هل تغيرت المقاربة الأميركية للأزمة السورية؟/ حمزة المصطفى
على الرغم من رهانات عدة على تغير في الموقف الأميركي تجاه الثورة السوريّة، ولاسيما بعد إعادة انتخاب باراك أوباما لولاية ثانية، أواخر عام 2012، فإن المقاربة الأميركية للملف السوري اتسمت بالضبابية والغموض والفوضى. فمع بداية عام 2013، طرأ تغير على الخطاب الدبلوماسي الأميركي، لجهة التخلي عن مصطلح “رحيل الأسد”، واستبداله بـ “تغيير حساباته”، ودفعه إلى التوصل إلى حل تفاوضي، يفضي إلى هيئة انتقالية، بحسب نص بيان مؤتمر جنيف 1، لكن النهج الأميركي الجديد لم يحقق نتائج جدية، لأسباب عدة، من أبرزها؛ الاعتماد على روسيا للضغط على النظام السوري، وإجباره على التفاوض، وتحقيق الانتقال السياسي، والامتناع عن تزويد المعارضة السوريّة بأسلحةٍ، تجعلها قادرة على تغيير موازين القوى، الارتكاز إلى استراتيجية انكفائية في الملف السوري، تركز على حصر الصراع في نطاقه الجغرافي، ومنع تمدده وانتظار مؤتمر جنيف 2 للسير باتجاه الحل السياسي.
أوضحت نتائج مؤتمر جنيف 2 فشل الاستراتيجية الأميركية المتبعة في سورية، فروسيا، والتي أجبرت النظام على حضور المؤتمر لم تستجب للنداءات والطلبات الأميركية المتتابعة بإجبار النظام على التفاوض حول الهيئة الانتقاليّة. وأمام هذا الواقع، وبالاستفادة من الدعم العسكري واللوجستي الذي وفره ويوفره حلفاؤه الإقليميون والدوليون، مضى النظام في استراتيجيته العسكريّة، بعزل العمل المسلح في الأطراف، وتأمين مركز أو “لب” سورية الجغرافي، ونسف آمال الوسيط العربي والدولي الأخضر الابراهيمي ومساعيه، والذي كان يعول على جولة تفاوضية ثالثة، تكسر الجمود السياسي القائم.
بعد مؤتمر جنيف 2، تحدث بعض أركان الإدارة الأميركية عن “مراجعات جديدة” بشأن استراتيجيتها السورية، إلا أنه، وبحكم التصريحات المتغيرة باستمرار، لم يعرف حتى الآن ماهية هذه المراجعات، وما إذا كانت تتضمن تزويد فصائل سورية معارضة بأسلحة نوعية ومتطورة، لمواجهة تقدم قوات النظام وتغيير الموازين العسكرية.
بدايةً، لا بد من القول إن الولايات المتحدة لم تحسم خياراتها النهائية في سوريّة، إذ ما تزال ارتدادية وارتجاليّة، تعكس بصيغةٍ، أو بأخرى، حالة الارتباك والانقسام داخل الإدارة الأميركية بين جناحين؛ أولهما يطالب بدور فاعل لأميركا في الملف السوري، للمساهمة جدياً في تغيير حسابات بشار الأسد، وإجباره على التفاوض والرحيل، ويتبنى هذا الرأي وزير الخارجية، جون كيري. الجناح الثاني يمثله البيت الأبيض والرئيس باراك أوباما، والذي عبر، أكثر من مرة، عن أن الصراع الداخلي في سورية قد يستمر سنوات طويلة، وأن تدخل الولايات المتحدة عسكريا لن يساهم في تغيير مساره.
إلا أنه، وفي الشهرين الماضيين، وبعد تحقيق النظام إنجازات عسكرية عدة، في القلمون وريف دمشق وحمص، وتدهور الأوضاع في سورية، لجهة زيادة نفوذ الحركات الجهادية، وانزعاج دول إقليمية حليفة للولايات المتحدة من استراتيجية إدارة أوباما، واندلاع أزمة أوكرانيا والاندفاع الروسي لاستغلال “الانكفاء” الأميركي، لتحقيق مكتسبات جيوستراتيجية مهمة، في منطقة مهمة جيوسياسياً، كونها تثبّت، أو تغير، حدود أوروبا، برزت مؤشرات تدل على أن الإدارة الأميركية أصبحت مضطرة لإجراء تغييرات على حدود دورها التدخلي ومعالمه في أكثر من ساحة وأزمة، في مقدمتها سورية لضبط الأمور، واحتواء ارتداداتها الخارجية، وفي الوقت نفسه، الحفاظ على “مكانة” الولايات المتحدة في النظام الدولي، ولجم الطموحات الجيوستراتيجية لقوى صاعدة، مثل روسيا والصين.
تأسيساً على ما سبق، شهد الملف السوري تطورات سياسية وعسكرية عدة (لم تحظ باهتمام إعلامي، بسبب التطورات المتسارعة ميدانياً لمصلحة النظام)، وتشير إلى تغير نسبي في المقاربة الأميركية. ولعل من أبرز هذه التطورات؛ إغلاق السفارة السورية والقنصليات المعتمدة في الولايات المتحدة، وصول صواريخ أميركية متطورة من نوع “تاو” لبعض فصائل المعارضة، والتي تصفها الإدارة الأميركية بـ “المعتدلة”، التعامل مع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، باعتباره “الممثل الشرعي للسوريين”، والاعتراف بمكاتبه “بعثة دبلوماسية”، وتخصيص 27 مليون دولار لدعم مكاتبه ومؤسساته، وأخيرًا، زيارة وفد “الائتلاف” الولايات المتحدة، واللقاء الذي جمع رئيسه، أحمد الجربا وأوباما.
مع ذلك، من المبكر لأوانه الحديث عن تغير الموقف الأميركي تجاه الملف السوري، ذلك أن الإدارة الأميركية ما تزال تراهن على “الخيار الدبلوماسي”، باعتباره الطريق الوحيد للأزمة السوريّة. وبناء عليه، لا تعد التطورات الأخيرة، على أهميتها بالنسبة للمعارضة السورية، تطورًا حاسمًا، أو نقطة تحول، فالنهج الأميركي ما يزال مقتصراً على أسلوب “إدارة الأزمة” وليس “حلها” أو “استعجال حلها”. وقد لا يكون هدف الخطوات الأميركية السابقة إحداث تغيير في مسار الصراع، بمقدار ما هي خطوات “احتوائية”، لعدم انزلاقه إلى مسارات أخرى، كانحسار دور الجيش الحر أمام الفصائل الجهادية والإسلامية، المحافظة على وحدة “الائتلاف” ودعمه معنوياً خشية تفككه بحكم الصراعات الداخلية التي تعصف به، إرضاء بعض حلفاء الولايات المتحدة في الإقليم، توجيه رسالة للنظام السوري بأن تقدمه العسكري في محاور وجبهات مختلفة لا يعني “حسم” الصراع لمصلحته.
العربي الجديد