صفحات العالم

… «وحصة الأسد» لمن تكون؟


عادل مالك *

«إن الواقعية السياسية تقتضي من جانب كل المعنيين في شأن ما يجري في سورية وبقطع النظر عن الانقسامات الحادة القائمة في أحد أكثر فصول «لعبة الأمم» إثارة يجري أمام كل الأسماع والأبصار، هذه الواقعية تدعو إلى التبصر بما هو آت من تطورات لأن بورصة الحلول لا تحمل الكثير من المخارج التي يمكن أن تبقى على من في سورية، فاللائحة محدودة ويمكن قراءَتها كالآتي:

إما أن تستمر المواجهات بشتى أنواع الأسلحة المادية منها والإعلامية، وهذا يعني دخول الأزمة في حرب استنئزاف طويلة يمكن أن تستهلك كل الطاقات على الساحات السورية وتنتهي باستسلام فريق تجاه الآخر أو تتحول المواجهات القائمة إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر ولكن بعد خراب سورية («الحياة» 25 شباط/ فبراير 2012).

كان هذا التطور قبل أسبوعين فهل من جديد طرأ على الموقف يغير هذه المعطيات؟ وفي معرض الحرص على استخدام التـــعابير التي تعكس فعلاً الواقع القـــائم بدقـــة وأمانة نقول إننا عندما نتحدث عـــن احتمالات جنوح الأحداث إلى حرب أهلية أو إلى حرب استنزاف أو إلى التقسيم فنحن لا نسوّق لهذه الأفكار على الإطلاق بمقدار ما نحاول رسم المشهدية والتي هي في طور التكوين.

لقد حّدد يوم 10 نيسان (أبريل) 2012 على أنه موعد حاسم بين الحرب والسلام. ولكن أي حرب؟ وأي سلام؟ وأي حاكم؟ وأي معارضة؟

هناك وقائع تاريخية تصفع من يحاول قراءَة أحداث المنطقة، عندما نلاحظ أن منعطف الأمور في العادة ينقل الناس من المخيمات إلى مساكن عادية… إلا في العالم العربي حيث يتم الانتقال من البيوت والمساكن العادية إلى المخيمات، وإلى بناء المزيد منها يوماً بعد يوم لمواجهة تدفق النازحين الهاربين من جحيم المعارك.

ولأن فصول التاريخ العربي تكرر نفسها باستمرار يكفي أن نستعرض بعض أزمات المنطقة من عامي 1948 أو 1949 وما تبعهما حتى اليوم وربما غداً وبعد غد. والشواهد كثيرة وظاهرة للعيان سواء على الحدود السورية – التركية أو على الحدود السورية – الأردنية أو الــسورية – اللبنانية.

إن الموعد المرتقب – حتى كتابة هذه السطور – هو يوم العاشر من نيسان الحالي بموجب الاتفاق الذي أعلن عن التوصل إليه بين الوســـيط العربي – الدولى (وهذا منصب جديد). وسيبقى موعداً أكاديمياً ونظرياً إذا لم يكـــتب للوضع في سورية بداية جديدة لمسار الأحداث البالغة الخــطورة. عـــلى أن السؤال الكبير المطروح في هذه الآونة هو الآتي:

هل إن ما حدث في سورية منذ ثلاثة عشر شهراً تقرر له أن ينتهى بوقف لإطلاق النار، ونزع سلاح – كل حملة السلاح – وتشكيل حكومة مختلطة من عناصر الحكومة، إضافة إلى عناصر من المعارضة السورية أو من «المعارضات»؟

يقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي يقوم بدور رئيس في الأزمة القائمة: «لن يكون بإمكان الثوار القضاء على قوات الجيش النظامي في سورية» حتى لو تم تسليح المعارضة السورية بأحدث أنواع السلاح. وهذا الكلام رداً على الدعوات التي صدرت من جهات إقليمية ودولية مختـــلفة إلى تـــزويد السلاح للثوار بشتى أنــواع الأسلــحة للدفــاع عن أنفسهم.

لقد تعودنا في سياق استعراض الخسائر والأربــــاح في المعارك الدائرة أن نسأل: إلــى من ستـــــكون حصة الأسد؟ وهذه المــرة الاسم على المسمى ويا للمفارقة؟

هناك قوى تدعم النظام ولا تريد له أن يسقط على الفور. لذا، يتوقع أنصار هذا الرأي أن تأخذ ترتيبات وقف إطلاق النار بعض الوقت وعلــيه يطرح الأمر: كيف سيتم ضمان تهيئة الأجواء لحل عملي يمكن أن يبدأ بوقف إطلاق النار، ويتم بعدها الانتقال إلى الحلول السياسية و «تكريس التعددية».

كما ورد في رسالة مجلس الأمن الدولي الأخيرة.

وهنا السؤال المحوري والكبير: هل إن أحداث سورية قد اندلعت لتتوقف عند هذا الحد؟

في الأمر الكثير من الغرابة في المنطق السياسي للأمور ولمسار تطورات الأحداث في المنطقة. وكالعادة إذا لم يتم نشر قوات للفصل بين الجانبين… كيف يمكن التأكد من سريان وقف إطلاق النار؟ والقرار الدولي يطالب النظام بسحب قواته فوراً، وبعد 48 ساعة يتم تطبيق القرار على الثوار. فهل من ثقة باقية بين النظام ومحاربيه؟

وفي سياق الكشف عن الأضرار التي لم يكن بالإمكان إجراء عملية مسح لها تتواصل المواجهات العنيفة وتتحدث وكالات الأنباء العالمية ومنها رويترز عن وجود عملية فرز طائفي من شارع إلى شارع بخاصة في مدينة حمص والمناطق التابعة لها، وهذه المؤشرات غير المريحة التي ترافق مثل الذي يجري في سورية، وقد شهدناه في لبنان في بداية حروب 1975 ومثل هذه الظواهر تبعث على الخطورة من حيث تصور «سورية الجديدة الموحدة» كما ينادي بعض الأطراف بذلك؟

يتحدث ديبلوماسيون غربيون وشرقيون عن أن الخطوة الأولى تركز على وقف إطلاق النار يعقبها مرحلة تشكيل حكومة مختلطة من الحكم والمعارضة، ثم يجري الحوار حول عمليات الإصلاح والتى بدأت الحرب بسببها منذ بداية الأحداث. لكن الآن وبعد تطور الأحداث في الشكل الذي تطورت فيه يتم التساؤل: أين المطالب الأولى التي رفعت والتي ركزت على الإصلاحات السياسية وعلى الحريات، وبين ما جرى خلال الشهور المنصرمة، وما سيتم في شأن الآتي من الأيام؟

إذاً… ما هو مخطط ومطلوب أكثر مما حدث حتى الآن؟

إن التركيز الآن يجري على وقف إطلاق للنار والمواجهات العسكرية بين الطرفين، وإذا ما استمر مبدأ «التعايش» بين النظام ومقاتليه قائماً كما يصر المعارضون لعملية تقسيم سورية، يتم الانتقال إلى المرحلة الآتية.

في كل حال: إن وضع المنطقة بكاملها لن يكون بعد العاشر من نيسان كما كان قبل ذلك! وإن سورية جديدة هي في طور التكوين. وعندما نتحدث عما يجري في سورية يجب ألا يغرب عن البال التطورات التي ستشهدها المنطقة بكاملها في ضوء وقف أحداث سورية عند حد معين. وقد بدأت هذه التداعيات بالظهور «العراقي – الإيراني» والمتمثل بوضوح برئيس الوزراء نوري المالكي الذي أدلى بتصريحات كانت مخالفة لكل الخطباء والمشاركين في مؤتمر اسطنبول، حيث تساءَل المالكي: لماذا يجب أن يتغير النظام في سورية؟

وفي سياق آخر يعكس عملية خلط الأوراق الجارية في المنطقة هناك مؤشرات واضحة إلى المزيد من المتغيرات وهذا يتجلى في إعلان إيران نقل مفاوضاتها مع الدول الكبرى حول الملف النووى الإيراني من أنقرة إلى بغداد، وإعلان بغداد موافقتها على ذلك. وفي هذا مؤشر للمتغيرات التي تنتظر المنطقة في الأيام والشهور وحتى السنوات الآتية. ومن يستطع أن يبقى حياً فسيروي هذه التطورات.

يقول وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو، أحد نجوم المرحلة القائمة: «لقد خيّرنا بشار الأسد أن يكون ميخائيل غورباتشوف فاختار أن يكون سلوبدان ميلوسوفيتش».

في كل حسابات الربح والخسارة يعطى تعبير حصة الأسد لمقياس الفريق الفائز أو المنتصر. والآن التسمية على مسمى.

اليوم هو اليوم السابع من المهلة المعطاة للنظام السوري ولمقاتليه والمفترض أن تنتهي بعد ثلاثة أيام.

وفي ضوء ما سيجري خلال الأيام المقبلة سيتضح الرد على السؤال المحوري الكبير:

في أي اتجاه تسير الأحداث في سورية. هل فعلاً ستتوقف لعبة إلقاء السلاح والبدء بـ «العملية السلمية»؟

إن الأمر لم يعد يتحمل مثل هذه السذاجة، وإن خروجاً عن «السيناريو» حدث فعلاً!

* إعلامي لبناني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى