مقالات عن انشقاق مناف طلاس
السبت
سورية الفصل الأخير
جهاد الخازن
ماذا يبقى للنظام السوري إذا انشق العميد مناف طلاس قائد اللواء 105 في الحرس الجمهوري؟
مضى وقت كان مناف يؤهل فيه ليصبح وزيراً للدفاع كما كان أبوه العماد مصطفى طلاس قبله. وهو أصبح مؤهلاً بموقعه في الحرس الجمهوري والحزب الحاكم، وأعتقد أن التأخير كان سببه صغر سنّه.
مصطفى طلاس كان من أعمدة النظام، وربما عموده الفقري، وهو منذ بدء الثورة السورية «حردان» ويجلس وحيداً في بيته أو يزور ابنته ناهد في باريس للعلاج والفرار من بؤس الأوضاع. هو الوحيد في سورية الذي عرفته (وسمعته) يحدّث حافظ الأسد على الهاتف ويقول له حافظ من دون أن يقول له سيادة الرئيس أو أي لقب آخر.
فراس مصطفى طلاس، الابن الأكبر، أفضل صديق لي في سورية. هو رجل أعمال ليست له أي علاقة بالنظام عكس أخيه مناف الذي كان ملتزماً يحدثني أحياناً بلغة الستينات ويحلم بدور في تحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية.
منذ نيسان (ابريل) 2011 لم أجرِ أي اتصال على الإطلاق بأي مسؤول في النظام السوري، وكنت أنتقد المعارضة، وأدين انقسامها وثقل دم بعض رموزها. وترد عليّ بأنني أؤيد النظام، فلا أقول إنني قطعت العلاقة معه قبل الجميع.
اعترضت منذ اليوم الأول وحتى اليوم على قتل الناس، وكان رأيي ولا يزال أن النظام كان قادراً على الخروج من أزمة درعا بسلام لولا أنه اختار العنف وصعّده شهراً بعد شهر حتى دخلنا نقطة اللاعودة بعد مجزرتَي الحولة والقبير قبل شهرين، كما كتبت في حينه. واليوم أصبح واضحاً أن الثورة السورية ستنتهي بغالب ومغلوب، وأن الخاسر سيدفع الثمن من دمه.
لا أكاد أصدق أن النظام خسر أسرة مصطفى طلاس وبقيت له إيران. هو لا يدرك أن روسيا والصين ليستا حليفتين وإنما لهما مصالح استراتيجية، وروسيا تحديداً ستبيع الدكتور بشار الأسد ونظامه غداً إذا قدمت إدارة باراك أوباما سعراً مناسباً، مثل وقف شبكة الصواريخ في شمال أوروبا التي يزعم أنها للحماية من صواريخ إيران، وهي في الحقيقة لتدمير روسيا.
إيران «حاجه تانية»، فهي في وضع سورية أو أسوأ حتى من دون ثورة، وهي مقاطعة عبر قرارات دولية، وعبر قرارات إضافية للإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي. وكل من يتعامل معها يتعرض لعقوبات، وهو ما تواجهه سورية الآن. سورية وإيران كان وصفي لحلفهما يوماً «المتعوس وخايب الرجا» ولا أجد أفضل من هذا المثل المصري اليوم لشرح العلاقة بينهما.
كيف وصل النظام إلى نقطة قطع العلاقة مع شعبه وغالبية العالم؟
ربما كانت قصة من عمل مناف طلاس تشرح الوضع. فبعد أحداث درعا تلقت السلطات السورية معلومات عن حراك شعبي في دوما والبلدات المجاورة، وكلف الرئيس الأسد مناف طلاس أن يذهب إلى دوما ويحل المشكلة مع أهل البلدة. هو ذهب واتفق معهم على حل يلبي طلباتهم، وأكثرها حياتية يومية، وبعضها يتعلق برئاسة البلدية وإدارة شؤون السكان. وعاد مناف إلى الرئيس وعرض عليه ما فعل ووافق الرئيس على اقتراحاته وشكره.
في اليوم التالي قامت معارضة في الحلقة الضيقة حول الرئيس لاقتراحات مناف، وسمعت أن المعارضة جاءت من رجال من نوع الأخ والخال وابن الخال وزوج الأخت، إلا أنني لا أجزم بذلك. والمهم أن زعماء البلدة جاؤوا إلى دمشق للاتفاق وقيل لهم «يفتح الله» وعادوا خائبين.
سمعت أن المعارضين قالوا إن مناف أعطى أهل دوما الكثير بسرعة، وأن الناس سيطمعون بالنظام، لذلك حضوا الرئيس على رفض ما وافق عليه قبل يوم.
مناف طلاس اعتكف في بيته بعد فشل مهمته، وبقي فيه أسابيع أعتقد أنها طالت شهرين. ثم سأله الرئيس كم سيبقى وهو «حردان» وأمره بالعودة إلى مكتبه وعمله، فعاد من دون أن يمارس مهماته.
اليوم أسمع أن مناف طلاس تخلى عن النظام وانتقل إلى تركيا. وبما أن علاقتي مقطوعة مع النظام منذ 16 شهراً فإنني لا أجزم بشيء حتى أكلّمه أو أجد أحداً من أفراد الأسرة.
اليوم يُكتب في سورية الفصل الأخير من ثورة شعبية أصرّّ على أن النظام كان قادراً على تجنبها لولا اختياره الحل الأمني وإصراره عليه، وهو يفشل شهراً بعد شهر ويزيد المشكلة.
والحل لن يأتي من اجتماع في القاهرة أو جنيف أو باريس، وإنما من قلب سورية. قلب العروبة النابض بحاجة الى عملية جراحية لقلب مفتوح، إلا أن العملية لا تنجح إلا بأيدي أبنائه. وأرفض مسبقاً أي حل غير سوري أو عربي تحاول أميركا أو أوروبا أو أي طرف خارجي فرضه.
ألوف الضحايا راحوا ضحية الحلول الخاطئة في ثورة تجاوزت كل مراحل الاتفاق إلى مواجهة نهائية.
الحياة
السبت
انشقاق طلاس يضيء على وضع الجيش
روزانا بومنصف
تكشف مصادر سياسية في بيروت ان المملكة العربية السعودية رفضت طلبا روسيا في الاونة الاخيرة من اجل زيارة يقوم بها وفد روسي الى المملكة للبحث في العلاقات الثنائية في مؤشر يتصل على الاغلب بالموقف الذي تعتمده روسيا من الازمة السورية وتناقضه مع الدول العربية التي ترغب في انهاء الازمة السورية برحيل النظام. وهذا الجانب من الانعكاسات المباشرة للموقف الروسي قد يكون من الاسباب التي ساهمت في بعض التحول في روسيا في اجتماع جنيف لجهة الموافقة على مرحلة انتقالية تنقض كل الخطوات الاصلاحية التي يقول الرئيس السوري انه اعتمدها خلال سنة ونصف من الازمة في سوريا. الا ان المصادر نفسها تعتقد ان روسيا قد تكون تلقت ضربة قوية بانشقاق العميد في الحرس الجمهوري مناف طلاس القريب من الاسد كما بالنسبة الى انشقاق طيار مع طائرته الى الاردن اخيرا. وهي ضربة توازي من حيث وقعها تلك التي وجهها هذا الانشقاق الى الرئيس السوري نفسه. اذ ان هذا الحادث يمكن ان يزيد الخشية من انشقاقات اضافية تربك الجيش النظامي الذي تعول روسيا على بقائه وتراهن على ذلك لا بل تعمل عليه كوسيلة من اجل استمرار مؤسسات النظام وعدم انهيارها. بحيث ان تسارع وتيرة هذه الانشقاقات قد يساهم في سحب اوراق بسرعة من يد روسيا في الوقت الذي تتساءل فيه جهات دولية ما اذا كانت روسيا يمكن ان تمون فعلا على الرئيس السوري من اجل تنحيه في حال اقتنعت روسيا بذلك مظهرة شكوكها ازاء هذا الامر من دون ان تكشف معلوماتها في هذا الاطار. لكن وفي ظل تسليط الضوء على اجتماع اصدقاء سوريا في باريس امس وتأكيد الدول الكبرى ضرورة تطبيق ما اتفق عليه في جنيف قبل اسبوع بين الدول الخمس الكبرى وبعض الدول الاقليمية المعنية بالازمة السورية، فان هناك جزءا يتعلق بممارسة روسيا ضغوطا على الاسد من اجل القبول باتفاق جنيف تماما مثلما طلبت روسيا من الدول الغربية ممارسة ضغوط على المعارضة من اجل القبول بالاتفاق نفسه. وقد مارست روسيا ضغوطا قبل اشهر على النظام من اجل القبول بخطة النقاط الست التي اقترحها كوفي انان وهو قبلها نتيجة هذا الضغط ليعود فينقضها بعد حين ويفرغها من مضمونها باقرار انان نفسه الذي حمل النظام اساسا مسؤولية فشل خطته. وقد يتبين في نهاية الامر وفق ما تقول هذه المصادر ان من مصلحة روسيا اقناع الاسد بالموافقة على اتفاق جنيف والتعامل معه بايجابية علما ان النظام السوري اصدر بيانا رحب به بهذا الاتفاق وعطف عليه وجود ملاحظات عليه، لكن المسألة تتعدى المواقف العلنية الشكلية او الاقوال الى الافعال خصوصا ان التجربة مع النظام السوري لا تتوقف على ما يعلن من مواقف بل على ما ينفذ منها. ولا يعتقد احد انه سيفعل اي تنفيذ الاتفاق لانه لن يقبل باي حكومة تنزع منه صلاحياته وتحصرها في الحكومة ولو كانت مشتركة بين السلطة والمعارضة. وتاليا فهو سيسعى الى كسب الوقت ليس الا.
النهار
السبت
طلاس رئيساً لسورية الجديدة؟
عبدالباري عطوان
باتت اجتماعات ‘اصدقاء سورية’ تذكرنا باجتماعات الجامعة العربية، مجرد خطب قوية في معظم الأحيان تطالب بأقوال لا افعال، ثم ينفض الجمع ويعود كل منهم الى بلاده انتظاراً لاجتماع جديد.
المعسكر العربي في مؤتمر باريس الاخير بات قلقاً من اطالة أمد الأزمة السورية، ويستعجل التدخل العسكري الأجنبي، ودون اي التزام بمجلس الأمن الدولي وقراراته، تماما مثلما كان الحال في كوسوفو، ويريد من الغرب ان يقوم بمهمة اسقاط النظام السوري، مثلما اسقط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، واطاح بحركة طالبان في افغانستان، ونظام العقيد معمر القذافي في ليبيا.
في افغانستان استخدمت الولايات المتحدة القاذفات العملاقة ‘بي 52′ للقيام بقصف ‘سجادي’ مهّد لتدخل القوات البرية، وفي العراق استخدمت الاثنين معاً في الوقت نفسه، وفي ليبيا اكتفت بغارات الطيران ودون ارسال اي جنود باستثناء بعض الخبراء العسكريين.
النظام السوري يملك جيشا قويا وصواريخ روسية قادرة على التعامل، ولو جزئياً، مع الطيران الحربي، وإسقاط الطائرة الحربية التركية احد المؤشرات في هذا الصدد.
الغربيون ليسوا في عجلة من أمرهم مثل نظرائهم العرب، ويتبنون سياسة التدرج والنفس الأطول في التعاطي مع القضايا، وفق سيناريوهات معدّة سلفاً ومتفق عليها. ففي العراق بدأوا بالحصار الاقتصادي الخانق، ثم بالتفتيش عن اسلحة الدمار الشامل، وبعد ذلك مناطق الحظر الجوي في الشمال والجنوب، وانتهى الأمر بالغزو العسكري الشامل.
‘ ‘ ‘
المعارضة السورية التي شاركت في المؤتمر ممثلة بالمجلس الوطني السوري، طالبت بحظر جوي وممرات آمنة، واسهبت في وصف الوضع المأساوي على الارض، حيث سقط اكثر من عشرين الف قتيل، ولكن مثل هذه المطالب قوبلت بالصمت، في الوقت الراهن على الأقل.
من المؤكد ان النظام السوري بدأ يشعر بالضعف، وانعكس ذلك في حدوث شروخ في بنيته السياسية والعسكرية، تمثلت في تزايد وتيرة الانشقاقات من قبل ضباط وجنود، بينهم عشرة جنرالات، حسب تصريحات منسوبة للقيادة التركية.
السمكة الأكبر، حسب التعبيرات الغربية، تمثلت في الاعلان عن هروب العميد مناف طلاس قائد أحد أبرز الأولوية في الحرس الجمهوري السوري، وأحد الاصدقاء والمقربين للرئيس السوري بشار الاسد.
العميد طلاس ابن وزير الدفاع الاسبق مصطفى طلاس، كان من المقرر ان يشارك في اجتماع اصدقاء سورية، بحيث يشكل المفاجأة الاكبر فيه، والاعلان عن الانضمام الى المعارضة السورية، وربما قيادتها.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو كيفية تمكنه من الهرب، في ظل وجود اكثر من 17 جهاز استخبارات في سورية يقال انها ترصد كل صغيرة وكبيرة في البلاد، وهل تم هذا الهرب بتنسيق ورعاية اطراف داخلية ام خارجية، بعلم النظام او بدونه، في اطار صفقة او بدون ذلك؟
التكهنات كثيرة، وهناك من يقول ان عملية الهروب هذه جاءات في اطار سيناريو فرنسي جرى اعداده بإحكام، تتحدث بعض مفرداته عن إعداد العميد مناف لكي يكون رئيسا لسورية ما بعد الاسد، حيث تتوافر فيه صفات عديدة تؤهله لهذه المهمة، ابرزها خلفيته العسكرية، وإرثه العائلي، وانتماؤه السني، ولمنطقة حمص بالذات. فالمحاصصة الطائفية التي بدأت في العراق، وبالتحديد اثناء تركيب مجلس الحكم من قبل الجنرال بريمر، هي احد ابرزالخيارات لرسم مستقبل ‘سورية الجديدة’. ثم هل نسينا ان مصطفى عبد الجليل رئيس ليبيا المؤقت كان وزيراً للعدل عند القذافي، واللواء مصطفى يونس رئيس جيش الثوار كان عضواً في تنظيم الضباط الاحرار؟
العميد طلاس كنز من المعلومات العسكرية والأمنية سيستفيد منها اصدقاء سورية استفادة لا تضاهيها الا تلك التي تمثلت في الانشقاق المرتب بعناية للسيد موسى كوسا رئيس جهاز استخبارات نظام العقيد القذافي لسنوات طويلة، حيث قدم معلومات لا تقدر بثمن لمضيفيه البريطانيين وحلفائهم الامريكان، ساهمت في التعجيل بإطاحة نظام العقيد القذافي في ليبيا.
ربما لا توجد فوارق كبيرة بين العميد طلاس ونظيره الليبي كوسا، ولكن قطعاً توجد هذه الفوارق بين الرئيسين معمر القذافي وبشار الاسد. فالأول كان بلا اصدقاء، ومكروهاً من الجميع داخل ليبيا وخارجها، مع بعض الاستثناءات المحدودة، بينما الرئيس الاسد يجد دعماً غير مسبوق من روسيا والصين ودول عظمى صاعدة مثل الهند والبرازيل وافريقيا الجنوبية، او ما يعرف بدول البريكس.
‘ ‘ ‘
يفغيني بريماكوف وزير خارجية روسيا الاسبق قال في حوار تصادمي مع هنري كيسنجر ان روسيا اهينت في ليبيا، وانها لن تخدع مرة اخرى من الغرب في سورية، وستقف مع النظام حتى النهاية حفاظا على مصالحها، وهذا الموقف لم نر له مثيلا في العراق او ليبيا او حتى في صربيا، الامتداد الطبيعي الديني والسياسي لموسكو.
في حواره مع صحيفة ‘جمهوريات’ التركية اكد الرئيس الاسد انه ليس مثل شاه ايران، وانه يتمتع بتأييد من قبل شعبه، موحيا بأنه سيقاتل حتى النهاية، اي انه لن يهرب مثل زين العابدين بن علي، ولن يتنحى جانبا مثل الرئيس حسني مبارك، وهذ لو صحّ فإن علينا ان نتوقع حربا اهلية طائفية طويلة في سورية، للأسف الشديد.
الرئيس الاسد راهن على سحق الثورة السورية في ايام معدودة، ولكن رهانه خاب، وها هي الثورة تستمر لأكثر من 15 شهرا متواصلة، وتزداد قوة بفعل التسليح الخليجي الذي بدأ يعطي ثماره على الارض، من حيث زيادة اعداد القتلى في صفوف قوات النظام بصورة لافتة للنظر.
النظام السوري امام احتمالين رئيسيين، الاول ان يقاتل حتى النهاية، مثلما حدث في ليبيا، في مواجهة تحالف يضم اكثر من مئة دولة، بينها دول عربية غنية ومصممة على اسقاطه حتى لو خسرت كل ملياراتها، ورهنت نفطها لعقود قادمة، او ان يرفع راية الاستسلام ويبحث عن ملاذ آمن في روسيا، وليس في المملكة العربية السعودية التي كانت دائما ملجأ للسياسيين السوريين، وجاءت حالة الرئيس السابق بن علي استثناء ربما لن يتكرر.
الرئيس الاسد ربما يختار الخيار الاول، اي القتال حتى النهاية، ولكن ليست النهاية التي انتهى اليها معمر القذافي، وانما نهاية الحرب الاهلية في الجزائر، التي انتصر فيها النظام على حساب قتل حوالى 200 الف انسان.
نحن لا نقرأ الطالع، ولكن من الصعب جدا التكهن بالنتيجة النهائية التي سينتهي اليها الوضع السوري، ولكن ما يمكن التكهن به ان معدلات سفك الدماء سترتفع وتيرتها الى مستويات قياسية، لأن هذا النظام عقد العزم على القتل والمزيد منه، على امل النجاة في ظل الاطمئنان الى الدعم الروسي، وتردد المجتمع الدولي، ووجود اعداء مثل تكتل اصدقاء سورية، يتنقلون بين العواصم بمؤتمراتهم، في تجسيد بليغ لسياحة المؤتمرات.
القدس العربي
السبت
روايات الضباط السوريين المنشقين
طارق الحميد
استمعت إلى روايات مهمة يرويها بعض الضباط السوريين المنشقين عن نظام طاغية دمشق بشار الأسد، وبعض تلك الروايات من شأنها أن تشرح لنا لماذا تعالت وتيرة الانشقاق بصفوف الضباط السوريين مؤخرا، وعلى مستويات عليا، كما تشرح لنا واقع النظام الأسدي اليوم.
فمما استمعت إليه، من مصادر موثوقة، أنه بات من الملاحظ انعدام الثقة بين الضباط بالقوات الأسدية، ولأسباب طائفية، حيث يروي أحد الضباط أن الضابط العلوي دائما ما يكون على أعلى درجات التأهب، وبمسدسه، في حال كان معه ضابط سني بنفس المكان، كما يروى أنه بات من المألوف احتدام النقاش الطائفي بين الضباط بسوريا، وبشكل غير مسبوق. ومن الأمور الأخرى التي تروى أيضا أنه عادة ما كان يتقدم الضابط الفرقة التي معه في حال القيام بأي مهمة، بينما العكس هو ما يحدث اليوم حيث تجد الضابط بآخر الصف، وذلك لانعدام الثقة، مما دفع بعض الجنود للتندر بالقول إن الأزمة الأخيرة جعلت الضباط السوريين أكثر تواضعا. وللتدليل على صعوبة الأوضاع في سوريا، بالنسبة للضباط، يروي بعض المنشقين أن هناك برقيات رفعت للقيادة العسكرية تطالب بضرورة اتخاذ قرارات تساهم في رفع الروح المعنوية للضباط وصف الضباط والجنود، ومن ضمن تلك البرقيات برقية تحذر من أن إحدى فرق الجيش باتت تحصّل قوت يومها من الأهالي بدرعا طوال ثلاثة أيام! كما يضيف المنشقون أن هناك صعوبة ملحوظة بعمليات التواصل والاتصال بين القيادات العسكرية والأطراف، حيث تتأخر البرقيات والأوامر مدة أيام أحيانا.
كما يقول بعض المنشقين إن هيبة الجيش قد تلاشت بين المواطنين، حيث يروي أحد الضباط أنه في السابق كان بمقدور أربعة جنود التوجه إلى أي منطقة من أجل إلقاء القبض على مطلوب، وأيا كانت مكانته، بينما اليوم بات من الصعوبة على قوة مكونة ولو من خمسين شخصا إلقاء القبض على أي مطلوب، حيث يقوم الأهالي بإهانة أفراد الجيش، والتهجم عليهم، مما يجعل الجيش يستخدم العنف تجاه المواطنين. ويضيف المصدر مدللا على تلاشي هيبة الجيش، وعلى واقع دمشق نفسها، بالقول إنه حتى كبار الضباط القياديين باتوا يتحركون بدمشق عبر مواكب أمنية مموهة، خشية استهدافهم، وبعضهم لا يغادر مكتبه لأيام. ويضيف المصدر، منبها، أن عملية اختطاف ضابطين كبيرين، قبل عدة أيام، قد تمت بوسط دمشق، وقامت بها مجموعة من الثوار الشباب الذين أطلقوا على أنفسهم «كتيبة دمشق عاصمة الأمويين». ويقول المصدر إن «دمشق تتآكل» أمنيا، على عكس ما حدث بالعاصمة الليبية أواخر أيام القذافي، فبينما كانت رحى المعركة تدور في كل ليبيا كانت طرابلس تتمتع بهدوء يوحي بأن القذافي متماسك، بينما نجد أن المعارك وعمليات الاختطاف باتت تنتشر في العاصمة السورية اليوم.
الشرق الأوسط
الأحد
هل انشقاق طلاس غير مهم؟
طارق الحميد
سارع أحد المسؤولين المحسوبين على طاغية دمشق للقول بأن انشقاق العميد مناف طلاس لا معنى له، وإنه إذا كانت المخابرات الأسدية تريد اعتقاله لفعلت، فهل يمكن تصديق مثل هذا الكلام؟ وهل يمكن أن يكون انشقاق طلاس غير مهم لنظام الأسد الذي يعتقل، ويقتل، حتى الأطفال المنتقدين له، ناهيك عن أن مناف هو صديق طفولة الأسد؟ الإجابة البسيطة هي: هراء!
فانشقاق مناف طلاس يعد بمثابة زلزال، وضربة، في قلب النظام. فالأنظمة القمعية، مثل الأسد، لا تقبل المساس بهيبتها المصطنعة بالحديد والنار، فكيف يكون انشقاق صديق طفولة الأسد غير ذي معنى؟ ليس هذا فحسب، بل إن العميد المنشق هو ابن وزير الدفاع الأسبق العماد مصطفى طلاس، صديق حافظ الأسد، ورفيق دربه، الذي لم ينشق عن الأب يوم ارتكب مجزرة حماه، رغم أنه من الطائفة السنية، وقائد عسكري مثل ابنه اليوم، وعرف الأسد الأب من قبل الانقلاب الذي جاء بحكم عائلة الأسد! ولذا فإن انشقاق مناف يعد مهماً، وضربة مؤلمة لطاغية دمشق، فمناف انشق اليوم، عكس والده كما أسلفنا، مما يعني أنه، أي مناف، قد أدرك أنه لا أمل في سفينة الأسد، وأنها غارقة لا محالة.
كما أن انشقاق مناف طلاس، صديق طفولة طاغية دمشق، يعني أن خزينة مهمة من الأسرار باتت متاحة اليوم للغرب عن بشار الأسد، ودوائره المقربة، وتركيبة نظامه الحالية، وحقيقة ما يدور في دوائر النظام الآن، وكيف تفكر وتدير عملها الإجرامي في قمع الثورة السورية السلمية، منذ 17 شهرا، حتى اضطُّر السوريون لحمل السلاح دفاعا عن أرواحهم، وأعراضهم. هذا عدا عن معلومات أخرى حول السنوات الماضية لحكم الأسد، سواء في سوريا، أو لبنان، أو العراق، وغيرها من معلومات مهمة جدا. وانشقاق طلاس يعني أيضا أن التحالف السني مع الأسد قد أصيب في مقتل، فخروج مناف يعد مؤشرا مهماً على أن الدوائر السنية المستفيدة من التحالف مع الأسد لم تعد قادرة على تبرير جرائمه في حق السوريين أكثر مما مضى.
والقصة لا تقف هنا بالطبع، فانشقاق مناف طلاس، وهو القائد في الحرس الجمهوري، وتحت قيادة ماهر الأسد، يعني أن دائرة الانشقاقات قد اتسعت، وبلغت حتى القوات الموثوقة بالنسبة لعائلة الأسد، مما يعني تصدع وحدة النظام الصلبة، مثلما أن انشقاق مناف يعني أن سيطرة الأسد على سوريا لم تعد حقيقية. وكما أشارت عدة مصادر، وكما ذكرنا سابقا هنا، فخروج مناف طلاس، وبرفقة موكب ليس بالصغير، يعني أن النظام الأسدي بات فاقدا للسيطرة على كل سوريا، والأهم أنه فاقد للسيطرة حتى على من يشك فيهم من القيادات العسكرية، وهذا يعني تلقائيا أن نظام الأسد البوليسي لم يعد قادرا على ضبط من هم ضده، ومن هم معه، حتى في أقرب الدوائر المقربة للأسد شخصيا.
ولذا فإن القول بأن انشقاق مناف طلاس عن نظام الأسد ليس بالمهم، كما يردد النظام الأسدي، ما هو إلا هراء، ومحاولة لامتصاص الصدمة الزلزال، التي من الواضح أنها ستليها صدمات أخرى قاتلة.
الشرق الأوسط