هل سمعتم بالمبادرة السورية؟
عبد الرحمن الراشد
كلنا نعرف عن مبادرة الجامعة العربية تجاه الأزمة السورية، لكن لا أدري كم شخصا سمع بمبادرة سوريا لنشر الديمقراطية في العالم العربي؟ تذكر وكالة الأنباء السورية أن بعثتها في القاهرة طرحت خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب مبادرة «لتعزيز الديمقراطية والإصلاح في كل الدول العربية» تدعو هذه الدول لرفع حالات الطوارئ، وإلغاء محاكم أمن الدولة، وإنشاء مجالس للشعب، وسن دساتير تضمن حقوق الإنسان والحريات، إلى جانب قوانين تسمح بإنشاء الأحزاب والتظاهر السلمي وحرية الإعلام. أفكار رائعة إلا أن عيبها الكبير أن الذي قدمها هو النظام في دمشق بلحمه وشحمه، طرحها ردا على مبادرة الجامعة العربية بـ«الوقف الفوري لإراقة الدماء».
لا تزال تعتقد حكومة دمشق أنها ماهرة في الحيل الدبلوماسية وإحراج الآخرين، كما كانت تفعل زمنا مضى في التعامل مع قضية اغتيال الحريري والخلاف مع السلطة الفلسطينية، في حين أنها لم تعد في موقع يسمح لها بإحراج أحد.
تبدلت الأوضاع ولم تعد دمشق في حال يسمح لها بفرض أو تخويف أي نظام، ولم يعد للنظام سوى استعطاف الغير من أجل الحصول على بعض المميزات، أو دعم أفكار قد تسمح لبعض النظام بالبقاء خلال محنته الحالية، أو البحث عن ملجأ لأفراده حتى لا ينتهي مثل العقيد القذافي وأولاده الذين لم يجدوا أحدا يمنحهم اللجوء حتى أفقر فقراء دول أفريقيا.
عندما طرح مبادرته بنشر الديمقراطية لم يبال بها أحد ولم تنقلها وسائل الإعلام ولم تجد صدى في الإعلام، لماذا؟ لأن النظام السوري أصبح بلا قيمة وما يصدر عنه أيضا لا قيمة له في الساحة. ولو أنه أراد حقا إحراج بقية الأنظمة العربية، كما جرب في دهاليز الجامعة العربية الأسبوع الماضي، كان أعلن عن تطبيق المبادرة على نفسه أولا ثم دعا بقية الدول إلى تقليده. عوضا عن ذلك، سفّه من مجهود الجامعة وأمينها، مع أن المطلوب منه بسيط مقارنة بما يطلبه منه الشارع الهائج ضده في كل أنحاء الجمهورية. المبادرة العربية كانت هزيلة، ومحل استنكار القوى السورية والعربية عموما، حيث إنها كانت تتمحور على الإبقاء على نظام الأسد مع برنامج إصلاح سياسي طويل الزمن يعوزه أهم عنصر، وهو ثقة الناس فيه. دعت الجامعة إلى انتخابات برلمانية يشرف عليها القضاء التابع للنظام. وحتى هذه المبادرة العربية الهزيلة، التي جاءت حبل نجاة له، عاملها كحبل مشنقة، وأعلن رفضه لها، ثم رد عليها بمبادرة يطالب فيها كل الدول العربية بأن تنفذ إصلاحات جماعيا.
مبادرة الجامعة العربية، رغم هزالها بالفعل، كانت حبل نجاة للنظام لكنها برفضه المتعجل قد تصبح بالفعل حبل مشنقة، لأنها خطوة أولى في تهيئة المناخ الشعبي والقانوني للتدخل الدولي الذي تأخر طويلا. إنها مثل مبادرة الجامعة العربية لإقناع صدام حسين بالانسحاب من الكويت عام تسعين من القرن الماضي، التي جربت قبل مؤتمر القمة، ورفض صدام استقبالها، فكانت مدخلا للحصول على موافقة أغلبية الدول العربية للاستعانة بالقوات الدولية. هذا سيناريو مكرر محتمل، حيث تستطيع الجامعة العربية أن تدعي لاحقا أنها بذلت كل ما بوسعها لحل الأزمة السورية ولم يعد هناك بد من اللجوء إلى العون الدولي لوقف حمام الدم.
ما الذي يفكر فيه النظام وهو يرى الآن أن الصيف انقضى ولم تتوقف الانتفاضة كما كان يتمنى، ودخل فصل الخريف بالمزيد من المظاهرات والمواقف الدولية المعادية له؟ هذه مسألة تستحق النقاش لاحقا أيضا، مع أن التفكير مثل النظام السوري يحتاج إلى بصارة لا إلى محلل سياسي.
الشرق الأوسط