يجب تسليح المتمرّدين السوريين .. إنه رهان خطير لكنه ضروري
مع إنزلاق الصراع في سوريا نحو المزيد من التعقد والغموض، أصبح من واجبنا إعادة تقييم الخيارات المتوفّرة. في غياب حل سياسي وإحتمال تدخل عسكري مباشر خطير وغير مضمون النتائج، لم يبق غير طريقة واحدة لإنهاء الصراع، وهي تتلخص بتسليح المتمردين السوريين. الذين يفضلون أن لا يفعلوا شيئاً، والاكتفاء باستنكار وقوع الف ضحية كل اسبوع، هؤلاء لديهم عدة اعتراضات:
1 ـ ألم يسبق وأن تلقى المتمردون سلاحا؟ ان استخدام المتمردين المتقطع للسلاح المضاد للطيران غذى مخيلة “التآمريين”، الذين يجدون في هذا السلاح أيادي “الغرب”. اما الواقع، فهو ان هذه الصواريخ من صناعة روسية، غنمها المتمردون من القواعد العسكرية النظامية. هذه الصواريخ لا تأتي لا من الدول الغربية ولا من ممالك الخليج ولا حتى من ليبيا.
2 ـ إن تسليح المتمردين فسوف يتسبّب بوقوع المزيد من الضحايا. انه الاعتراض الأخلاقي الأساسي، وهو يعتمد على منطق حسابي يقول بأن السلاح يقتل غالبا المدنيين. وبالتالي فان إرسال السلاح سوف يضاعف من عدد الضحايا. ومشكلة هذا الحساب انه يفترض بأن الامتناع عن إرسال السلاح سوف يقلّل عدد الضحايا. وهو أمر ليس صحيحاً إلا في أوقات السلام.
أما خلال الحرب، فقد يؤدي عدم إرسال سلاح الى احد الاطراف المتنازعة الى مزيد من الضحايا. وهذه مفارقة. تلك هي تماماً الحالة السورية، حيث يسود الاعتقاد بأن إرسال سلاح الى المتمردين سوف يقلب ميزان القوى وينهي الصراع.
لكن النظام يستطيع ان يقاوم طويلا، على الرغم من إنشقاقات العسكريين. فهو يتلقى غذاءه من الروس والايرانيين و”حزب الله”. ما يعني ان احتضاره سيكون طويلا… بما ان نهايته مؤكدة. فهو يعلم بأنه ذهب بعيدا جدا في جرائمه، ولم يعُد له شيئا يخسره. بوسعنا إذن توقّع المزيد من القتال والمزيد من الشراسة.
إن عدم إرسال السلاح الى المتمردين سوف يتسبّب بصورة غير مباشرة بوقوع المزيد من الضحايا. ليس فقط لأنه سوف يطيل النزاع، إنما ايضا لأنه سوف يزيد حظوظ التدخل العسكري المباشر. بالتأكيد، كلما طال النزاع، كلما زادت إحتمالات لجوء الأسد للسلاح الكيماوي كحل أخير، ما سوف يطلق ردود فعل عالمية أكثر تدميريةً.
3 ـ إرسال سلاح “ثقيل”، هل يشكل خطرا على المدنيين؟ كلا، لأن هذا السلاح أدق من السلاح “الخفيف”، وأقل عشوائية. إن إرسال شاحنات محمّلة بالكلاشنكوف سوف يتسبب بموت اطفال أكثر مما لو أرسلت صواريخ مضادة للدروع وللطيران، والتي لا تستهدف غير العسكريين.
عادة لا يوجد مدنيين داخل الدبابات أو الطائرات المقاتلة. ما يمكن التخوف منه بالمقابل هو وصول هذه الصورايخ، الى أيادي مجموعات إرهابية تستخدمها ضد المدنيين.
4 ـ ألا يعني ذلك بأن تسليح المتمردين يعني تسليح الارهابيين؟ سؤال تطرحه التجربة الافغانية، عندما أرسلت المخابرات الاميركية ستمئة صاروخ “ستنغر” للمجاهدين، وضاعت تماماً… ان السلاح المضاد للطيران هو السلاح المفضّل لدى الارهابيين. والخطر الرئيسي، في حال إرسال السلاح هو وقوعه في أيادي إرهابية، وإمكانية أن يستخدموه ضد الطيران المدني، كما حصل في ممباسا في كينيا عام 2002 على يد تنظيم “القاعدة”.
هذا خطر حقيقي، ولكن يبالغ به رافضو إرسال السلاح، حيث يساوون بين المتمردين وبين تنظيم “القاعدة”… وهي مساواة توائم تماما لعبة النظام الاعلامية. الاعلام الغربي افتعل ضجيجا حول شريط الفيديو الذي يصور رجالا يعلنون عن انتمائهم الى مجموعات إسلامية ترفض “مؤامرة الائتلاف الوطني” وتدعو الى “إقامة الدولة الاسلامية”. إلا ان التنظيمات المعنية بالفيديو أصدرت بعد ذلك تكذيبا عن الشريط بأسره، وقد اعتبرته مفبركاً.
والواقع انه صار ممكناً تسليح الائتلاف الوطني السوري بشرط ضمان سيطرته على هذا السلاح وتأطير أجهزته (…).
إن تسليح المتمردين السوريين ليس من الاعمال المثالية. غرضه درء الضرر. “ليس الصرع أبدا بين الخير والشر، إنما بين المفضّل والمكروه”، كان يقول آرون. المكروه هنا هو أن لا نفعل شيئا، أو أن نزعم الإيمان بالحل السياسي. ذلك انه كلما طالت الحرب، كلما تجذر المعارضون وصارت مرحلة ما بعد الأسد أكثر صعوبة. والمفضل في هذه الحال، حيث الخيارات محدودة، هو تسليح المتمردين، دعمهم بقواتنا الخاصة وخوض الحرب بالوكالة.
[جان باتيست فيلمير ـ صحيفة “لوموند” الفرنسية (8 كانون الثاني 2012)