صفحات العالم

“السياسة القذرة” في سوريا


نوراي مرت

منذ البداية، اعتبرتُ أن السيناريو الأسوأ الذي يمكن أن يحدث في ما يتعلّق بالرد التركي على سيطرة الأكراد على أجزاء في شمال سوريا هو أن تفكّر الحكومة التركية في “تأليب العرب على الأكراد”. وقد جاءت المقابلة التي أجرتها صحيفة “حرييت دايلي نيوز” (28-29 تموز) مع المحلّل في شؤون السياسة الخارجية، نوح يلماز، المعروف بقربه من الدوائر الحكومية، لتؤكّد مخاوفي. فقد قال “إذا أصبح حزب العمال الكردستاني ناشطاً جداً وبدأ يلحق الأذى بالمصالح التركية، يمكن أن تبدأ مجموعات [سورية] مقرَّبة من تركيا بالتعبئة أيضاً. فقد صرّح الجيش السوري الحر أن بإمكانه حتى محاربة حزب العمال الكردستاني”.

قد تكون رواية شخصية للأحداث، لكنها تبدو منسجمة تماماً مع المزاج الحالي للحكومة. يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فالحكومة الراهنة تتعامل مع المستجدّات الأخيرة في شمال سوريا بالطريقة نفسها التي تعاملت بها الحكومات التركية السابقة مع “الأحداث في شمال العراق” عندما بدأ الأكراد يسعون إلى الحصول على حكم ذاتي سياسي. لطالما كانت السياسة الرسمية التركية تقوم على رفض التعاطي مع الفاعلين الأكراد ومحاولة إضعافهم بكل الوسائل الممكنة. والآن قد تظنّ تركيا أن لديها مصلحة في دعم قوّة سورية معارِضة يمكن تأليبها ضد الأكراد. في الواقع، هذا “التدخّل” في الشؤون السورية هو “سياسة قذرة” ينبغي على تركيا أن تنأى بنفسها عنها. كما أنها لعبة خطرة جداً من جوانب عدّة.

أولاً، يعني التدخّل المشاركة في القتال المذهبي في سوريا. ومثل هذه الخطوة لا تشكّل فقط إنكاراً لمبدأ قيام “سوريا ديموقراطية بعد الأسد”، بل من شأنها أن تثير قلق كل الأفرقاء المحليين والخارجيين المعنيين بالسياسة السورية. حتى الآن لم تدرك تركيا أن البلدان الأخرى، لا تعتبر منح الأكراد نوعاً من الحكم الذاتي “خطاً أحمر”. في الواقع، “حزب العمال الكردستاني” هو الذي يثير أكثر قلق العديد من الأفرقاء المعنيين، بما في ذلك الغرب وحكومة إقليم كردستان في شمال العراق. لكن الاعتقاد بأن كل البلدان والأفرقاء سيرفضون التفاوض مع “حزب العمال الكردستاني” إلى أجل غير مسمّى، وتوقُّع أن يكون البرزاني “دمية في يد تركيا” هو خطأ فادح آخر. لقد فوجئت تركيا باتفاق أربيل لأنها توقّعت أن يرسم البرزاني سياسته بحسب مطالب الحكومة التركية وأمنياتها. إلا أنه من المفهوم تماماً أن يحاول اللاعبون الأكراد إرساء نوع من الوحدة، لأسباب مثالية وواقعية على السواء.

تركيا في موقف صعب جداً نظراً إلى أن ما يُسمّى “مصالحها القومية” في المسألة الكردية يلتقي مع المصالح الإيرانية أكثر منه مع أي مصالح أخرى. لكن إيران هي العدو اللدود لجميع أصدقاء تركيا. في الواقع، قد تكون الفرصة سانحة أمام تركيا لانتهاج سياسة سلمية وديموقراطية في موضوع الأكراد من أجل تجاوز صعوبات “السياسة الواقعية”. من شأن سياسة الديموقراطية أن تتحوّل، في هذه الظروف، مسألة مبدأ ومسألة براغماتية في الوقت نفسه (مع العلم بأنه نادر ما يلتقي الاثنان معاً).

لقد انكفأت حكومة “حزب العدالة والتنمية”، للأسف، إلى سياسة الاستاتيكو وانتهى بها الأمر بانتهاج سياسات القومية التركية وخطاباتها. وقد تبيّن أنه نوع من “القومية الجديدة” التي يجري تبنّيها بحماسة متزايدة وكثير من الأوهام – إنه حلم ما بعد عثماني في الداخل والخارج. لقد عانت الديموقراطية التركية كثيراً في ظل السياسة القومية، وقد تعاني بصورة أكثر دراماتيكية في ظل قومية جديدة ترتدي قناع “العثمانوية”، الأمر الذي من شأنه أن يقود إلى “حرب في الداخل والخارج”!

صحافية تركية  – “حرييت” ترجمة نسرين ناضر

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى