إخراج «النصرة» من حلب لا يكفي هل المطلوب إخراج سائر وكلاء أمريكا؟/ د. عصام نعمان
حلب هي المفصل والمفترق. دمشق، بدعم من موسكو وطهران، تريد إخراج جميع التنظيمات الإرهابية من أحيائها الشرقية وليس «جبهة فتح الشام» («النصرة» سابقاً) فقط.
واشنطن لا تمانع في خروج نحو ألف مسلّح من مجموع 8000 والإبقاء على الآخرين ممن هم، في نظرها، «معارضة سورية معتدلة».
غاية دمشق وحلفائها إحراز نصر وازن على الولايات المتحدة وحلفائها كشرط للعودة إلى طاولة المفاوضات في جنيف. غاية واشنطن وحلفائها منع روسيا وحلفائها من تحقيق نصر ميداني يعزز مركزهم التفاوضي، وإرساء هدنة تتيح لوكلائها المحليين إعادة تجميع قواتهم.
الميدان ليس في مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. الجيش السوري وحلفاؤه يتقدّمون في أحياء حلب الشرقية ويوشكون على تحريرها. «النصرة» ومن يناصرها يتراجعون بعدما باتوا محاصرين وهدفاً لنيران الجيش السوري ومناصريه في البرّ وقذائف الطيران الحربي السوري والروسي من الجوّ.
الزمان ليس في مصلحة الولايات المتحدة ووكلائها المحليين في حلب ومحيطها. ضاق المكان والزمان اللذان يسمحان لهم بهامش للمناورة في موازاة هامش زمني لإدارة باراك اوباما آخذ بالتناقص إزاء تحديين: تقدّم الجيش السوري ومناصريه من جهة واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والنصفية الأمريكية من جهة أخرى.
في غمرة الصراع المحتدم وتبادل التهديدات العسكرية بين أمريكا وروسيا، انبرى المبعوث الأممي ستيفان دو ميستورا إلى تعويم دور الأمم المتحدة في المرحلة الانتقالية الفاصلة بإطلاق عرضٍ يقضي بخروج مقاتلي «جبهة فتح الشام» من شرق مدينة حلب بأسلحتهم إلى ادلب أو «اي مكان يريدونه وسأرافقهم شخصياً وجسدياً إلى حيث يريدون». موسكو سارعت إلى تلقف عرض دو ميستورا والموافقة عليه. دمشق لم ترفضه وإن كان الرئيس بشار الأسد اكّد في مقابلة تلفزيونية مع قناة دنماركية أن قواته ستواصل محاربة «المسلحين في حلب إلى أن يغادروا المدينة، إلاّ اذا وافقوا على الخروج بموجب اتفاق مصالحة».
ما كان دو ميستورا ليطلق مبادرته لولا ضوء أخضر أمريكي. ألم يعترف صراحةً بأن مسلحي «النصرة» يريدون ضمانات لخروجهم و»الامم المتحدة غير قادرة على تقديمها لهم»؟
إذا كانت الأمم المتحدة غير قادرة فالولايات المتحدة قادرة. فهل قررت واشنطن، مبدئياً، الموافقة على إخراج «النصرة» من حلب في سياق خطة يجري تدارسها مع حلفائها الإقليميين؟ ولماذا توافق واشنطن، مبدئياً، على مبادرة دو ميستورا، وماذا تبتغي من ورائها؟ ثمة واقعات واعتبارات في هذا السياق، أبرزها خمس:
أولاها، ان كفة الجيش السوري وحلفائه تبدو راجحة في البرّ والجوّ، وانه لن يمضي وقت طويل قبل أن يتمكنوا من دحر «النصرة» ومن يواليها.
ثانيتها، أن سكان الاحياء الشرقية بدأوا بالتجاوب مع نداء الحكومة السورية بالخروج عبر الممرات الآمنة التي جرى تحديدها لهم.
ثالثتها، ان مجموعات من المسلحين ذوي الانتماء «الإخواني» في الأصل بدأوا يتجاوبون أيضاً مع نداء الحكومة السورية لإلقاء السلاح وترتيب أوضاعهم الشخصية.
رابعتها، ان إدارة أوباما تجد نفسها حائرة ومحرجة عشية الانتخابات الرئاسية. فلا هي قادرة على تحمّل انتصار حاسم لدمشق وموسكو في حلب، ولا هي راغبة في الانزلاق إلى حرب مع موسكو وحلفائها في سوريا لا يمكن التكهن مسبقاً بمفاعيلها وتداعياتها الخطيرة.
خامستها، ان ليس في سوريا خطر أو تحدٍّ يمسّ الأمن القومي الامريكي ويستأهل حرباً مكلفة من أجل إزالته أو تعطيله.
كل هذه الواقعات والاعتبارت تحمل واشنطن على التفكير ملياً في التدابير السياسية والاجراءات العسكرية التي يمكن اتخاذها للتأثير في موسكو وحلفائها من أجل التوقف في حلب حيث هم الآن أو، على الأكثر، عند حدود استعادة حلب برمتها شريطة الموافقة على الذهاب إلى طاولة المفاوضات في إطار مسار طويل تكون الولايات المتحدة خلاله انتهت من الانتخابات الرئاسية والنصفية واتضحت هوية شاغل البيت الأبيض ومعاونيه ما يمكّن الادارة الجديدة من إعادة تقويم سياسة واشنطن ومخططاتها حيال سوريا، والعراق وبالتالي متابعتها في ظروف سياسية وعسكرية مغايرة.
المتعقّلون في ادارة اوباما يميلون إلى اعتماد خيار الضغط المحسوب غير المتمادي لحمل موسكو وحلفائها على القبول باستئناف المفاوضات بين دمشق والمعارضة السورية «المعتدلة» على الأسس الآتية:
– إنهاء وجود «النصرة» ومواليها في حلب ومحيطها وحصر انتشارهم في ادلب.
إبقاء مجموعات محدودة للمعارضة السورية المعتدلة في حلب بغية اعطائها حداً ادنى من الصدقية للمشاركة في المفاوضات.
منع الجيش التركي من جهة وقوات حماية الشعب الكردي الموالية لأمريكا من جهة اخرى من السيطرة على مدينة الباب شرقي حلب، على أن يبقى من حق الجيش السوري وحده تحريرها في الوقت المناسب.
ترك تحرير محافظتي الرقة ودير الزور إلى ما بعد المفاوضات التي ستجري في جنيف بين الاطراف السورية على ألاّ يكون لأي طرف غير سوري دور في تحريرهما من التنظيمات الإرهابية.
يبقى من حق الجيش السوري محاربة التنظيمات الإرهابية في كل مناطق انتشارها لتحرير البلاد واستعادة وحدتها.
ليست اكيدة موافقة دمشق على هذه الأسس المقترحة، لأنها ما زالت مصرّة على اغتنام الفرصة المتاحة لإنهاء وجود التنظيمات الإرهابية. غير أن موسكو تميل إلى تفادي الاصطدام بالولايات المتحدة وتضع في حسبانها بهذه المرحلة ليس تحديات المشهدين السياسي والعسكري في سوريا والعراق فحسب، بل متطلبات الصراع مع أمريكا في شرق أوروبا عموماً، ولاسيما الصراع المحتدم في اوكرانيا. في الإطار الدبلوماسي، حاولت فرنسا كما روسيا إمرار قرار يخدم سياسة كلٍ منهما فسقط الاول بالفيتو الروسي، وسقط الثاني لعدم نيله الأكثرية اللازمة.
بذلك تبقى الكلمة الفصل لروسيا في الميدان، ولم تقلها بعد.
كاتب لبناني
القدس العربي