يسقط النظام وتسقط المعارضة
منذ اندلاع الثورة السورية برزت ظاهرة جديدة لم تكن موجودة من قبل وهي المعارضة الشعبية. الفرق بينها وبين المعارضة السياسية التقليدية هو أن المعارضة التقليدية – والتي ولطول اقصائها ومحاربتها من قبل نظام شمولي مستبد – أصبحت مصابة بذات الأمراض التي بعاني منها النظام وهي إلى حد بعيد تشبهه في تفكيرها الإقصائي وتعطي نفسها الحق تماماً كالنظام في توزيع شهادات الوطنية. في حين أن المعارضة الشعبية ورغم حداثة عهدها إلا أنها كانت أكثر نضجاً وتطوراً وأسبق في الدعوة إلى بناء دولة ديمقراطية.
حين نزل الناس إلى الشارع في درعا ثم في باقي المدن السورية لم يكن يرفع شعار إسقاط النظام بدايةً, وإنما خرج يطلب ممارسة حقوقه المدنية والمنصوص عليها في دستور حافظ الأسد لعام 1973. وعلى الرغم من كل عيوب هذا الدستور ” المعطل أصلاً”, إلا أنه نص صراحةً على حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي في عددٍ من مواده. انبثق عن هذا الحراك الشعبي السلمي مجموعة من التنسيقيات الشبابية والتي بالإضافة إلى عملها الميداني وضعت مجموعةً من المبادئ فوق الدستورية والتي يجمع عليها معظم السوريون من ذوي الإرادة الحرة. فهي نادت بالحقوق المدينة لكل المواطنين على أساس التساوي والعدالة, كما قدمت مشروعاً وطنياً للتحول الديمقراطي. هذه الحراك الشعبي الذي اصطلح على تسميته بالتنسيقيات إنما هو حركة معارضة شعبية شبابية ذات قدرة عالية على تنظيم ذاتها و إبداع وسائل التحول الديمقراطي. كان واضحاً أن هذه المعارضة الشعبية لم تكن معارضةٍ انتقامية تريد إسقاط النظام وحسب وإنما هي رفعت شعار اسقاط النظام فقط عندما أصبح هذا الأخير عائقاً يحول دون إنجاز هذا التحول الديمقراطي. بمعنى آخر فإن ما أردناه كشعب كان “العنب” وليس “قتل الناطور”. ومع تساعد العنف من قبل نظامٍ دمويٍّ كنظامنا, كان لابد لنا من السعي وراء تكوين جسم سياسي يمثلنا في المحافل الدولية ويشكل بديلاً منطفياً يطنئن الداخل والخارج على قدرته لسد الفراع الناجم عن سقوط نظام الأسد. هنا كان لابد للمعارضة الشعبية حديثة العهد والباع في العمل السياسي أن تلجأ إلى هياكل المعارضة التقليدية تطالبها بلعب دورها وتحمل مسؤوليتها تجاه شعبها. إلا أن هذه المعارضة السياسية التقليدية لم تستطع أن تتعالى غلى حقدها تجاه نظامٍ شردها وشتتها في أصقاع الأرض. لم تقدم هذه المعارضة التقليدية للشعب السوري المشروع الديمقراطي الذي يصبو إليه فهي إلى اليوم ليس لديها هم إلا “قتل الناطور” ولا يعتيها سواء أكل الشعب العنب أم الحصرم.
بات خوفي يتزايد في الأسابيع الأخيرة من أن أعظم ثورةٍ في تاريخ الشعوب قد سرقت من قبل معارضة شوفينية لا مشروع لها سوا إسقاط نظام الأسد ولا وسيلة لديها لذلك إلا لاستدعاء الأجنبي. كما أني ألحظ أن غالبية من أعرف ” وهم من الشباب الثائر” مزعوجون من الطروحات التي يرفها بعض أعضاء المجلس ومن تسميات بعض الجمع و خاصةً الحظر الجوي. ويرادوني حدس لا سبيل لدي لإثباته اليوم أن غالبية الشعب ضد أي تدخل عسكري خارجي لإسقاط الدكتاتور إلا أن راديكالية بعض المتعصبين سياسياً ” وليس دينياً” والتي تكيل الاتهامات بالتخوين لمن يخالفها الرأي تطفو على سطح المسرح السوري.
فإن كان أكثرنا يريد إسقاط النظام من أجل بناء دولةٍ ديمقراطيةٍ مدنية ومن دون أي تدخل عسكري خارجي, لماذا لا نرفع شعار إسقاط النظام والمعارضة “المنبثقة عنه بطبيعة الحال” في آن. لماذا لا نعطي كل ذي حق حقه. أليس من قدم الدم أولى في أن يمثل شعبنا سياسياً في المحافل الدولية. وإذا كانت المعارضة الشعبية أكثر وعياً و أمضى تأثيراً من المعارضة السياسية التقليدية, أليس من الأجدر أن تقوم هي بتكوين المجلس ” أو بتكوين حكومة ظل تقوم بصياغة مشرزع ديمقراطي وتعكف على وضع خطةٍ لإسقاط النظام داخلياً. على أن تكون هذه الحكومة حكومة خبرات وطنية تستعين بكوادر سورية المثقفة من أمثال المفكر برهان غليون وسمير العيطة ورضوان زياة وهيثم المالح وغيرهم.
الآن وأكثر من أي وقتٍ مضى نحتاج للوقوف في وجه معارضين من أمثال وحيد صقر وزهير سالم وأي معارض يطالب بالتدخل الخارجي. فإذا كان النظام يريد أن يسلمنا سورية أرضاً محروقةً بعد سقوطه دعونا لا تساعده على ذلك من خلال الاستعانة بأعداء الشعب السوري التقليديين سواء الناتو أو أميركا. ولكم أخوتي القول الفصل.
http://the-syrian.com/archives/50478