هل النظام السوري في خطر؟
باتريك سيل *
هل سيستطيع نظام الرئيس السوري بشار الأسد تحمّل موجة الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت هذا العام بالنظامين المصري والتونسي وها هي تهدد آخرين، لا سيّما في اليمن وليبيا والبحرين؟ حتى في سلطنة عُمان التي يسودها الهدوء والنظام عادةً، اضطر السلطان إلى التنازل عن بعض من صلاحياته.
هل أتى الدور على سورية؟ هل من سبب لتنجو؟ في لحظة صحوة العرب المتنقلة هذه، ألا يطالب السوريون بالمطالب نفسها التي عبّر عنها الآخرون؟
تندرج المطالب التي تُسفك في سبيلها دماء الشباب في الشرق الأوسط في ثلاث فئات واسعة: يمكن وصف فئتين منها بالسياسية والاقتصادية. المطالب السياسية تشمل حرية الصحافة وحرية التجمّع وحرية تشكيل أحزاب سياسية وحرية اختيار ممثلي الشعب من خلال انتخابات حرة والتحرر من وحشية الشرطة والتعذيب والاعتقال التعسفي. أمّا الإفراج عن المعتقلين السياسيين والقضاء المستقل فيعتبران أيضاً من المطالب السياسية المهمة.
وتتضمن المطالب الاقتصادية توفير فرص عمل وتأمين الغذاء والمسكن بأسعار معقولة والحصول على فرص متساوية للتقدّم وتأمين مستقبل أفضل للأولاد وللفرد نفسه. وفي معظم البلدان حيث اندلعت الاحتجاجات، كان ثمة رغبة في معاقبة بعض الرجال المقربين من مركز السلطة الذين أصبح جشعهم وفسادهم واضحين للعيان.
إلاّ أنه كان للمتظاهرين مطلب ثالث وبأهمية المطلبْين السابقين، ألا وهو الكرامة. يريد المواطنون العاديون أن تتعامل معهم السلطات بكل احترام، وألاّ يتعّرضوا للإهانة أو السخرية أو الضرب أو حتى مجرد الإهمال.
طالما شكلت التنبؤات خطراً خصوصاً في الأوضاع السريعة التغيّر. لكن باستطاعتنا أن نكون واثقين من أنه في حال بذل النظام السوري جهوداً جادة وصادقة بهدف تلبية مطالب الشعب فستكون أمامه فرصة بالنجاة. وإذا لم يبذل هذه الجهود، فعلى الأرجح أنه سيواجه تمرداً مستمراً. أما العامل الجديد فهو أن الشباب على استعداد للمخاطرة بحياتهم. إن قتل المتظاهرين بالرصاص الحي قد يكسب النظام البقاء لمدة أطول، ألاّ أنه في المقابل سيفقد شرعيته، كما قال الرئيس الأسد نفسه في خطابه في 30 آذار (مارس) الماضي: «من دون إصلاح، نحن نسير على طريق الدمار».
يجب أن تؤخذ ملاحظة الرئيس هذه في الاعتبار. فهي تلمح إلى أنه يعلم أن وقت التغيير قد حان. لماذا إذاً لم يعلن بعد عن إصلاحات جذرية وخطوات طارئة يجب تنفيذها فوراً؟ هذا هو اللغز الحقيقي في الوضع السوري.
ثمة تفسيرات عدة محتملة، ومنها أن الرئيس بشار الأسد– شأنه شأن والده الراحل حافظ الأسد الذي حكم ثلاثين عاماً- يكره أن يوضع تحت الضغط. فهو يفضل العمل على طريقته الخاصة وبحسب توقيته الخاص، ظناً منه أنه الشخص الأفضل لإعداد سورية للحصول على موقع في الاقتصاد العالمي. كان هذا الأساس الذي أطلق منه التغييرات المالية والاقتصادية والتعليمية والتكنولوجية في العقد الماضي. ويبدو أن استراتيجيته الرئيسية تقوم على تحقيق التقدم التدريجي وتأمين الاستقرار الذي يعتبر من أولوياته الرئيسية. وكما كتب فولكر بيرتيس، وهو خبير ألماني رائد في القضايا السورية، في جريدة «انترناشونال هيرالد تريبيون» في 31 آذار الماضي: «الأسد… ليس إصلاحياً. فهو في أفضل الأحوال مجدّد».
قد تكون مقاربة الأسد التدريجية نجحت في الماضي، لكن يبدو أنها لم تعد ملائمة الآن. فالثورة على الأبواب. حان الوقت للرئيس أن يأخذ قرارات جريئة وبأقصى سرعة ممكنة. لكن هل يستطيع أن يقوم بذلك حتى لو أراد؟ من الواضح أن ثمة قوى متمكنة لا تريد التغيير في سورية. ففي كل مكان في العالم ثمة من يرفض التغيير، إذا كان يعرض مصالحه للخطر. ولا يختلف الأمر في سورية.
من هم المدافعون إذاً عن النظام؟ أولاً وقبل أي شيء، هناك قادة الجيش النافذون والأجهزة الأمنية. هؤلاء سيكافحون بالتأكيد من أجل الحفاظ على بقاء النظام في الحكم. وثمة مدافعون أيضاً في صفوف التجار السُنّة الدمشقيين الذين طالما كانوا حلفاء للنظام.
وتتكون المجموعة الأوسع من آلاف عدة من أفراد الطبقة البورجوازية الثرية، التي استغلت في السنوات الأخيرة الفرص التي أوجدها تدفق الاستثمار الأجنبي من خلال افتتاح المصارف الخاصة وشركات التأمين، كما استفادت من التحول العام من الاقتصاد الموجّه من الدولة إلى اقتصاد السوق.
يُضاف إلى تلك المجموعات المختلفة السوريون من جميع الطبقات الذين شاهدوا المذابح والتدمير عبر الحدود في العراق ولبنان وفضلوا اختيار الأمن والاستقرار، حتى لو كان على حساب القمع وغياب الحريات السياسية.
إذاً هؤلاء هم المدافعون عن النظام. فمن هم الخصوم؟ في هذه الفئة يمكن أن ندرج شباب الطبقة العاملة الفقيرة الذين يحتجون في الشارع لأنهم لا يرون أي إمكانية لحياة أفضل. يضاف إليهم المتمردون من الطبقة الجديدة الفقيرة والوسطى التي تضم شباباً متعلمين أو شبه متعلمين، الذين وجدوا عند تخرجهم أن لا وظائف لهم. مما لا شك فيه، أن بطالة الشباب هي من الأسباب الرئيسية للثورة في سورية، كما هو الحال في البلدان العربية الأخرى.
والمثقفون على اختلافهم يشكلون مجموعة معادية أخرى. إنهم يتوقون للحرية من خلال الكتابة والنشر والاجتماع بحرية لمناقشة كل جانب من جوانب مجتمعهم. إنهم الطبقة الأكثر إحباطاً بين السوريين. ولقد اختار العديد منهم المنفى حيث يشكلون معارضة صوتية. بالإضافة إلى مجموعة أخرى من المعارضين الساخطين تم رصدها، وتتألف من رجال أعمال صغار منعهم الرجال النافذون من كسب المال بسبب جشعهم وفسادهم.
ومن ثم نجد الإسلاميين. فبعد أن قضى الرئيس الراحل حافظ الأسد على انتفاضة «الإخوان المسلمين» في عام 1980، سعى إلى نزع الكراهية الحادة التي سببتها الإجراءات العقابية من خلال الانفتاح على الإسلاميين المعتدلين. فشجع على بناء المساجد على نطاق واسع كما أولى اهتماماً بالقادة المسلمين «الرسميين». وشهدت هذه الجهود نجاحاً أولياً إلاّ أنها انقلبت الآن ضد النظام. ويبدو أن هناك ما يشبه حركة مضادة من قبل المعارضة الإسلامية في المجتمع السوري.
هذا هو إذاً الخط المتبع في سورية. من مسافة بعيدة، يصعب القول أي من الجانبين يطغى على الآخر. لكن من خلال العمل من خلال تصور واضح وتصميم، يمكن القول إن الرئيس بشار الأسد يحظى بفرصة جيدة للبقاء على رأس السلطة. لكنه إذا تأخر في العمل، فإنه قد يضع نفسه أمام خطر انفجار لا يمكن السيطرة عليه. فأعداء سورية من الداخل أم من الخارج، يتوقون إلى المواجهة.
للرئيس نافذة ضيقة من الفرص، وهي تتقلص يوماً بعد يوم.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط
الحياة