من يتصدى للاعتداءات السورية؟
عبد الوهاب بدرخان
أصبحت الانتهاكات السورية للحدود اللبنانية بوتيرة يومية، بل أصبحت الاعتداءات السورية على البلدات والقرى مبرمجة ومتعمدة قتل المدنيين. ويوم الاثنين طلب رئيس الحكومة من سفير لبنان في دمشق “إبلاغ” السلطات السورية استمرار القصف، مجرد ابلاغ لا احتجاج، اعتقاداً منه بأن هذه السلطات ليست على علم بما يحصل بأوامر صريحة منها. أما وزارة الخارجية فلم تُشعر اللبنانيين يوماً بأنها معنية بالتعامل مع الانتهاكات السورية وفقاً للقوانين الدولية إن لم يكن بموجب المعاهدات، والاتفاقات بين البلدين. وأما القوى السياسية في الحكومة، وعلى رأسها “حزب الله”، فلا ترى في الاعتداءات ما يستحق الذكر، ذاك ان المعتدي هنا هو “دولة شقيقة”، ثم ان الموطنين والمواقع المعتدى عليها مصنفون مع “14 آذار”، أي مع المعارضة.
لم يُسجل لأي قيادي في أحزاب “8 آذار” أي موقف من هذه الاعتداءات، رغم ان هناك مواطنين ابرياء يقتلون. ولما كانت الادانة غير متوقعة منهم، فإنهم لم يغامروا حتى بشيء من الاستنكار، ما يعني انهم موافقون ومؤيدون لقتل مواطنيهم، تماماً كتأييدهم قتل أبناء الشعب السوري بأيدي قوات النظام. وفي المقابلة التلفزيونية الأخيرة، لم يسأل الأمين العام لـ”حزب الله” عن الاعتداءات السورية، ولا هو تطرق اليها، رغم ان المقابلة خصصت عملياً للرد على تهديدات اسرائيلية باعتداءات محتملة على لبنان.
متى أصبحت الانتهاكات مستحقة الاهتمام؟ عندما قدمت المعارضة مذكرة الى الدولة تطالبها فيها بالقيام بأبسط واجباتها، وعندما طرحت الافكار والوسائل التي يتيحها القانون الدولي ومنها مثلاً نشر قوات من “اليونيفيل” على الحدود بين لبنان وسوريا. عندئذ ارتفعت الاصوات بالتحذير والتهديد، مذكرة بالخطوط الحمر والمحرّمات. اي ان المشكلة صارت “داخلية”، باعتبار ان الحدود بين مربع أمني وآخر، وليست بين بلدين. وحتى حين تداول الاعلام “اعتذاراً” سورياً و”وعداً بعدم التكرار” استعظم انصار النظام الاسدي وروّجوا أن رئيس الجمهورية راكم لتوّه غضباً سورياً جديداً عليه.
كل ذلك يحيل مجدداً الى النقاش حول الدولة ودورها. لم تطلب المعارضة ان ينبري الجيش للتعامل مع الاعتداءات، رغم ان هذه وظيفته الأولى، وانما تطلب خطوات بديهية لا بد ان يكون اللجوء الى الامم المتحدة أحدها. فالسكوت والخوف يشجعان على التمادي. لا شك أن طرد السفير السوري وتجميد العلاقات خطوتان رمزيتان واجبتان، أما تحريك القرار 1701 لنشر “اليونيفيل” فهو خطوة عملية لا تكون الدولة دولة اذا لم تقدم عليها. وأي نتائج سلبية يمكن ان تترتب عنها ستبقى أقل كارثية لاحقاً من أن ترضخ الدولة للاعتداء على مواطنيها واراضيها لمجرد أن هناك في الداخل من يستقوون عليها.