نزول تركي مباشر إلى سوريا/ إياد الجعفري
قد يكون أبرز سؤال شغل أذهان المراقبين للشأن السوري، خلال الأسبوع الفائت، هو: أين يمكن أن تلتقي مصالح أنقرة، موسكو، طهران، في سوريا؟
ربما كانت الإجابة قد جاءت على لسان محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران، ونظيره التركي، مولود جاويش أوغلو، في مؤتمرهما الصحافي يوم الجمعة، حينما أشارا، بالتزامن، إلى نقطة الاتفاق الرئيسية بينهما، “وحدة التراب السوري”.
إذاً، فطموح القوى الكردية الفاعلة في سوريا، قد يكون أبرز ضحايا مساعي الحوار والتفاهم التركي – الإيراني، بمظلة روسية.
بطبيعة الحال، من المبكر جداً القول بوجود أية تفاهمات بين العواصم الثلاثة، أنقرة، موسكو، طهران. لكن لابد من الجزم بوجود رغبة جادة لدى العواصم الثلاثة في اختبار احتمال التفاهم بينها. وإن لم يكن على سلّة مشتركة من الأهداف في سوريا، فلا يمنع ذلك من انتقاء بعض الأهداف التي يمكن الاتفاق حولها، والقبول بحالة الاختلاف في أهداف أخرى.
وبما أنه من الصعب على تركيا أن تقبل بالتخلي عن حلفائها الميدانيين من الفصائل المسلحة، في شمال سوريا، والذين يشكلون سنوات من الاستثمار التركي في الصراع السوري. كما أنه من الصعب على روسيا وإيران أيضاً، التخلي عن الأسد، وما يمثله من قوة محلية ومؤسساتية أمنية وعسكرية في سوريا، في ضوء حجم الاستثمار الروسي والإيراني فيه، وفي الهيكلية التي يقودها. إذاً، لا مانع من البحث عن نقاط المصلحة المشتركة بين العواصم الثلاثة، والقبول بحالة الصراع الميداني في هوامش الاختلاف.
إيرانياً، وتركياً، لا يبدو أن هناك أي زيغ في رفض الطرفين للتمدد الكردي، المدعوم أمريكياً، شمال سوريا، تحت غطاء مكافحة “داعش”.
ومع استكمال سيطرة فصيل “قوات سوريا الديمقراطية” على منبج، وصل التمدد الكردي إلى نقطة حساسة في هامش “الصبر” التركي. فمع السيطرة على منبج، يكون التمدد الكردي قد تجاوز هامش الفرات، باتجاه غربه. وهو الخط الأحمر الذي سبق أن رفعه الأتراك بهذا الخصوص.
وفيما ربط مراقبون بين زيارة وزير الخارجية الإيراني المفاجئة لأنقرة، يوم الجمعة، وبين لقاء أردوغان – بوتين الأخير، يبدو أن الربط الأكثر إلحاحاً، هو ذلك المُتعلق بإعلان اللحظات الأخيرة من معركة السيطرة على منبج، من جانب فصيل “قوات سوريا الديمقراطية”، الذي يشكل أكراد “الاتحاد الديمقراطي الكردي”، قوامه الرئيس.
هكذا، يبدو أن الخطر الكردي يتفاقم في المنظورين التركي والإيراني. فطهران شهدت تفاقماً للحراك المسلح في مناطق ذات غالبية كردية في شمالها الغربي، قرب الحدود مع إقليم “كردستان العراق”. فيما تقارع أنقرة في حرب عصابات، مقاتلي حزب العمال الكردستاني، في جنوبها الشرقي.
أما روسيا، التي سعت سابقاً لإقامة صلات مُثمرة مع الاتحاد الديمقراطي الكردي، نكايةً بأردوغان، وسعياً كي لا يبقى أكراد سوريا ورقة أمريكية خالصة، تلحظ اليوم، التمدد الكردي برعاية أمريكية، بصورة تجعل الورقة الكردية تخرج تماماً من قبضتها، لصالح الأمريكيين.
هكذا، تلتقي مصالح الأطراف الثلاثة، تركيا، إيران، وأيضاً، روسيا، في الحد من التمدد الكردي. فحتى روسيا، لا ترى في هذا التمدد إلا تمدداً لصالح الأمريكيين، باعتبارهم الرعاة الرسميين للفصيل الذي يضم مقاتلي الكرد بسوريا.
وبعد أكثر من عشرة أشهر من الانخراط العسكري الروسي في سوريا، والذي قِيل لحظة إطلاقه أنه سيكون قصير الأمد، لا بد أن موسكو تريد التخفيف من حدة تورطها العسكري، وخسائرها المالية جرائه. وفي سبيل ذلك، يُفيد الروس من تفاهم مع تركيا، يمكن أن يهدئ بعض الجبهات، أو يفتح باباً للحوار وفرض قواعد لعبة تضبط الصراع، بما يحد من استنزاف التورط الروسي.
فهل يفسر ما سبق حالة المراوحة في المكان في معركة حلب؟،.. ربما..
وأكثر من ذلك، قد تُترجم مساعي الحوار الروسي – التركي – الإيراني، في حال نجاحه مستقبلاً، في سيناريوهات عدة، مفاجئة للمراقب اليوم، من قبيل، تغيير وجهة المعركة من جانب فصائل معارضة، لتكون في شمال مدينة حلب، وفي ريفها الشمالي الشرقي، وريفها الشمالي الغربي، ضد “داعش”، بإسناد تركي، وضد الأكراد أيضاً، خاصة إن نجحت المساعي لفرض هدنة في حلب، بين النظام والمعارضة.
أو قد نشهد سيناريو آخر، من قبيل، حصول تدخل عسكري تركي مباشر، للسيطرة على الحيز الجغرافي الفاصل، المُتبقي، بين مناطق سيطرة الأكراد في الريف الشرقي لحلب، وبين مناطق سيطرتهم في الريف الشمالي الغربي للمدينة.
السيناريو الأخير قد يكون الأرجح، فتولي فصائل المعارضة مسؤولية الاشتباك مع الأكراد، قد تحول دونه محاذير عديدة، أبرزها، رفض بعض الفصائل القبول بالتوجيه التركي بهذا الشأن. ونذكر أن “فتح الشام (النُصرة سابقاً)”، رفضت منذ أكثر من سنة التورط في أية مساعٍ للصدام مع الأكراد بما يخدم أجندات تركية، شمال حلب.
ناهيك، عن أن التدخل العسكري التركي المباشر، قد يكون أكثر حسماً، فهو سيكون بمبررين: الأول، دفع تواجد تنظيم “الدولة الإسلامية”، بعيداً عن الحدود التركية، بدلاً من أن يتولى الأكراد هذه المهمة. والمبرر الثاني: منع قيام اتصال جغرافي بين المناطق التي يسعى الأكراد لإقامة منطقة حكم ذاتي فيها، الأمر الذي ترفضه الدولة التركية بكل مقوماتها، بما فيها قوى المعارضة والمؤسسة العسكرية.
التدخل العسكري التركي المباشر، إن تم، بضوء أخضر روسي، قد يشكل عامل ارتباك للأمريكيين. وسيمثل رسالة حازمة من أنقرة، مفادها، أن الاستهتار الأمريكي بالأمن القومي التركي، عبر دعم التمدد الكردي، لم يعد مقبولاً. وقد يمثل ذلك أقوى رد تركي ممكن على الموقف الأمريكي المُلتبس حيال محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، ناهيك عن الاستهتار بالخط الأحمر التركي المتعلق برفض أي عبور كردي لنهر الفرات باتجاه الغرب، شمال حلب.
وقد يكون تدخل كهذا، أفضل فرصة للمؤسسة العسكرية التركية، لإعادة تلميع صورتها داخلياً، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة.. وللحزب الحاكم في أنقرة، لإظهار أن محاولة الانقلاب لم تؤثر على قوة تركيا الإقليمية، بخلاف ما توقع المراقبون.
وبطبيعة الحال، سيعتمد هكذا تدخل عسكري تركي على فصائل معارضة محلية، للإمساك بالأرض، والسيطرة عليها.
الروس، سيكسبون من تدخل تركي كهذا، تحقيق تقارب أكبر في وجهات النظر والمصلحة مع أنقرة، بصورة تحدّ من حجم الاستنزاف والتورط العسكري الروسي في سوريا. أما الإيرانيون، فيكفيهم لجم الطموحات الكردية في سوريا، قبل أن تستكمل تأثيرها في إيقاظ النوازع الانفصالية للأكراد على الأراضي الإيرانية.
فهل نشهد بالفعل تدخلاً عسكرياً تركياً مباشراً، شمال سوريا؟.. أعتقد أن هذا السيناريو بات أقرب من أي وقت سابق، ذلك أن نقطة الالتقاء الوحيدة المشتركة التي يمكن البناء عليها بين العواصم الثلاثة، أنقرة، موسكو، وطهران، هي لجم الأكراد، ومن ورائهم، واشنطن، على التراب السوري.
المدن