نشيد “لبلادي”: أناقة التشبيح الأسدي/ نديم قطيش
إحدى الظواهر الاخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي نشيد “لبلادي”، وهو عبارة عن فيلم قصير للاختين السوريتين المقيمتين في ستوكهولم فايا وريحان يونان. الفيلم التسجيلي هو عبارة عن مونولوج “سياسي” تقرأه ريحان يونان ويعرض “للواقع عربي” شاملاً “الهلال الخصيب” فقط، اي سوريا ولبنان والعراق وفلسطين، وترافقها غنائياً شقيقتها فايا يونان بصوت شجي هو ربما اللمعة الوحيدة في العمل وعلامته الفارقة، وان بأغنيات من الأرشيف “القومي” لفيروز، وظفت لتخدم الرسالة “القومية” للعمل.
تفتتح الأختان يونان العمل من سوريا، الوطن الأم للصبيتين المغتربتين. نص المونولوج باهت وشعبوي وساذج، اذ ان قوامه الكثير من التعميم والدراما والبكائية والتفجع خارج اي تناول سياسي او ثقافي او انساني يطال جوهر الحدث السوري. فالحرب “مجنونة وأنانية ولا منطقية” وهي “اخترقت الأبواب خلسة” في تجهيل كامل وتعمية خالصة على تفاصيل الحرب السورية، وكأنها حرب سقطت على سوريا من السماء او من غرفة عمليات سوداء لا فرق. وهي حرب تنبغي إدانتها فقط لأنها “أبكت جميع أمهات الوطن وأنهكت رجاله”. وحين تسعى ريحان يونان لاستدراجنا الى حفلة التفجع تستل من أهوال الحرب ما يخدم فكرة النظام الأسدي عنها، فهي حرب “بيع فيها الصغار والنساء في أسواق الرق والعبيد”. وحدها هذه الجريمة التي تصفعنا بها يونان هي ما حصل في سوريا، قافزة فوق الجرائم بالأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة والقصف بالطيران والاسلحة الثقيلة عدا عن أهوال الخطف والاحتجاز والتعذيب والقتل والاغتصاب والتدمير الممنهج للمدينة السورية وريفها. اختصار كامل لدعاية النظام عن الحرب وعن بقية الحروب.
بيسر شديد تنقلنا يونان من الحدث السوري حيث لا إشارة الى اي نوع من انواع الظلم والاستبداد الذي ربما يكون قد مهد لثورة السوريين قبل ان تأخذها ديناميات لا حصر الى ما وصلت اليه اليوم، وتذهب بنا الى العراق. فالحدث العراقي هو تحرير مفترض من “الظلم والقمع والاستبداد، أتى باستبداد وظلم وقمع اكبر”!! سورية يونان الاسدية فضحتها حين بلت يدها بالبعث العراقي ناسبة اليه ما غيبته في الحديث عن نظام الاسد، من ظلم وقمع واستبداد. فبعث سوريا من طينة مختلفة تآمر عليها من اشعلوا “حربا بيع فيها الصغار والنساء” في حين ان الجريمة والاستبداد من الطبائع الحصرية لبعث العراق! ويسقط بسذاجة مطلقة من نسيج يونان السياسي اي تناول لمسؤولية كل من سوريا وإيران عن إفشال التجربة العراقية او ما تسميه دعاية محور المقاومة “اسقاط المشروع الأميركي في العراق”. فهل سقط هذا المشروع بالدعاء ام بالسيارات المفخمة التي رعاها نظاما الاسد والملالي؟
الى ذلك فان المقطع العراقي في مونولوغ يونان هو الاكثر ثراء بالرطانة القومية والبعثية حيث تستخدم عبارات من نوع “قسم المقسم وجزأ المجزأ” وهي ربما العبارة الأشهر الباقية من ترسبات البله الوحدوي القومي. وهي عبارة تفضح الوطنية المختلة لأصحاب هذا الخطاب، الذين فيما هم يحتفلون بوطنيات عصبية ومتعصبة يقدحون سايكس بيكو الذي “قسم وجزأ” وانتج هذه الوطنيات، وفي الوقت نفسه يقدحون داعش التي تسبقهم الى الغاء الحدود واقعياً بين “الاقطار و”الكيانات” التي يقول خطابهم انهم يطمحون الى الغائها. فهم اذذاك، وطنيو أوطان مفتعلة، وكارهو حدود اصطناعية، ويحاربون بوطنيات عصبية فريقا يسعى الى الغاء الحدود التي لا يتوقفوا هم عن قدحها وذمها!!
ويستمر المونولوغ ببنيته التعميمية والتجهيلية وباستبداله المقاربة الثقافية-السياسية بالتنميط والكليشيه، فيختصر الازمة اللبنانية بانها “أربعون عاماً من الحروب الاهلية والطائفية والمذهبية” مضافاً اليها الاجتياحات والعدوان و” التخبطات الإقليمية” و “التصفيات والصفقات الدولية!!
التصفيات والصفقات!؟ حقاً!؟ كان ينقص السيدة يونان ان تضيف معللة: كما حصل في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري!! الحرب اللبنانية هي هنا تماماً كما يختزلها العقل البعثي. فهي اما حروب داخلية بين مذهبيين وطائفيين او نتيجة مؤامرة خارجية اسرائيلية في الغالب او نتيجة “تخبطات اقليمية” لا توضحها لنا يونان.
ثم يصل الهذيان القومي الى ذروته في المقطع المخصص لفلسطين التي “عيوننا ترحل (إليها) كل يوم” بوصفها “بوصلة القضايا” كما ينبغي لأي قومي رصين ان يقول او يكتب!! الكاريكاتورية الفاقعة هنا يفاقمها الحضور الشاب والحديث للاختين يونان في مقابل جمل تخرج من افواههن بكامل غبارها، كأنهما تتقيآن منشوراً او بياناً من منشورات الفكر العربي!!
مسك الختام سيكون مع نشيد “موطني موطني” للشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان الذي لحنه الملحن اللبناني محمد فليفل عام ١٩٣٤ ليكون نشيدا لفلسطين قبل ان يصير نشيداً لعراق ما بعد ٢٠٠٣، اي العراق الذي انتجه “احتلال تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ”، في لحظة ارتباك قصوى لشابتين مشدودتين بين وطنية سورية اسدية هجرتهما الى السويد وقومية دامية لا يترجمها اليوم الا “بلادي بلاد الحرب والآلام بلاد الحب والأحلام”.
الفيلم دعاية جيدة التنفيذ للتشبيح الأسدي والفتاتان صوتتا لبشار الاسد في السفارة السورية في السويد كما يظهر حساب إحداهن على موقع فايسبوك. ربما ليس صدفة انهما تعيشان في استوكهولم التي ارتبطت باسمها “عقدة ستوكهولم” بما هي،باختصار، وقوع المخطوف بحب خاطفيه!!
المدن