هل تسلّقت الجبل؟/ ممدوح عزام
يعلن الشاعر الأميركي أرشيبالد مكليش في كتابه “الشعر والتجربة” عن انعدام الثقة بينه وبين النقاد كافة. وذلك لأنهم في رأيه “كمن يضع خرائط لجبال العالم… غير أنهم هم أنفسهم لم يتسلقوا تلك الجبال قط”. فـ”المرء في ميدان الشعر بحاجة إلى رائد ثقة، رجل رأى واستبان ثم عاد، ولن يكون هذا الرائد إلا شاعراً”.
ومن الواضح هنا أن مكليش يكاد يمنع الناقد من التدخل في الشؤون الشعرية. فهو “لا يفهم” شيئاً عن الشعر، لأنه لم يكتب الشعر. فهل هذا عادل، ونزيه، وكاف، لإخراج النقاد من أهلية الكتابة عن الشعر؟ وإذا ما كان الجواب: نعم. فقد يستطيع مناصرو مكليش إبعاد النقاد عن الرواية، والقصة، والمسرح. ويمكن أن يتفاقم الأمر أكثر من ذلك، فيتم إقصاء كل من ينتقد السياسة، ولعبة كرة القدم، والسباحة على الظهر، أو أي نشاط إنساني آخر.
والظاهر أن للأمر علاقة بالرد على إدعاء مقابل يزعم فيه النقاد أنهم الوحيدون المخوّلون، أو القادرون على فهم العمل الأدبي، ومنحه جواز المرور إلى النوع المحدد، أو عدم الاعتراف بعمل ما، ومنعه من دخول الساحة الأدبية. وهؤلاء موجودون في كل ثقافة. وهناك كلام منسوب للخليل بن أحمد الفراهيدي يقول فيه: “إنما أنتم ـ معشر الشعراء ـ تبع لي، وأنا سكَّان (دفة) السفينة، إن قرّظتكم ورضيت قولكم نفقتم، وإلا كسدتم”.
وهناك العشرات، بل المئات من الفراهيديين الذين يمكن أن تنطبق عليهم إشارة مكليش، أو ادعاء الخليل، وإذا كان هذا الرجل قد اكتشف بحور الشعر العربي، وبات يتفاخر بذلك، فإن غيره ما يزال يتعامل مع النصوص الشعرية والروائية بروح كلامه المتّسم بالتعالي، دون أن يكتشف شيئاً.
ولكن ما القيم النقدية أو المعايير التي يتم من خلالها نقد الأدب؟ وإذا ما فكرنا أن الكاتب هو المجدّد فإن الناقد مضطر لإعادة النظر في معاييره النقدية، على ضوء التجديد، أو إعادة صياغة معايير جديدة، تحاول قراءة المنجز الفني المختلف الطارئ على ضوء المعطيات الفكرية والسياسية والاجتماعية والفنية في المضمار الذي يعمل عليه.
وهذا يعني أن الناقد، يبسط “سلطته” على النصوص التالية، لا النصوص السابقة، وهو أمر يمكن مواجهة الفراهيدي نفسه به. فهو يخاطب من عاصره، ومن جاء بعده من الشعراء. ولا سلطة له على من سبقه. الطريف أن يكون قد استمد ” نظريته” في الشعر من الشعر، لا من التراث النقدي السابق عليه.
لا يحتاج الناقد لتسلّق جبال الشعر أو الرواية أو القصة أو المسرح، كي يعترف به الشاعر، أو الروائي. غير أن بوسعنا أن نفك هذا الاشتباك حين نؤمن أن النقد الحقيقي، كما أجمل الراحل فاروق عبد القادر ملامحه، “يصدر عن الحب، لا عن البغض أو التعالي” و”الناقد الجدير بهذه الصفة” والكلام لعبد القادر: “هو من يقترب من موضوع عمله بتواضع، ورغبة صادقة في تلمس مواطن الجمال والقوة قبل تقصي مواضع الضعف”.
العربي الجديد