور يبقى حسن الإعداد. فالانتخابات، المقصود بها إسباغ الشرعيّة على أنظمة مطلوب رحيلها، تشهد منافسة بين بشّار الأسد وعشرة مرشّحين لا أسماء لهم. أمّا في العراق، فهدفها إبقاء الحكومة، للمرّة الثالثة، في عهدة المالكي الذي حكم ثماني سنوات لم تكفِ لتحويله صَدّاماً آخر. فإذا لم ينل زعيم «الدعوة» الأغلبيّة المطلقة المطلوبة، وهو لن ينالها، جاز لنا أن نقدّر بذل طهران جهوداً محمومة على سائر حلفائها وأنصاف حلفائها إمّا من أجل تنييله هذه الأغلبيّة، أو، في أسوأ الحالات، من أجل الاحتفاظ بالمالكيّة من دون صاحبها.
وفي هذا الكرنفال كلّه ما يدلّ إلى ما أصيبت به منطقتنا من انحطاط ديموقراطيّ في مقابل الأعراس الديموقراطيّة لباقي العالم. فنحن، بعد تعثّر الثورات العربيّة، لم ننجح في الصعود من طلب الحرّيّة إلى طلب الديموقراطيّة، بل انتكس الطلب الأوّل فأضحى طلباً للفوضى التي يعاد تدويرها في خدمة التفاوض الإيرانيّ. وفي سياق كهذا يصير المضمون الفعليّ للانتخابات توفير شرعيّة مزيّفة للقمع المصحوب بتفتّت البلدين.
لكنْ إذا أمكن آيات الله بيع الانتخابات العراقيّة للغرب، وهذا حاصل بدليل التهاني الأميركيّة، فإنّ تسويق المهزلة السوريّة سيكون مستحيلاً. ومن يدري، فقد تؤدّي الفضيحة السوريّة المكشوفة إلى كشف الفضيحة العراقيّة المستورة نسبيّاً.
ويمضي، في هذه الغضون، السوريّون والعراقيّون، بسنّتهم وشيعتهم وعلويّيهم وسائر أقليّاتهم، في دفع أكلاف الموقع التفاوضيّ لآيات الله، متقلّبين ما بين انتخابات تنجب داعش وداعش تنجب انتخابات كهذه.
الحياة
التبريرات الأميركية والفرنسية انعكاس للعجز تجديد الولاية للأسد يُظهر بقوة المأزق الدولي/ روزانا بومنصف
على رغم التسليم واقعياً على الصعيد الدولي بان الرئيس بشار الاسد سيؤمن لنفسه ولاية جديدة بغض النظر عن هزلية الانتخابات التي سيجريها او مسرحيتها، فان ذلك يرخي بثقله على مسؤولي الدول الغربية المؤثرة اقله على الصعيد المعنوي والسياسي خصوصاً مع استمرار المأساة السورية في ظل معلومات عن استخدام النظام الكلور في قصف المدن والقرى السورية. اذ انفجر الرئيس الاميركي باراك اوباما في ختام جولته الاسيوية التي انهاها الاثنين في 28 نيسان المنصرم في مانيلا في الفليبين مدافعا بشراسة عن سياسته الخارجية على خلفية الانتقادات القوية ضده في ازمتي اوكرانيا وسوريا. الرئيس الاميركي سأل في الموضوع السوري رداً على الانتقادات القاسية “اود ان اسجل ان هؤلاء ممن ينتقدون سياستنا الخارجية في ما يتعلق بسوريا، يقولون بانفسهم لا لا لا لا نعني ارسال جنود اميركيين الى سوريا. جيد ماذا تعنون اذا؟ يجب ان ندعم المعارضة. نحن ندعمها. ماذا تعنون غير ذلك؟ ربما كان يجب ان توجه ضربة عسكرية للنظام من اجل اخراج الاسلحة الكيميائية من سوريا. حسنا نحن نفعل ذلك من دون توجيه ضربة عسكرية…”. ومع انها ليست المرة الاولى التي يدافع فيها اوباما عن تراجعه عن عدم توجيه ضربة الى النظام معتبرا ان الخيار الآخر غير محتمل نظراً الى حصره من جانبه في عمل عسكري ميداني وليس في خطوات اخرى نوقش فيها على صفحات الصحف ووسائل الاعلام، فانه لم يقنع منتقديه خصوصاً في الولايات المتحدة بحيث باتت تثقل عليه هذه الانتقادات في ظل الاعداد للانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي في تشرين الثاني المقبل والتي يخشى ان يخسرفيها الديموقراطيون مقاعدهم لمصلحة الجمهوريين بحيث تكتمل سيطرة هؤلاء على الكونغرس علما ان استطلاعات الرأي غداة هذه المواقف اشارت الى تراجع كبير في دعم اوباما داخليا، في الوقت الذي اشاع قريبون منه نيته في استكمال الردود على منتقدي سياسته الخارجية قريبا. ويسوق اوباما منطقه الدفاعي عن سياسته الخارجية في ظل شعار مصلحة اميركا والاميركيين والذي وجد صدى له غداة تصريحه في الفليبين في استطلاع للرأي اجرته مؤسسات اعلامية كبرى يظهر ان الاميركيين بغالبيتهم يريدون تقليص دور الولايات المتحدة في شؤون العالم.
في الجانب الآخر من الاطلسي وبعد يومين على الدفاع المستميت لاوباما عن سياسته الخارجية، دافع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عن سياسته الديبلوماسية امام مجلس النواب الفرنسي في موضوع الازمة السورية وتداعياتها على نحو ابرز التناقضات الفاضحة بين الحلفاء الغربيين في الموضوع السوري. اذ في مقابل دفاع اوباما عن عدم تدخله في سوريا لمنع المجازر الحاصلة والحؤول دون استمرار الحرب مع تمديد الاسد لوجوده في السلطة، اعتبر فابيوس ان “قرار الدول الغربية عدم التدخل في سوريا الصيف الماضي كان “خطأ” اضعف موقف الغربيين بمواجهة روسيا . واذ اعتبر انه ستكون هناك مهزلة انتخاب بشار الاسد لان رجلاً مسؤولاً عن 150 الف شخص كما قال لا يمكن ان يكون مستقبل شعبه، قال “اعتقد لو ان بريطانيا والولايات المتحدة تدخلتا في تلك الفترة الى جانب فرنسا لما كان تصرف حكومة بشار الاسد اختلف فحسب، بل كانت اختلفت ايضاً صدقية التدخلات الغربية بالنسبة الى روسيا وهذا “خطأ” ارتكب في حينه… ولم تكن فرنسا مسؤولة عنه”.
هذه التبريرات من الجانب الاميركي او الفرنسي لا تطاول الداخل في كل من الولايات المتحدة او فرنسا فحسب بل تعبر وفق ما تقول اوساط ديبلوماسية مراقبة عن ضيق من عجز لا يجد تبريراته على كل المستويات مع استمرار المأساة السورية من دون افق قريب للحل. فصدقية الدول الغربية باتت على المحك وكذلك السلطات الحاكمة فيها. يضاف الى ذلك ان استقالة الموفد الاممي الاخضر الابرهيمي المرتقبة غداة الاحاطة التي سيقدمها الى مجلس الامن في الايام المقبلة والبحث عن بديل منه يثير اشكالية وتساؤلات حول الغاية من المتابعة وفق الاسلوب نفسه ما دام الابرهيمي مع الامم المتحدة والدول الكبرى اعتبروا جميعهم ان الانتخابات الرئاسية السورية، ايا تكن صورتها الهزلية وفق توصيف هذه الدول، تطيح مضمون مؤتمر جنيف – 1 حول السلطة الانتقالية وامكانات الحل السياسي. ما يعني ان الدول الغربية في شكل خاص تواجه مأزقاً لجهة ان تعيين البديل من الابرهيمي هو بمثابة هروب الى الامام ما دام لا مقاربة مختلفة للمأساة السورية والتي تبدو متعثرة اكثر فاكثر في المدى المنظور مع اتساع الهوة مع روسيا على خلفية الازمة في اوكرانيا وضم روسيا شبه جزيرة القرم اليها والتي بات يتعثر في ضوئها ايضا تنفيذ القرار الدولي حول تسليم الاسلحة الكيماوية وتقديم المساعدات الانسانية على خلفية الازمة المتزايدة مع روسيا. كما تواجه هذه الدول مأزقا معنويا اذا صح التعبير في عدم امكان ردع النظام عن تأمين الديمومة لنفسه في غياب القدرة الغربية على اي مبادرة تضع حدا له في حين انه عبر هذه الديمومة يتحدى الدول الغربية ويسجل انتصاره عليها مما سيزيد من احباط شعبه ويؤثر سلباً على المعارضة ضده.
النهار
اسرائيل تنتخب الأسد/ حسان حيدر
مع اقتراب موعد «الانتخابات الرئاسية» في سورية، او بالأحرى في نصفها، تعاود ايران وإسرائيل عرض مسرحيتهما القديمة المملة عن «العداء المستحكم» بينهما، بهدف تبييض صفحة مرشحهما المفضل والوحيد بشار الأسد، وصفحة حلفائه، فتنهمر التصريحات والمواقف الجاهزة التي تكشف رغبة كل منهما في الاقتراع لمصلحة حاكم دمشق، لأنه الأضمن والأكثر صدقية في الاستجابة لمتطلبات «استقرار الأمن الإقليمي»، العبارة التي باتت تعني أمن الدولة العبرية تحديداً.
وهكذا تصبح ايران، حليفة الأسد وراعيته وحاميته، واقفة على ابواب اسرائيل تهددها، على حد تعبير مستشار المرشد خامنئي القائد السابق لـ «الحرس الثوري» الجنرال يحيى صفوي الذي اكد ان حدود بلاده تصل الى ساحل لبنان الجنوبي، عبر «الهلال الشيعي» إياه الذي يمر في العراق وسورية.
وبكلام آخر، يقول صفوي ان الانتشار الإيراني في سورية ودفاع طهران المستميت عن نظام الأسد، وقتالها الى جانبه، وتحريك بيادقها اللبنانية والعراقية للقيام بالمثل، وإغاثته مالياً وتسليحياً، يكتسب شرعيته من كونه يصب في خدمة الصراع مع «العدو الصهيوني» الذي يقف الإيرانيون على اعتابه، بل يكادون يدخلونه «مظفرين».
وفي الإطار نفسه، اعتبر وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ان سياسة بلاده الخارجية «سلبت الراحة» من رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو «ودفعته الى التخبط ومواجهة العزلة الدولية».
لذا يصبح مستغرباً في المنظور الإيراني كيف يطالب العرب بانسحاب ايران من سورية ووقف تورطها في المجزرة الحاصلة هناك، فيما هدف طهران الأبعد «محاصرة» اسرائيل وإقلاقها وقضّ مضاجع مسؤوليها؟
وفي موازاة استعراض العضلات الوهمي هذا، يعزف الإسرائيليون النوتة الإيرانية ذاتها، فيعلن رئيس اركان الجيش بني غانتس، في تزامن مريب، ان «حزب الله» بات يغطي مساحة اسرائيل كلها بالصواريخ». اذاً، لا ضير في ارسال الحزب رجاله للقتال في سورية طالما ان حربه هناك «لم تلهه» عن معركته الرئيسية مع «العدو».
ولا تكتفي اسرائيل بالتشديد على خطورة صواريخ الحزب، بل تؤكد على لسان ضباط جيشها انها «غير مستعدة كما يجب للحرب المقبلة التي قد تندلع في اي لحظة». فكيف يمكن بعد ذلك التشكيك في صحة ما يقدم عليه الحزب في جبال القلمون وريف دمشق وحمص وحلب، فيما هو يستعد لاجتياح اسرائيل؟
وهذا التناغم في مواقف ايران وإسرائيل يتم برعاية اميركية مباشرة، فواشنطن ايضاً تقترع للأسد، وتريد بقاءه، وتفضله على «الجماعات المتطرفة» التي تختصر بها نضال السوريين، وترى فيها تهديداً لأمنها ومصالحها، ولأنها ايضاً تفكر أولاً وأخيراً في أمن اسرائيل وترضخ لمتطلباته، ولا هم لها حالياً سوى المصالحة مع طهران وحسابات النفط والغاز والسوق الاستهلاكية الإيرانية.
وهكذا يتعاون الأطراف الثلاثة في «غسل» سيرة الأسد، على طريقة «غسل» اموال المافيات، لإظهار انه لا يزال يلعب دوره المطلوب في محور «الممانعة»، وإن ما يفعله بشعبه منذ ثلاث سنوات لا يقلل من اهميته في المنظومة المشاغبة على الأمن العربي، ذلك ان العنتريات الإيرانية المتواصلة، والتي لا تقنع حتى قائليها انفسهم، ليس لها من هدف سوى توجيه رسائل الى الداخل العربي بهدف خرقه وتشتيته. اما اسرائيل ففي اطمئنان شديد يدفعها الى التثاؤب.
الحياة
نجاحات حافظ الأسد وخيبات ابنه بشار/ حسين عبد الحسين
الحديث عن الأحداث الكبرى التي غيّرت في أوضاع لبنان وسوريا غالبا ما يتطرق الى الثورة الإيرانية، ونهاية الحرب الباردة، وأحداث 11 سبتمبر (أيلول)، وحرب العراق. لكن أبرزها، وهو ما يندر الحديث عنه، هو رحيل الرئيس السوري حافظ الأسد. ربما بقاء نظامه من بعده، في عهدة ولده بشار، قد يكون سببا لاعتبار ان يوم موت حافظ في 10 يونيو (حزيران) 2000 لم يكن تاريخا مفصليا، لكن الحقيقة هي ان الأسد الاب كان الرجل الوحيد الذي أخرج سوريا من دوامة انقلاباتها، ونجح في تثبيتها، ثم تثبيت لبنان من بعدها، وإبقاء الصراع الإقليمي السني – الشيعي خارج البلدين، فيما الأسد الابن هو الذي أدخل سوريا في حرب دموية طائفية ودمار لم تعرف له مثيل منذ زمن الاجتياح المغولي.
على أننا اليوم، بعد 14 عاما على رحيل حافظ الأسد و11 عاما على انهيار صدام حسين ونظامه، صرنا نعرف ان الأنظمة القمعية ليست مؤسسات ولا أجهزة، بل هي منظومات تتمحور حصريا حول فرد واحد، وحول شخصيته ومزاياه ومزاجه. وبرحيل الشخص، ترحل منظومته بأكملها، وبحلول ابنه مكانه – كما في الحالة السورية – تحل منظومة جديدة تتمحور حول شخصية جديدة وأسلوب مختلف.
القصص عن حافظ الأسد كثيرة. هنا في واشنطن، يكرر وزير الدفاع تشاك هيغل أنه أثناء عمله سيناتورا قرر لقاء حافظ الأسد، فطلب من وزير الخارجية السابق جيمس بيكر – الذي التقى الأسد مرارا – نصائح؛ «لا تشرب أي سوائل عند الفطور او قبل لقائك به… لا قهوة ولا شاي ولا عصير برتقال».. كانت تلك نصيحة بيكر لهيغل لأن الاجتماعات مع الأسد الأب كانت تمتد لساعات، وكان يقول ما يريده فعليا في كلمات قليلة قبل النهاية بقليل فيما ضيفه يستعجل الخروج.
وفي لبنان، تقول الرواية إن حافظ الأسد قال لوليد جنبلاط، الذي زاره بعد مقتل ابيه كمال، «هنا جلس ابوك»، ما اعتبره البعض تهديدا ضمنيا لجنبلاط الابن بالتخلي عن خط الأب او مواجهة المصير نفسه. وتقول رواية أخرى إن اللقاء الأخير الذي منحه حافظ الأسد للوزير والنائب السابق وأمين حزب البعث السابق في لبنان عبد الله الأمين، قال له فيه: «سمنان يا عبد الله».
وفي سنوات من اللقاءات بين رئيس حكومة لبنان الراحل رفيق الحريري وحافظ الأسد، لم ينقل أحد عن الحريري انه عاد مذعورا وأنه تلقى تهديدات، فحافظ الأسد حكم لبنان بواسطة الحريري وجنبلاط ورئيس مجلس النواب نبيه بري و»حزب الله» وغيرهم. وحدهم المسيحيون لم يأنسوا لفكرة أنهم لم يعودوا أسياد الشرق ولا شياطينه، وأن حاكم دمشق هو الذي يسيّر أمور سوريا ولبنان.
المؤرخون يستخفون أحيانا بحافظ الأسد. يقولون إن اميركا كافأته لمشاركته في حرب الخليج الأولى بتوكيل أمر لبنان إليه. لكن ذلك لم يحدث من باب المصادفة. الأسد أنفق سنوات، حقق في بعضها نجاحات أكثر من أخرى، قبل أن يسيطر على سوريا ولبنان كليا.
مثلا، أقلق الأسد تمدد الثورة الإيرانية شيعيا في لبنان، فهو كان عمل منذ أوائل السبعينات مع الإمام موسى الصدر على إنشاء قوة شيعية لبنانية موالية له، فيما إيران دخلت الساحة اللبنانية بالاستعانة بمقدرات وعلاقات ياسر عرفات، غريم الأسد. لكن الأسد، لفطنته، لم يواجه الإيرانيين فورا، بل ماشاهم، واختار الوقت المناسب لإخضاعهم.
هكذا، لم يكن من قبيل المصادفة أن الأسد اختار مطلع العام 1987 ليرسل قواته لتصفية مقر «حزب الله» في ثكنة فتح الله. كانت القوات الإيرانية في ذلك الوقت تشن حملات «كربلاء» للاستيلاء على البصرة العراقية. الدول العربية كانت تطلب من الأسد تأييد العراق. إيران كانت تحتاج لحلفاء عرب. ولعلمه أن الجميع يخطبون وده، اجتاحت قوات الأسد مقر «حزب الله»، ولم يستقبل الأسد موفدي إيران الذين سارعوا للشكوى والاستيضاح، وهو عندما فعل ذلك، أجبر الإيرانيين على قبوله آمر لبنان الفعلي، وهو ترتيب بقي قائما حتى العام 2005.
بلدة لبنانية بعد بلدة، طائفة بعد طائفة، عاصمة إقليمية بعد الأخرى، لم يطل العام 1990 وانهيار صدام حسين آخر عرابي بعض القوى اللبنانية، حتى أصبح الأسد «آخر الواقفين» في لبنان، ففاز هو، وفاز حلفاؤه، ولكنه مع ذلك لم يطح بخصومه، بل سمح لهم بالبقاء، على شرط احتفاظه بالكلمة الأخيرة، وهذه كان يقولها بالترميز في اجتماعاته معهم.
بشار الأسد شخصية مختلفة. منذ تسلمه «ملف لبنان» في العام 1998، عمد إلى بناء حلفاء جدد من صفوف العسكر والاستخبارات، وحاول استنساخ نظام سوريا الأمني في لبنان. حليفا الأسد الأب، الحريري وجنبلاط، حاولا عبثا تكريس الترتيب القائم، والذي يحفظ لكل زعيم لبناني حقه في الداخل ويعطي سوريا حق الوصاية. لم يعبأ بشار الأسد بالترتيب السابق، ولم يعمد إلى الترميز في حواراته حتى، وهو إن صحت الرواية، هدد بـ «كسر لبنان على رأس الحريري و(رئيس فرنسا السابق جاك) شيراك».
هكذا أطاح بشار الأسد بإنجازات حافظ، في لبنان أولا، ثم في سوريا. خرجت قوات بشار الأسد من لبنان بعد 29 عاما، وأصبح نفوذ آل الأسد في لبنان مستندا إلى قوة «حزب الله» وإيران، التي ارتمى الأسد الابن في أحضانها تماما، من دون أن يفطن أن الموازنة بين إيران والدول العربية كانت سر سطوة الأسد في لبنان كما في سوريا.
وكما أخطأ في لبنان، كذلك فعل في سوريا، وإن صحت الرواية الأخرى عن زيارة وفد درعا إلى بشار الأسد، على أثر التعذيب الذي لقيه أولادهم على أيدي الاستخبارات، والمذلة التي وجهها الأسد الابن إليهم، لصار مفهوما أن الاختلاف في الشخصية بين الأسدين هو في صلب التغيير الكبير الذي طال لبنان ثم سوريا.
ربما لو زار وفد درعا الأسد الأب، لقال لهم «تكرم عيونكم»، ولحاول تحديد الشخصية الأبرز من بينهم وصادقه ضد الثاني منهم، ثم يصادف أن يموت الثالث في «حادث» بعد شهور. ثم بعد سنوات، ينظر زعيم الوفد إلى وفده فيجده تبعثر ويجد نفسه وحيدا، فيختار إما الانصياع لحافظ الأسد، أو السجن، أو النفي.
اليوم، حتى لو تغلب الأسد الابن على معارضيه في سوريا، من الصعب أن يتخلص من وصاية إيران. في لبنان، خسر الأسد نفوذه كليا لمصلحة «حزب الله». في سوريا، أصبح حاكما باسم إيران. لم تكن الظروف هي وحدها التي فرضت على بشار الأسد الموقف الذي يجد نفسه فيه اليوم، بل هو الاختلاف الهائل في الشخصية بين الأب الحاذق والصبور والابن العديم الخبرة والمتهور.
* كاتب لبناني
الشرق الأوسط