صفحات الثقافة

خمر الخميني.. والكلمة الممنوعة/ محمد حجيري

 

 

محاربة النبيذ بحجة الغزو الثقافي

كثيراً ما تصلنا أخبار مثيرة للسخرية تصل من ايران، بلد عمر الخيام وحافظ الشيرازي، وتدل على ضيق أفق نظام الملالي وتدخلهم في أبسط الأمور الحياتية والمعيشية والثقافية. فخلال الأيام الماضية انشغلت وسائل الاعلام والفايسبوك بخبر يفيد بأن وزارة الثقافة الإيرانية فرضت قواعد جديدة ورقابة على استخدام بعض الأسماء والكلمات، في خطوة جديدة للسلطات التي دأبت على فرض قيود “المحرمات” على مواطنيها.

وفرضت وزارة الثقافة الرقابة على استخدام الأسماء الأجنبية للحيوانات، وأسماء كبار الشخصيات في أي كتب تنشر في البلاد، لحماية الإيرانيين مما أسمته “الغزو الثقافي الغربي” (وسبق لجهة سعودية أن منعت الكثير من الأسماء العلم التي اعتبرتها غريبة عن التقاليد والعادات، ومنها اسم ناصر!). وأوردت وزارة الثقافة الإيرانية، في بيان صدر الجمعة 22 كانون الثاني، إنها قررت منع استخدام كلمة “النبيذ”(*)، لتضاف هذه التعليمات إلى قائمة طويلة للممنوعات في الجمهورية الإسلامية.

لا نريد الدخول في تفاصيل عن الممنوعات الإيرانية الأخرى، مثل “سحر” هاري بوتر، وتسريحات الشعر الغربية، وربطات العنق، والقمصان بلا أكمام، والموسيقى واقتناء الكلاب على الرصيف، وكلها تمنع تحت مسمى “الغزو الثقافي الغربي”. سنركز على كلمة نبيذ من باب التذكير بأن هناك آلاف الكتب التراثية والأدبية والشعرية والروايات التي تتضمن هذه الكلمة، وهي ستكون عرضة للرقابة والمنع في نظام الملالي، بل ربما يلجأ بعض موزعي الكتب او المترجمين الى استعمال كلمة عصير العنب بدلاً من النبيذ، كما تفعل قناة “فتافيت” التلفزيونية المتخصصة في الطهي.

والفوبيا الإيرانية من كلمة نبيذ تذكرنا برقابة إحدى الصحف العربية. فذات مرة، أصدر الشاعر اللبناني شبيب الأمين كراساً شعرياً بعنوان “أعتقد أنني سكران”(دار الجديد)، وحين كتب أحد الصحافيين مقالة عن الكراس ونشر صورة غلاف الكتاب، لوحظ حذف كلمة “سكران” باعتبارها محرّمة (استطراداً: خافوا من كلمة سكران كما خاف ستالين من صورة تروتسكي مع لينين فحذفها)، ليصير العنوان “أعتقد أنني…”. هذه هي بلاهة الرقابة التي تريد منع الكثير من الأمور من صلب الحياة، وهي استعارات حياتية.

رئيس هيئة نشر الكتب في وزارة الثقافة الايرانية، محمد سيلجي، قال إنه “عندما يتم تسجيل الكتب الجديدة، نقوم بمطالعتها صفحة بصفحة للتأكد إذا ما كانت تحتاج إلى تغييرات تحريرية حتى تتناسب مع مبادئ الثورة الإسلامية، لمواجهة الهجوم الثقافي الغربي ولعدم إهانة الأنبياء”، بحسب صحيفة “تلغراف” البريطانية.

ربما لم تنتبه الرقابة الإيرانية إلى أن كلمات نبيذ وخمر وكأس موجودة في أشهر الشعر الفارسي، من عمر الخيام إلى حافظ الشيرازي وجلال الدين الرومي وغيرهم، وأبعد من ذلك هي موجود حتى في شعر الإمام الخميني! ماذا ستفعل الرقابة أمام سيد الثورة الإسلامية… فبعد وفاة الخميني، نشر نجله أحمد بعضاً من قصائده في العرفان الالهي، وقد سار الخميني على نهج من سبقه من كبار رموز مدرسة العرفان في ايران، واستخدم المصطلحات نفسها التي استخدمها حافظ الشيرازي مثل “الخمر”، والتي لها سياقها، إذ لا يفصل الخميني بين إيمانه وعشقه. ففي قصيدة “حسن الختام”، يبدأ الشاعر منادياً: “ألا أيها الساقي املأن بالخمر كأسي- فإنه يخلصن من الخير والشر روحي. املأن كأسي بالخمر التي تفني روحي- وأخرج وجود الخداع والخيال من وجودي”.

وتغزل الخميني بالمعشوق وبالخمر في قصيدة له:

أقبل رمضان، هوى الخمر وتداعى المشرب

أُجـِلَ العشق والطرب والخمر لأوان السحر

….

أفطرني الدرويش نبيذاً

قلتُ قد أورقَ صيامك وأثمر

بالشراب توضأ‍

ففي مذهب العابثين وفي حضرة الحق

سينال عملك الحسنى

والله

إن لم أكن مريدك ماذا سأفعل؟

إن لم أكن متيماً بوجهك، ماذا سأفعل؟

الكون – ياروح- رهين خصلة من شعرك

إن لم أكن منعقدا بخصلات شعرك، ماذا سأفعل؟

سيقول أصحاب الدراسات وعشاق الخميني إن استعمال كلمة خمر في قصائده، يأتي في سياق العرفان الصوفي والعشق الصوفي، ومهما كانت التفسيرات والتأويلات، فهي لا تغيّر من واقعة أن “إمام الثورة” استعمل كلمة تمنعها سلطة الملالي الآن، فيما تسعى إلى تشويه مئات الكتب التراثية والمعاصرة، بحجة مقاومة الغزو الثقافي، وسبق للرقابة ان شوهت أعمال الشاعرة فروغ فرخزاد…

تمنع كلمة نبيذ في الأدب، وسبقها أن حُكم على شعراء بالسجن والجَلد بسبب قصيدة، وحتى الإعدام.

أمر مضحك أن تحتفل إيران بانتصارها “النووي”، وتخاف من كلمة نبيذ. وأمر مضحك أن تستبدل كلمة “الشيطان الأكبر” في وصف أميركا بكلمة “الصنم الأكبر”، كأنها بذلك تختار وصفاً لنفسها…

تعتبر الكحوليات أبرز الكلمات الممنوعة وذلك منذ الثورة الخمينية العام 1979، رغم أن بلاد فارس القديمة كانت منتجة ومصدّرة للنبيذ. ومع ذلك لم ينخفض استهلاك الكحوليات في إيران، بل يتم تهريبها عن طريق الحدود العراقية في شاحنات النفط، بحسب نائب برلماني.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى