من ذاكرة الحرب
ساطع نور الدين
لن يكون هناك رد من النظام السوري، يمكن ان يرد حزب الله على الغارة الاسرائيلية الاخيرة على اللاذقية التي استهدفت مخازن صواريخ “ياخونت” الروسية المضادة للسفن في الخامس من الشهر الحالي. هذا هو التكليف والتقليد الذي ترسخ منذ سنوات، في اعقاب اي اعتداء اسرائيلي على سوريا.. لاسيما وانه لم يعد هناك حليف فلسطيني موثوق يمكن ان تعتمد عليه دمشق للقيام بمثل هذه المهمة الحرجة.
هذه المرة كان الحرص الاسرائيلي على تجنب احراج النظام السوري اكثر من اي وقت مضى، خصوصا وانه سبق لذلك النظام ان اعلن في اعقاب العدوان الاخير على قاعدة جبل قاسيون قرب دمشق في شهر ايار الماضي انه سيرد فورا ومن دون تردد. لكن يبدو ان ثمة خطأ ما ادى الى تسريب خبر الغارة الاسرائيلية على اللاذقية وبعد اسبوع كامل على حصولها الى شبكة “سي أن أن ” الاميركية، علما بان انباء تحدثت عن ان الانفجارات الضخمة التي سمعت في ذلك اليوم في مخزن الصواريخ الروسية كانت اكبر من ان تنسب الى اي من طرفي النزاع الداخلي في سوريا.
ولعل هناك حاجة الى وقفة امام تلك الاعتداءات الاسرائيلية المتلاحقة على سوريا، والتي تشير الى اختراق اسرائيلي مخيف للعمق السوري، يتيح للاسرائيليين اختيار اهدافهم بدقة متناهية، ويسمح لهم، حسب روايات غربية متعددة، بتدمير الصواريخ في مخازنها قبل ساعات من موعد تحريكها، او حتى قبل انطلاق الشاحنات التي كانت تحملها.. في اتجاه لبنان. وهو ما يعني ان السلاح الروسي النوعي المحظور من قبل العدو الاسرائيلي مكشوف تماما، وغير ذي جدوى. فضلا عن انه ينبىء بان الحصار على الحزب وعملية تسليحه بات مشددا جدا، اكثر من ذي قبل.
وهذا وحده سبب للحرب، لكنه لن يؤدي الى اشعالها، بل سيزيد فقط من محاولات الرد بطريقة مشابهة ، اي بعمليات خاصة غير معلنة ايضا من جانب الحزب الذي لم يتأخر في التنفيذ او في المحاولة بعد كل عدوان اسرائيلي على جبهته السورية المفتوحة. وهو ما تثبته التقارير عن الضربات التي نفذت او الشبكات التي ضبطت في اكثر من بلد اوروبي واسيوي وافريقي في السنوات الماضية، وآخرها في نيجيريا..
تلك هي القواعد التي ارستها حرب تموز يوليو 2006، وكانت آخر الحروب التقليدية التي تخاض على الجبهة الشمالية للصراع مع العدو الاسرائيلي. فالهدوء الذي يسود الحدود اللبنانية الجنوبية، ليس عابرا، لان قرار تفجير تلك الجبهة لم يعد متاحا لحزب الله، مثلما لم يعد مغريا او ربما مجديا لاسرائيل. هي اما ان تكون حربا اخيرة، او لا تكون. واذا لم يكن بمقدور الحزب جرّ سوريا وايران الى اي حرب مقبلة، وهو قرار لا يملكه الحزب ولم يملكه يوما، فان نتيجة اي مواجهة ستكون اقتلاع الطائفة الشيعية بكاملها من لبنان.. من دون ان تضمن زوال دولة اسرائيل من الوجود، على نحو ما كان يتردد في التهديدات الايرانية الجوفاء المخصصة تحديدا للدفاع عن البرنامج النووي الايراني!
بالامس مرت الذكرى السابعة لتلك الحرب التي يتذكر نصف اللبنانيين موعد بدئها فيما يتذكر نصفهم الاخر موعد انهائها، لكنهم يتفقون جميعا على انها كانت الاخيرة، لا لان العدو لم يعد يجروء على الخروج الى الحرب، حسبما يكرر قادة حزب الله، بل لان بدائلها صارت اجدى وأبعد مدى، من وجهة نظر الطرف الاقوى، الذي يعتبر ان جبهته الشمالية صارت متصدعة بالكامل، ويرى ان تورط الحزب في معاركها الخلفية، فرصة لا تعوض.
المدن