مناف طلاس والسيناريو الصفقة
طالب ك إبراهيم*
أي تصدع في البنية العسكرية الأمنية على مستوى الضباط في دائرة القرار، سيؤدي حتماً إلى انهيار النظام، هذا ليس قراراً ولكنه بمثابة تصور أثبتته الوقائع التاريخية، وبحده الأدنى أثبتته دائرة الربيع العربي، أثبتته بصورة جلية لا تحتمل التأويل.
التقديرات كلها كانت تشير إلى أن النظام السوري متماسك في دائرته الضيقة، قوي إلى حد تصور انقلاب داخلي في الصف الأول لإدارته مسألة مغرقة في الخيال.
لكن برز أخيراً ما يفشل تلك التقديرات، ويعيد إلى الأذهان عملية إنقاذ فوقية، لما يمكن إنقاذه من سوريا ومن آليات النظام، ومن تداعيات التغيير في الداخل وفي الإقليم.
إنه مظهر سياسي ملموس للتكهن بظهور سيناريو سوري الخصائص، سيناريو لا ينقل سوريا إلى بر الأمان تماماً، ولكن لا يتركها طريحة الأزمة المتفاقمة.
خروج مناف طلاس الآن يؤكد بما لا يدعو مجالاً للشك أن التصدع قد وصل مراتبه العليا، وأن سوريا في تحولاتها الكبيرة تشبه كل البلدان.
مناف طلاس، متنفذ في السلطة العسكرية الحالية، صديق شخصي للرئيس ولأخيه، ضابط من الصف الأول، تلقى تعاليمه العسكرية في نفس الكليات التي أسست أعمدة النظام العسكرية، ترأس أحد أهم ألوية الحرس الجمهوري، بالإضافة إلى جسر الثقة مع الأسرة الحاكمة، قائد حزبي اختير ليكون في البحيرة الضيقة للمتنفذين بحزب البعث، وصل إلى تركيا في أول محطة للخروج من دائرة النظام الضيقة.
ابن مصطفى طلاس، وزير الدفاع السابق، المتنفذ في السلطة السابقة، والذي كان أحد أهم الشخصيات العسكرية التي ساهمت بتنصيب الابن رئيساً لسوريا، و الذي لديه في الطائفة السنية ما للأسد في الطائفة العلوية من مريدين ومصالح وضباط وصف ضباط.
ماذا يعني فرار العميد طلاس؟ أي دور مخول للقيام به؟
أين يدخل تصويب السيناريو السوري الآن، وهل هي بداية ” السيناريو الصفقة” بداية الشروع بالمراحل العملية للتوافق الأمريكي الروسي في ملف مغرق بالتعقيد؟
أبدت مصادر عربية وغربية استياءها من الأداء الهش الذي قدمته المعارضات السورية في كل تقلباتها ومؤتمراتها خاصة في مؤتمر القاهرة الماضي، والذي ثبت فيه عدم أهليتها حتى الآن في تحمل مسؤولياتها تجاه الأزمة السورية الحرجة، وأنها لا ترقى لمستوى الدم السوري المراق، وأنها جزء معيق لأي حل أو سيناريو يوقف الأزمة، أو يقصر عمرها وعمر النظام، ناهيك عن عدم قدرتها على إدارة المرحلة الانتقالية بعد سقوط الأسد.
مناف طلاس ضابط في حجم كبار قادة النظام، لديه من القدرة والضجة ما يؤهله لبناء جسر بين ضرورات التغيير الداخلية في سوريا واتجاهاته الإقليمية، وبين تناقضاته الدينية والطائفية.
ضابط الانقلاب الداخلي، الذي يستطيع تأمين انتقال نسبي محسوب بدقة تعقيدات الوضع السوري، ضابط توازن إيقاع أمريكي روسي؛ أمريكي لما فيه تأمين صمت الملفات الشائكة واستمرار تطور وفق أجندة دقيقة، وروسي لأنه من صلب النظام وأحد أعمدته الرئيسية، وخير ما يمكن أن يعوّل عليه لبقاء المصالح الروسية في أيدي أمينة.
يبقى لإضفاء طابع شكلي على تحقيق ضمانة داخلية، تساهم بتخفيض خوف الأقليات وتقليص توتراتها، انشقاق ضابط علوي كبير، انشقاق أو التحاق أو تطويع ينهي بوجوده في الانقلاب الموعود علامات القلق الأقلوي، ويكون ضمانة داخلية من انعكاسات التغيير في المعقد الأقلوي السوري.
هل تستيقظ سوريا على تغيير عسكري أمني يفتح أبواب الحل؟
هل تعيد موجة الرداء العسكري وجه سوريا المدني؟
أم تغرق من جديد في دوامات الموت البطيء وتدخل في أتون الحرب المفتوحة وتحت قبة العسكر أيضاً؟
*كاتب سوري مقيم في هولندا