صفحات الثقافة

الأمريكي آدم جونسون من جائزة «البوليتزر» إلى الجائزة الوطنية للكتاب2015  / عبدالله الساورة

 

 

ما الذي يعنيه أن يحصد الكاتب الأمريكي آدم جونسون خلال سنتين جائزتين من أشهر الجوائز العالمية، جائزة البوليتزر عن رواية «اليتيم» (2013 ) و«ثروة باسمة» (2015) وبكتابين فقط ؟

يقول ساخراً «سمعت أن الفتاوى ليست سيئة لبيع الكتب» معلقا على أن كوريا الشمالية يمكن أن تنتقم منه جراء كتاباته الجريئة حول هذا البلد. حينما تلقى الجائزة الوطنية للكتاب وهي من أرفع الجوائز الأمريكية على الإطلاق، عن مجموعته القصصية «ثروة باسمة» يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 قال: «أعتقد أنها قصص صعبة ولكنها يمكن أن تكون رائعة وقوية». تتناول المجموعة القصصية ست قصص تعالج ثيمات مختلفة مثل الحب، الشرطة، العنف، العنصرية، الكوارث البيئية والتأثير التكنولوجي على حياتنا. معتبرا أن جنس «القصة ماكينة، لها العديد من التروسات التي تدور: الصوت، الأسلوب، الهندسة، الكرنولوجيا واختيار المشاهد». بهذا التصور استطاع آدم جونسون (من مواليد داكوتا الجنوبية 1967/ أستاذ الكتابة الإبداعية في جامعة ستانفورد) أن يحقق ما عجز عنه الكثير من الكتاب خلال سنوات طويلة فقط بكتابين. في عمل صحافي استغرق بضعة أيام في كوريا الشمالية استطاع الكاتب أن يحوله إلى عمل روائي عن الواقع غير المحتمل وإلى خيال مقبول. وهنا تكمن قدرة الكاتب في نقل رؤية التراجيديا والفكاهة والعنف ليكتب عن دمى مقطوعة الرؤوس ومنحدرات صعبة في حياة الكوريين والأمريكيين على السواء.

أعماله كما يصفها الكاتب إبراهام فيخيس «ذهب خالص» ويصفها شارل بوك أنها «أعمال مركزية».

ليس هناك شك كما يقال في أن التعليم تعلم، ولكن يبدو أن موهبة جونسون فطرية لا تستقصي النجاح التجاري بالدرجة الأولى ولا إثارة القراء. «اليتيم» رواية مثالية، ليست من النوع الصلب أو من النوع الهجين، نظرة منحرفة وعرضية إلى الواقع غير الواقعي لبلد «الشيطان» المسمى كوريا الشمالية. تصف قصص جونسون كوريا الشمالية في خريف البطريرك كيم جونغ – إيل . فهي رواية سياسية بامتياز على امتداد أزيد من 600 صفحة عن جثامين الأبرياء وحلقة سيئة في ولاية تكساس، وقاتل يمشي بفضاضة وغطرسة، ولكن القارئ يتابع عن كثب من الصفحة الأولى بطل الرواية جون دو.

يمثل البطل جيلا للضلال حسب الكاتب، ضحية كما الآخرين لنظام قمعي واستبدادي، يخدم كجندي وكعريس للسلطة ويجسد الواقع المرير والمزيف لكوريا الشمالية: نظام وحشي مثير للسخرية، حيث الموضوعات لا تعيش، بل تعيش فقط كبروباغاندا لهذا العالم السعيد للزعيم القائد والأوحد، الذي باستطاعته التنبؤ بكل شيء وكذلك بحالة الأحوال الجوية.

رواية عن الديكتاتور بنظرة هزلية وجريئة عن كيم جونغ – إيل، وعن مهرج محكمة الفاسدين من دون مساحيق، ولكن بالزي العسكري. عن الكاريكاتير الرسمي لمجتمع أمريكا الشمالية التي يصفها مثل غراب، يرمز إلى الرأسمالية البشعة التي ترفرف أجنحتها أكثر من عاصمة البلاد، وتتسلل إلى النخبة العسكرية لا محالة من خلال السينما والتلفزيون.

يصف الكاتب في رواية «اليتيم» الشيزوفرنيا المؤلمة لجزء من سكان البلاد لكوريا الشمالية، على أنهم يسمعون ولكن حاسة السمع لا تسمع بلاغة القمع من قبل المتحدثين بلغة ايديولوجية فجة، حيث تنقسم بين طاعة الامتثال والمصير القاتل، ويصيح الصغير جون دو من غرفة والده الضيقة في وجه مواطن «سأكتب عن هذا تقريراً لكونه دمية في يد الإمبريالية، لقد تم تسميم عقولهم مع القذارة الغادرة»، وفي وقت وجيز يهمس: «هل تفوهت بكل هذا… ولكن يدي تشد باليد الأخرى»: تاريخ اجتماعي فردي في مجابهة الدولة، الهوية في مجابهة الشذود الاجتماعي، ويستمر الكاتب جونسون على المنوال نفسه على طول الرواية / القصة. يوجه فقط الحب بطل الرواية في مفارقة خصبة. في كوريا الشمالية حيث يرسم جونسون مثل كافكا مستعمرة السجن الدرامي، بين الفكاهة والكاريكاتير المضخم والرعب، حيث الحلم بالحرية يقود الشعب. ولمعرفة المزيد عن أسلوب آدم جونسون في الحكي أترك القارئ العربي مع الصفحة الأولى من رواية «اليتيم»:

كانت أم ( جون دو) مغنية، هذا ما حكاه عنها مراقب دار الأيتام، الذي يحتفظ بصورة لامرأة في «فليس بورفنير». كان جمالها جديرا بالملاحظة: عينان كبيرتان تنظر من خلالهما بطريقة منحرفة وشفاه مطاردة، رسمت كلمة بدون أن تتفوه بها. إلى النساء الجميلات تستيقظ مدينة «بيونغ يونغ»، وهذا بلاشك ما حدث لوالدته. كان المراقب لدار الأيتام تجربة معاشة عنها: يقضي لياليه يحتسي الخمر وانطلاقا من الغرف، يسمعه الأيتام باكياً ومتأسفاً، متضوعاً بنصف صوت إلى امرأة الصورة. كان «جون دو» الوحيد المسموح له أن يواسيه ونزع زجاجة الخمر من بين يديه.

كان «جون دو» الطفل الناضج في «فليس بورفنير» وهذا حمله العديد من المسؤوليات: يوزع حصص الأكل، تخصيص الأسرة إلى كل الأطفال انطلاقا من اللائحة 114 للشهداء الكبار للثورة، لكن مراقب دار الأيتام لم يرغب في أن يمنح تفضيلا لابنه، إنه الطفل السعيد والذي لم يكن يتيما…..

في النهاية يجيب الكاتب آدم جونسون أن اليتيم هو المواطن العادي الذي يلج داراً للأيتام عوض منزل أسرته، وأن الديكتاتور هـــــو من يخطب في الناس ليل نهار… بهذا الوصف كم من الأيتــــام في الوطـــن العربي .. وكم من ديكتاتور؟ تترآى لي الوجــــوه وهي تعتلي المنصات وتعلي من خطاباتها بالزفــــير والشهيق.. وحفنة قليلة تصفق بحرارة وغالبــية عظمى تئن تحت سياط الجلادين وما أكثرهم.. للأسف الشديد…

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى