من فعلها في الجولان .. ولماذا؟
د. عصام نعمان
لسوريا حدود مشتركة مع لبنان وتركيا والعراق والاردن وفلسطين المحتلة. ثمة عمليات مسلحة وتهريب اسلحة وتنظيم نزوح لاجئين عبر الحدود المشتركة على مدار الليل والنهار منذ خريف العام 2011. غير ان أعلى العمليات دوّياً كان ما حدث مطلعَ الاسبوع الماضي . فقد تمكّنت مجموعة مسلحة من احتجاز قافلة من 21 مراقباً تابعين لقوة الامم المتحدة لفك الإشتباك في الجولان ‘اندوف’.
من فعلها؟
رجل ذَكَر انه من ‘لواء شهداء اليرموك’ قال إن الفاعلين لن يطلقوا القافلة إلاّ بعد ان تنسحب القوات الموالية للرئيس بشار الاسد من قرية ‘جملة’ القريبة من خط فصل القوات بين سوريا و’اسرائيل’. ‘ المجلس الوطني السوري’ في اسطنبول سارع الى اصدار بيان قال فيه إن ممثلين عنه هم على اتصال مع الخاطفين ودعوهم الى اطلاق المراقبين، ونفى اعتبارهم رهائن، مؤكداً ان إحتجازهم ‘كان إجراء امنياً وقائياً بهدف حمايتهم’.
حمايتهم ممن ؟ وما العمل الذي كانوا يقومون به ليستوجب الحماية ؟
متحدث بإسم الامم المتحدة قال إن المراقبين الفيليبـــــينيين كانوا ‘يقومون بمهمة تموين معتادة في جنوب الجــــولان عند احتجازهم’. قال ايضا: ‘انه وضعٌ حساس لأن المنطقة الفاصلة لا تخضع لا لسيطرة ‘اسرائيل’ ولا للحكومة السورية’.
عاموس غلعاد، المسؤول في وزارة الحرب الإسرائيلية، قال ‘إن تقييد حركة جنود قوة دولية حدث كبير(…) إن جيش ‘اسرائيل’ لا يريد التدخل في الامر، لكنه يتابع الاحداث ويخشى ان تؤدي الى رحيل قوات الامم المتحدة’.
من مجمل هذه التطورات والملابسات وغيرها، يمكن استخلاص الحقائق الآتية:
اولاً، ثبوت ضلوع عناصر مسلحة معادية للنظام في حادثة الإختطاف، واعتراف ‘المجلس الوطني السوري’ بوجود اتصالات معها لحثها على اطلاق المراقبين المحتجزين ما يشير الى عدم موافقته على ما قامت به. فمن اوعز لها بالتنفيذ؟
ثانياً، ثبوت عدم وجود قوات سورية نظامية في المنطقة التي جرت فيها عملية الإختطاف. اكد هذه الواقعة ناطق بإسم ‘اندوف’.
ثالثاً، تمتد المنطقة التي يعمل فيها مراقبو ‘اندوف’ على طول 8 كيلومترات، من جبل الشيخ حتى نقطة إلتقاء الحدود بين سوريا و’اسرائيل’ والاردن، ويتراوح عرضها بين نصف كيلومتر وعشرة كيلومترات، وهي خالية من القوات السورية كما من القوات الإسرائيلية.
رابعاً، بعد تدهور الاوضاع الامنية في سوريا جرى خفض عديد قوة المراقبين الدوليين الى نحو الف مراقب.
خامساً، طالب خاطفو المراقبين الاممَ المتحدة بالضغط على الحكومة السورية لسحب قواتها البرية والمدرعة من قرية ‘جملة’ التي تبعد نحو خمسة كيلومترات عن المنطقة العازلة. الواقع انه محظور على سوريا بأن يكون لها قوات في تلك المنطقة. واذا كان لسوريا قوات هناك فهي قوات أمن خفيفة التسليح، فلماذا طلب مختطفو المراقبين سحب القوات السورية النظامية من المنطقة طالما انهم تمكّنوا من انجاز عملية الإختطاف؟
سادساً، يبدو انه يتعذر الوصول الى المنطقة العازلة، حيث جرت عملية الإختطاف، من جهة الشرق ولا من جهة الشمال حيث المنطقة ما زالت تحت سيطرة القوات السورية النظامية. فهل جاء منفذو العملية من الغرب، اي من منطقة جبل الشيخ المحاذية للحدود بين لبنان وسوريا والتي يقع قسم من اراضيها تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي؟
سابعاً، تزايدت المخاوف في ‘اسرائيل’ إثر سيطرة ‘الجيش السوري الحر’ على مناطق في سوريا قال إنها تحوي مخازن اسلحة مهمة من بينها صواريخ ‘سكود’ . وما ان نشرت ‘جبهة النصرة’ اشرطة فيديو توحي بالسيطرة على قواعد تلك الصواريخ حتى تصدّرت هذه الاخبار الصحف الإسرائيلية . كما اظهرت الصور المنشورة سيطرة المعارضة السورية المسلحة على 13 صاروخاً من طراز ‘سكود’، مدى كل منها ما بين 180 و 700 كيلومتر . وتخشى ‘اسرائيل’ ايضاً من وقوع صواريخ ’17 SA ‘ المضادة للطائرات وصواريخ ‘ياخونت’ البحرية في ايدي قوة معادية لها لكونها تشكّل خطراً على منصات الغاز في عرض البحر المتوسط، وعلى السفن الحربية والتجارية الإسرائيلية.
ثامناً، تستبعد القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية ان تدخل المعارضة المسلحة في نزاع مسلح مع ‘اسرائيل’ لعدم وجود مصلحة لها في ذلك، اقلّه قبل ان تصبح لها اليد العليا في سوريا . لكن المعلق العسكري في صحيفة ‘معاريف’ عمير ربابورات قال ‘إن معارضين كثراً ممن يحظون بدعم غربي يصنفون أنفسهم اعداء لـ ‘اسرائيل’ ‘الكافرة ‘، وسيتجهون ضدها في حال التخلص من حكم الرئيس الأسد، وإن الصور التي تنشر على موقع ‘يوتيوب’ مقلقة حقاً لأن الجمع بين رجال الجهاد العالمي وصواريـخ ارض ارض يعتبر امراً إشكالياً ‘.
حملتُ هذه الحقائق المستخلصة من وقائع الصراع في سوريا ومن ردود الفعل عليها في ‘اسرائيل’ الى خبير استراتيجي متابع كان عضواً في لجنة الإرتباط والتنسيق بين قيادتي الجيشين اللبناني والسوري، فأبدى في شأنها ثلاث ملاحظات لافتة:
اولاها، ان معلوماته الموثوقة تؤكد عدم صحة ما تردد عن وقوع صواريخ ‘سكود’ سورية في ايدي المعارضة المسلحة، كما تؤكد ان تركيا زوّدت ‘الجيش السوري الحرّ’ الناشط في ريف حلب، ثلاثة صواريخ ‘سكود’ قديمة لتعزيز المركز التفاوضي للمعارضة في وجه النظام، وان هذه الصواريخ جرى شراؤها من دولة اوروبية شرقية.
ثانيتها، ان الحديث عن سقوط صواريخ ‘سكود’ وغيرها في ايدي المعارضة المسلحة يأتي في إطار مخطط اسرائيلي يرمي الى تخويف دول الغرب الاطلسي من وصول هذه الصواريخ ‘المهرّبة’ في نهاية المطاف الى حزب الله لكون بعض المجموعات السورية المسلحة غير خاضعة لقيادة مركزية وتعمل لحسابها، ويمكن تالياً أن تبيع حزب الله بعضاً من الصواريخ والأسلحة الفتاكة التي يحوزها . كل ذلك تقوله اسرائيل’ بقصد اقناع حكومات اوروبا واميركا بأن السبيل الأقصر لحمايتها وحليفاتها من تلك الصواريخ هو في تدميرها في مخازنها على الاراضي السورية.
ثالثتها، ان ‘اسرائيل’ هي الجهة المسؤولة عن عملية اختطاف المراقبين في المنطقة العازلة في الجولان، وان المجموعة المنفذة أتت غرباً من جهة الحدود اللبنانية – السورية، وإنها مجموعة مأجورة بدليل تنصّل ‘المجلس الوطني السوري’ من فعلتها، ودعوته الى اطلاق المراقبين المحتجزين. اما الدوافع الكامنة وراء هذه العملية فهي: تضخيم قدرات المعارضة السورية ولاسيما لجهة سيطرتها على صواريخ ‘سكود’ وغيرها، كما سيطرتها على المنطقة المحاذية للجولان المحتل، وبالتالي قدرتها على استخدام الصواريخ التي ‘استولت عليها’ ضد ‘اسرائيل’ الامر الذي يستوجب، بحسب مخططها، سيطرة الجيش الإسرائيلي على مزيد من الاراضي السورية لحماية المستوطنات الإسرائيلية في الجولان، وصرف النظر عن اي بحث في إعادة الجولان الى سوريا اياً كانت الجهة التي تحكمها.
قد يكون كل ما تقدم بيانه صحيحاً، وقد لا يكون . لكن الثابت ان ‘اسرائيل’ هي اكبر المستفيدين من المحنة التي تكابدها سوريا في الوقت الحاضر، وان ذووي الارادات الطيبة في عالم العرب، من الحاكمين كما المحكومين، مطالبون بإدراك كل هذه الواقعات والملابسات، وان يبادروا، كلّ بقدر ما يستطيع ويطيق، الى العمل من اجل وقف نزيف سوريا ومحنتها، ووضعها حكومةً ومعارضة على سكة الحوار الوطني كي يقرر شعبها بحرية وكرامة مصيرها ومستقبلها.
كاتب لبناني
القدس العربي