نهاية القطن السوري؟/ مرشد النايف
فوتت الحكومات السورية المتعاقبة ملايين الدولارات من الأرباح السنوية، التي كان يمكن جنيها لو عمدت إلى تصدير القطن مُصنّعا على شكل قمصان و”جينز” وشراشف وغيرها، في الوقت الذي تعمل فيه تونس، مثلاَ، على القيمة المضافة لهذه الصناعة وتحقق ارقام صادرات مليارية، وهي البلد المستورد للقطن ومشتقاته.
تكشف دراسة أعدتها وزارة الزراعة السورية عن “الميزات النسبية للقطن” أن القيمة المضافة التي تحققها سلسلة من الصناعات القائمة على القطن، هي: تصدير القطن “المحلوج” يعطي قيمة وسطية تراوح بين 1400 و1800 دولار للطن، فيما يعطي تصدير الخيوط المغزولة الجيدة قيمة وسطية تراوح بين 2600 و3600 دولار للطن. أما تصدير الملابس القطنية فيعطي قيمة وسطية تراوح بين 8000 و15000 دولار للطن.
ووفق ما نقلته وسائل إعلام سورية عن وزارة الزراعة فإن “وسطي إنتاجنا من القطن خلال السنوات الماضية هو 750 ألف طن “محبوب” (المقطوف)، ينتج عنه 250 ألف طن محلوج، (نزع البذور عن القطن، وهي أول مرحلة في سلسلسة تصنيع القطن إلى مشتقات نسيجية). ويتم تصنيع 200 ألف طن منها في سوريا ويصدّر 50 ألف طن”. الكمية المصدّرة تحمل معها خسارة للإقتصاد السوري بقيمة 400 مليون دولار، كان يمكن له أن يستفيد منها لو أن القطن صدر كملابس. والقيمة هي حاصل ضرب 50 ألف مع 8000 دولار وهو الحد الأدنى من سعر تصدير الملابس.
ثمة دراسات سورية كثيرة عن حلقات الإنتاج المتّصلة، التي تعطي قيماً مضافة لصناعة النسيج محلياً، ومنها دراسة لوزارة الصناعة، صدرت في العام 2012، أكدت فيها أن القيمة المضافة المحققة لتصنيع كامل “إنتاجنا من القطن إلى الألبسة النهائية” ستصل إلى نحو 900% حداً أدنى.
وفي السياق، تعرض قطاع النسيج السوري إلى تراجعات كبيرة بفعل عوامل عديدة أبرزها الانخفاض الكبير في إنتاج القطن من مستويات 628 ألف طن عام 2010 إلى 5 آلاف طن عام 2015، وفق بيانات الاتحاد العربي للصناعات النسيجية، التابع للجامعة العربية، ومقره حلب.
وللمرة الأولى منذ خمس سنوات، يكشف الاتحاد عن الأضرار التي لحقت بهذه الصناعة داخل سوريا وتحديداً في القطاع الخاص. وقال مستشار الاتحاد الخبير الاقتصادي فؤاد اللحام، في ورشة عمل عقدت في دمشق، إن عدد منشآت النسيج المملوكة للقطاع الخاص، التي تضررت خلال الحرب “بلغ حتى الآن 1548 منشأة تقدر خسائرها بـ503 مليارات ليرة سورية”.
ونقلت صحف موالية للنظام، الشهر الماضي، عن اللحام قوله ان الأضرار لحقت بـ14 محلجاً تابعاً لمؤسسة الأقطان، تقدر خسائرها بنحو 43 مليار ليرة، وكذلك خرجت 12 شركة تابعة للمؤسسة العامة للصناعات النسيجية من الدورة الإنتاجية، وتقدر قيمة أضرارها بنحو 24 مليار ليرة.
صادرات بـ150 الف دولار
لم تسلم صناعة النسيج في القطاع العام من التدمير أو التوقف الكلي أو الجزئي عن العمل، فقد تراجعت منتجات القطاع العام من فئة الخيوط القطنية من 95 ألف طن تقريباً في 2011 إلى 4165 طناً فقط في 2015.
وتراجع إنتاج الأقمشة القطنية الخام من 75 ألف طن إلى 6110 أطنان فقط خلال الفترة نفسها، وفق التقرير الصناعي 2015 الذي نشره لحام في نيسان/ إبريل الماضي.
وبالإجمال، انخفضت صادرات القطاع العام من 192 مليون دولار عام 2010 إلى 146 ألفاً فقط خلال النصف الأول من العام 2016، وفق بيانات الاتحاد.
أسباب التدهور
يقول خبراء إقتصاديون في حديث إلى “المدن” إن السبب الأول في تراجع هذه الصناعة هو تقلص مساحات الأراضي التي كانت تزرع بالقطن، ما قلّل من توفر المادة الخام التي تُبنى عليها سلسلة عمليات الإنتاج اللاحقة، والسبب الثاني هو أن كثيراً من المحالج التابعة للحكومة (تحتكر محالج قطن) توقفت عجلة الإنتاج فيها بسبب وقوعها على خطوط جبهات القتال. أما السبب الثالث للجمود الحاصل في صناعة النسيج السورية فيتمثل في ارتفاع تكاليف الإنتاج وأبرزها المازوت الذي تحتاج إليه المصانع لتشغيل محركاتها، بسبب الانقطاع المزمن للتيار الكهربائي.
وبلغت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي للصناعات النسيجية نحو 83%، وفق وزارة الصناعة.
وتشغّل الصناعات النسيجية السورية نحو 30% من إجمالي عدد العاملين في الصناعة، وتسهم بنسبة 27% من الناتج المحلي الصناعي لسوريا، باستثناء صناعة تكرير النفط، وتحوز صادراتها نسبة 40% من الصادرات الصناعية غير النفطية، وفق بيانات الاتحاد.
النموذج التونسي
تستفيد تونس من القطن أكثر من سوريا، رغم أنها تستورده. فقد رفعت تونس صادراتها من الألبسة من نحو 2.5 مليار دولار في عام 2013 إلى 2.8 مليار دولار بين عامي 2014 و2015، وفقاً لما صرح به وزير الصناعة والطاقة والمناجم زكريا أحمد، الذي أكد أن قطاع النسيج التونسي الذي يعتمد على استيراد المواد الأولية للصناعة يوفر 176 ألف فرصة عمل، أي ما نسبته 34% من مجموع العاملين في الصناعة، وترقى نسبة صادرات النسيج إلى 25% من مجمل صادرات البلد، بحسب ما نقلت وكالة انباء تونس عن الوزير.
مواظبة تونس في العمل على حلقات الإنتاج المتّصلة ببعضها، مكنتها من أن تكون ثالث مزود للبلدان الأوروبية لمنتجات “الجينز” وثاني مزود لها في ملابس السباحة والخامس في الملابس الداخلية.
المدن