هل سوريا مهددة بخطر الاستنقاع؟
فايز سارة
تبدو صورة سوريا اليوم، وكأنها قد اصبحت ميدانا للقتل والتدمير ليس الا. فالخبر الرئيس وربما اغلب الاخبار الفرعية السورية، تتعلق بعدد الذين سقطوا في هذه المنطقة او تلك على يد قوات الامن والجيش والشبيحة، او ممن قتلوا بواسطة الهجمات المدفعية والصاروخية، التي تنطلق من معسكرات الجيش على المدن والقرى، او بواسطة الصواريخ والقنابل الكيماوية، التي تطلقها طائرات النظام ضد التجمعات المدنية واحياناً على التشكيلات العسكرية المناهضة للنظام، كما ان بين الاخبار الرئيسة، اخبار تتكرر عن اكتشاف مجازر ومقابر جماعية لضحايا في ظروف غامضة غالباً ما كانت قوات الامن والجيش والشبيحة خلفها، وعن عمليات قتل تحت التعذيب للمعتقلين في مقار الاجهزة الامنية وداخل الثكنات العسكرية لجيش النظام وفي بعض المشافي!.
ورغم ان الاساس فيما يحصل في سوريا من قتل ودمار، يقع في مجريات الحل الامني العسكري الدموي الذي تبناه النظام في مواجهة ثورة السوريين، فان بعض القتل والدمار، يقع في نتائج سياسة النظام وممارساته. حيث لجأ سوريون للدفاع عن انفسهم في مواجهة القتل، كما هو حال الجيش السوري الحر الذي يتوزع منتسبوه مابين منشقين عن اجهزة النظام وجيشه او من المتطوعين الذين عانوا من سياسات النظام، وثمة مسار اخر في القتل والدمار الحاصل في سوريا، ترتكبه بعض الجماعات المتطرفة، ومثلها عصابات قتل واجرام، تشكلت على هوامش الفوضى التي اشاعها النظام، وهي تجد لها سنداً فيه ودعماً من اجهزته.
والصورة العامة، ان سوريا اصبحت مسرحاً كبيراً لعمليات قتل ودمار متواصلة ومتصاعدة، بل هي مرشحة لانتشار اكبر وزيادة في عدد الضحايا، واتخاذها اشكالاً اكثر دموية وبشاعة، خاصة في ظل مجموعة من العوامل ابرزها:
العامل الاول، ويمثله غياب أي أفق سياسي، يعالج الوضع السوري ويخرجه من دوار القتل والدمار، و الامر في هذا قائم في المستويات المحلية والاقليمية والدولية، حيث ان كل الاطراف ليس لديها برنامج او خطة طريق سياسية تؤدي الى حل. وحتى في الحالات التي يجري فيها كلام عن مشروع حل على نحو مايقال في موضوع جنيف وجنيف 2 وغيرهما، فالامر لا يتعدى الكلام، بل ذلك المسار مشكوك فيه، ولايملك المشرفون عليه بفعل معطيات الفترة الماضية اي مصداقية للذهاب الى المشروع بجدية، بل ان الارادة السياسية لا تتوفر لدى الدول القائمة على الفكرة ومنها روسيا والولايات المتحدة.
والعامل الثاني، يبدو فيما كرسته نتائج الصراع المسلح على الارض. ففي الواقع السوري ومع بداية تسلح وعسكرة الثورة، تبلور في الواقع خطان، خط يمثله الوجود الامني- العسكري للنظام بما فيه من اجهزة ومؤسسات في طرف، والجيش السوري الحر في طرف آخر، وكان عجز الثورة عن توحيد القوى والتشكيلات العسكرية في اطار الجيش السوري الحر بين عوامل ادت الى تغييرات جوهرية في انقسام خريطة الصراع في سوريا الى خطين. وإنْ حافظ خط النظام على وحدته، فان الخط الثاني شهد تطورات سلبية، كان الأبرز فيها ليس الفشل في توحيد قوى الجيش الحر وجعله في اطار مؤسسة وطنية سورية، بل خلق كيانات عسكرية وشبه عسكرية مختلفة الاهداف والبرامج، بل متناقضة في كثير من الاحيان، ومنها تشكيل جماعات متطرفة، ترفع شعارات “الدولة الاسلامية” و”دولة الخلافة”، وهي لم تكن أبداً في إطار الشعارات التي رفعتها الثورة، ولا كان اصحابها منضوين في صفوف الثورة ولا في فعالياتها، انما تطور الامر سلباً مع بروز صراعات بين القوى المناهضة للنظام، وداخل تلك القوى على مكاسب وتفاصيل لا قيمة جدية لها.
والعامل الثالث في هذا السياق يظهر في التدهور العام الذي تشهده البلاد، ولا سيما في تزايد ظاهرة التجاذبات ما قبل الوطنية ومنها القومية والدينية والطائفية والمناطقية، وهي التي يمكن ان تعزز ظهور انقسامات حادة في الجماعة الوطنية، كما يظهر تردي الاحوال الاقتصادية والاجتماعية في سياق هذا العامل، خاصة في ضوء الفقر المريع الذي أصاب معظم السوريين، ان لم نقل كلهم نتيجة قتل وإعطاب معيليهم وتدمير ممتلكاتهم ومورد عيشهم، واستنفاذ مدخراتهم ومصادر دعمهم العائلي والاجتماعي.
والعامل الرابع، تمثله التدخلات الخارجية المتزايدة في سوريا وازمتها، وهي تدخلات بدأت مع مساعي النظام تعزيز شبكة تحالفاته من جهة، والعمل لكسب مؤيدين له في المجالين الاقليمي والدولي من جهة اخرى، ثم امتدت الظاهرة المرضية الى صفوف المعارضة، التي سارت في الركاب ذاته، ولو انها عجزت عن تأمين سند لها يوازي ما يجده النظام من دعم حلفائه ومؤيديه على قلتهم، وقد ادت التدخلات الخارجية وتزايدها الى إشاعة مزيد من الفوضى وبينها فوضى المصالح والادوات، ولكل منها تعبيرات هيكلية يتم دعمها بالمال والسلاح، وهذا ما تتشارك فيه في الداخل السوري دول وهيئات ومنظمات وعصابات وجمعيات ذات طابع “ديني” او”انساني”، وفي هذا السياق يمكن ادراج التدخلات الروسية والايرانية، وتدخل حزب الله ومنظمات بينها القاعدة وجمعيات سلفية، وهي ليست المثال الوحيد لكنها الاكثر تأثيراً في واقع القتل والدمار السوري بفعل تدخلها المباشر باشكاله المتعددة ولاسيما بشكله المسلح عبر القوات والاسلحة والذخائر.
ان العوامل الأربعة وعوامل أخرى، مالم يحدث فيها تغييرات جوهرية في جانبين أولها جهود سورية جدية تبذلها قوى المعارضة والحراك المدني لتغيير معادلات القوة في الداخل، وجهود تبذلها قوى خارجية من مصلحتها نهاية الصراع في سوريا، فان الواقع سوف يكرس البلاد مسرحا لقتل ودمار يتواصل ليس بفعل دوافع داخلية فحسب، وانما ايضاً بسبب منازعات وصراعات اقليمية ودولية، تحول سوريا الى مستنقع، يسعى كل طرف منها الى إغراق آخرين في رواسبه الآسنة.
المستقبل