المخرجة السورية هالة العبد الله حول فيلمها «محاصر مثلي»: أتبع ندائي الداخلي… وقلبي يتبع التراجيديا السورية
باريس- من تهامة الجندي: من موقفها المؤيد للثورة السورية، ومن موقعها كمعّتقلة سابقة، وكمخرجة طالما تعاطفت مع المثقفين المنفيين، لدفاعهم عن حرية التعبير، تفتح هالة العبد الله عدستها، في فيلمها الجديد «محاصر مثلي»، على سيرة فاروق مردم بك، الكاتب والناشر والمترجم اليساري، الذي حُرم من حق العودة إلى وطنه سوريا، بسبب تأييده المطلق للقضية الفلسطينية، ومواقفه الرافضة للاستبداد والاحتلال، وهي بذلك تمدّ المتلقي بدليل آخر، على زيف شعارات سلطة «البعث»، وادعاءاتها الكاذبة حول العلّمنة والممانعة وحماية الأقليات.
يندرج فيلم «محاصر مثلي» في إطار ما يُعرف بـ «السينما التسجيلية المستقلة»، وخلال ساعة ونصف الساعة، يصوغ ملامح مثقف معارض، تميّز بغنى عطائه وتعدد مستوياته. ينحدر من عائلة سورية عُرفت بأسماء لامعة في الأدب والسياسة، مثل خليل وجميل مردم بك، ويعكس في سيرته تجربة جيل، آمن بالفكر الماركسي، وبقدرته على التغيير وتحرير الأرض والإنسان، ثم فُجع بهزيمة حزيران/يونيو، فلاذ بالقضية الفلسطينية من تغوّل النظم العربية الشمولية.
■ ما هي أهم المحطات، التي يتناولها الفيلم من حياة، فاروق مردم بك؟
□ أركز على علاقته العريقة بالثقافة، وعلى انتمائه الصادق إلى القضية الفلسطينية، وصداقته القوية بالراحل محمود درويش. أحاول أن أصنع بورتريه له ولجيله، بكل ما حمله من آمال وآلام. وتتابع حديثها صاحبة «أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها»: سافر فاروق إلى فرنسا عام 1965، وهو في الثانية والعشرين من عمره، وفيها قضى خمسين عاما، عاش خيبة يونيو/حزيران، وشهد ثورة الطلاب عام 1968، ووقّع على بيان ضد دخول الجيش السوري إلى لبنان عام 1976، وعوقب بعدم تجديد جواز سفره السوري، وحرمانه من العودة إلى وطنه، مثله مثل الكثير من المثقفين السوريين، كسعد الله ونوس وجميل حتّمل أو فايز ملص. كان فاروق يعتبر نفسه فلسطينيا، وبالتعاون مع زميله الياس صنبر، قام بترجمة مجلة «الدراسات الفلسطينية» إلى الفرنسية، التي كانت تصدر ما بين الأعوام (1981-2008). عمل أيضا في دار «سندباد» وفي «معهد العالم العربي» في باريس، وأسهم إلى حد كبير في تعريف القارئ الغربي بأهم نتاجات الثقافة العربية، ومع بداية الثورة السورية، عاودته حماسة الشباب، وعاد إليه ألقه، وطاقته الإيجابية في علاقته مع بلده سوريا.
■ كيف يدخل الفيلم عوالم مردم بك؟
□ «كما لو أننا نمسك كوبرا»: واحدة من صفات فاروق، التي لا يعرفها الكثيرون، أنه شخص خبير بأمور الطهي، يحب إعداد الطعام، ألّف كتاب «مطبخ زرياب»، وكتابا ممتعا عن الحمّص، ومن هنا جاءتني الفكرة، أن أبدا الحديث معه في مطبخه، وهو يعد الطعام لأصدقائه المقربين، بعدها يتوافد الأصدقاء إلى منزله، ويتحلّقون حول المائدة، ويبدأ المشهد الرئيسي.
وتضيف صانعة فيلم «هيه، لا تنسى الكمون»: لم أتدخل في اختيار شخصيات المشهد الرئيسي، فاروق دعاهم، وهم حوالي أربعة عشر شخصا، مختلفين من حيث الاهتمامات والأجيال، أكثرهم من الشخصيات المعروفة، مثل دارينا الجندي وسمر يزبك، بسمة وهالة قضماني، صبحي حديدي، ليلى شهيد وزياد ماجد، وقد بدأ الحديث في ما بينهم بالمزاح والضحك، وبشكل عفوي وتلقائي تقلصت الدائرة، لتصل إلى التراجيديا السورية، وأخذ كل بطريقته الخاصة، يحكي ما يعرفه، وما يفعله لأجلها.
■ هل تعتمد هالة أسلوبها الشعّري السابق نفسه؟
□ بالمعنى التنفيذي، هذا فيلم مختلف عن تجاربي السابقة. للمرة الأولى أصنع فيلما خارج سوريا، وفي ذهني المتفّرج الغربي. معظم المشاهد داخلية، تنتقل ما بين منزل فاروق ومكان عمله، باستثناء بعض اللقطات الخارجية المفتوحة، التي تمر مع شعر محمود درويش. تراجع الجانب الشخصي، الذي كان يحضر عبر نصي، وتركت الساحة كاملة لحديث فاروق، وخطابه الإنساني العميق. في أفلامي أتبع ندائي الداخلي، وقلبي اليوم يتبع ما يحدث في سوريا. هذا الفيلم يشبهني كثيرا الآن، منذ عنوانه «محاصر مثلي» الذي يمتد على ثلاثة مستويات، علاقة فاروق بمحمود درويش، علاقة الفلسطيني بالسوري، وعلاقتي بفاروق وباقي شخصيات الفيلم، وبأي متفرّج سوف يحضره، وأرى أن طريقتي في تقديم شخصية فاروق، بكل ما تحمله من خصوصية إنسانية وغنى معرفي، ربما تلعب دورا إيجابيا، بتغيير نظرة المتلقي الغربي اللامبالية أو الباردة، التي تنضوي على موقف مسبق، من أننا إسلاميون متطرفون، وأن النظام السوري علماني.
القدس العربي