صفحات سوريةطيب تيزيني

نكسة «نصرالله»

د. طيب تيزيني

تتتالى المواقف القاسية المجحفة والمؤسفة، التي يتخذها «حزب الله» بقيادة نصرالله، حِيال سوريا المنتفضة من أجل الحرية والكرامة والعدالة. ومنذ المواقف الأولى على ذلك الطريق، رحتُ أتساءل: لماذا تلك المواقف تصدر عن نصر الله، وهو الذي عوّدنا على أحوال ومواقف أخرى أطلقتُ عليه في واحد منها عام 2006 اسم «الفاتح». لقد التقيته مع ثلة من المفكرين في أعقاب مؤتمر شاركت فيه ببيروت منذ بضع سنين، وكان بعنوان «الإسلام وأوروبا». كان مؤتمراً حافلاً بالنشاط العلمي التأريخي، استطعنا فيه – بحضور مجموعة من الباحثين المستشرقين الألمان – أن نضع بعض النقاط على الحروف ونجيب على بعض الأسئلة المطروحة في العالم الإسلامي خصوصاً ما يتصل منها بقضايا الأصولية والسلفية والظلامية والعلاقة بين التأويل ومقتضيات الحداثة، والمسائل المتصلة بالتعددية القرآنية… الخ. وكانت العلاقة بين أوروبا والإسلام والإصلاح قد نوقشت باستفاضة. وخلصنا إلى نتيجة (مطلب) تبلورت في الدعوة التالية: من الحوار إلى التفاهم! وكانت فكرة التأثير المنهجي المتبادل بين تلك القضايا قد تغلغلت في كامل المؤتمر، بالرغم من ظهور أصوات أخرى تدعو إلى الاستقلالية المغلقة في العلاقات بين الشعوب والأديان من طرف، وإلى هيمنة بعضها على بعض باسم العقائد والتعاليم الدينية من طرف آخر. ولحسن الحظ، ظهر ذلك ضئيلاً خافتاً غير فاعل وغير قادر على السّير قُدماً في البحث العلمي الصارم، مع تشديد على فساد الدعوات إلى الهيمنة من طرف على طرف أو أطراف أخرى.

والآن وفي هذه المرحلة المرعبة التي تمر بسوريا، تبرز مواقف جديدة أو قديمة جديدة يأخذ بها نصر الله، ونجد صعوبة كبرى في التوطين بينها دلالياً رمزياً وواقعياً سياسياً وأيديولوجياً، وبين ما كنّا سَعدنا به سابقاً، وللأسف، أخذنا نلاحظ صمته على السجالات السياسية بين أطراف سياسية إيرانية وأخرى عربية حول مناطق عربية ألحقتها إيران الثورة الإسلامية بها. أما الخطأ الكبير والفاحش فيما يراه البعض، الذي اتخذه «حزب الله» فهو كيفية تعامله مع انتفاضة سوريا ضد أسوأ نظام أمني قام فيها تاريخاً وراهناً، فقد قامت هذه الانتفاضة ضد ما أسّس له ذلك النظام تحت يافطة، قانون الاستبداد الرباعي. فعلى امتداد أربعين عاماً ونيّفاً هيمن ذلك القانون الخاص بالاستبداد في سوريا العربية، وعليه وضده انتفضت سوريا الشجاعة. لقد جاء رفض «حزب الله» الإقرار بشرعية الانتفاضة – الثورة في سوريا نكسة هائلة في المنظومة السياسية والقومية والأخلاقية لمشروع المقاومة للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين العربية. كنا نفكر في عقود سابقة أن اكتمال تلك المنظومة التحريرية سيصبح أكثر اكتمالاً بل أكثر اقتداراً على تحقيق استراتيجيتها الوطنية والقومية، حين تتحرر من الظلم والطغيان والفقر والظلامية، إنها- والحال كذلك – استمرار حيّ للتحرير والتحرر، فهي تحرير للوطن من احتلال الاستعمار والأغيار المستكبرين في الأرض، وهي تحرر من الظلم الداخلي من قبل «ذوي القربى». وحيث يكون الأمر كذلك، فكيف يحدث أن «تمرّ» على من عرفناه وطنياً وقومياً وحكيماً، فيقع في شرَك «داخل فاسد ظالم» وفي أخطبوط «خارج جشع مستغل» ويا ويل الدخول فيما بين الأخ وأخيه، ليعمل على الإطاحة بكليهما معاً؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى