«نحن نكتب التاريخ.. الآن»
سمير التنير
تعتبر ساحة الباستيل في باريس رمزاً للثــورات في فرنسا. ويجلس اليوم مئات من الشبان الفرنسـيين في تلك السـاحة، للتــداول حول إمكانية حدوث الثورة الجديدة. كان عددهم في البدء حوالى الـ200. ولكن أعدادهم تضاعفت بعد ذلك. ولم يجد البوليس وسيلة لتفريقهم إلا بقنابل الغاز.
إنهم يودّون إنشاء حركة تشبه الحركات الشبابية التي انطلقت في مدريد ولشبونة. ويأملون بنزول مئات آلاف الشبان إلى الشوارع للمطالبة «بالديموقراطية الحقيقية». الأساس واضح في كل الحالات. بطالة الشباب بلغت 20%.
يقول جوليان وهو طالب فيزياء في الـ22 من عمره: «انهم (أي الحكام) يعتبرون أنك إذا لم تجد عملاً فهي غلطتك. ربما يجب علينا العمل من أجل إسقاط النظام».
يسود شعور موحد بين شبان أوروبا كلها. انهم لن يحصلوا على مجتمع الرفاهية الذي كان سائداً من قبل. والمستقبل مسدود. إنهم يحصلون على تعليم جيد. ولكن اين فرص العمل؟ انهم «أبناء الأزمة». أو أبناء الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستمرة منذ خريف عام 2008. لذا يجب عليهم النزول إلى الشوارع. هذا ما يقولونه.
تبدو الأمور على تغير واضح في أوروبا. ففي 12 آذار الماضي نزل أكثر من 200 ألف متظاهر إلى ساحة الحـرية في لشبونة عاصــمة البرتغال (يبدو أن كل ساحات التغيير تحمل الاسم نفسه). وكانت تلك المظاهرة هي الأكبر منذ انقلاب عام 1974 الذي خلص البرتغال من الديكتاتورية العسكرية. لقد تمّ ذلك عبر وسائل استعملها من قبل الشبان المصريون في ميدان التحرير من استعمال للانترنت والفيسبوك في الإعداد والحشد. اما اعلانهم فيقول: «نحن العاطلين عن العمل. الأفضل تعليماً، الأفضل إعداداً، الأفضل مهارة. نحن نحتج ونطلب من الحكام تغيير الواقع الحالي بالسرعة القصوى».
تعدّ البرتغال من الدول الأفقر في منطقة اليورو. كما ان دخل الفرد في اليونان أعلى منه في البرتغال. وتضاعفت نسبة البطالة خلال السنوات الست الماضية، إذ تبلغ اليوم 12,6%. أما نسبة البطالة بين الشبان فتبلغ 27%. وتنحصر فرص العمل في الأعمال الموسمية والأعمال الجزئية الخالية من أي ضمان اجتماعي.
تبدو الحركات الاحتجاجية الشبابية في بدايتها. ويعمل المنظمون على إجراء اتصالات بين مختلف الحركات في بلدان اوروبية كثيرة. ويجهدون في جذب كافة الأطراف اليمينية واليسارية والدينية إليهم. وتبقى التحركات كلها في الإطار السلمي.
اعتاد سكان العالم رؤية مئات الآلاف من الشبان وهم يحتلون ساحات الاعتصام في العالم. من جادة الحبيب بورقيبة في تونس إلى ميدان التحرير في القاهرة. كانت تلك صور من الثورات العربية التي تنتقل الآن إلى أوروبا. ولكن هل هناك مجال للمقارنة؟ ان دول العالم العربي هي دول فقيرة ويؤلف الشبان اكثر من نصف السكان. في حين ان دول القارة الأوروبية هي دول غنية، والشبان أقلية. يناضل الشبان العرب من أجل الديموقراطية في حين يعمل الشبان في اوروبا على تجنيب بلادهم خطر السقوط.
يحاول الشبان في اسبانيا ممارسة الديموقراطية المباشرة. يقومون بكتابة اقتراحاتهم ويضعونها في صندوق كرتوني. وفي المساء، تقوم لجنة بقراءة الاقتراحات، وتناقش الحلول السياسية الواردة فيها. وقد تألفت لجان شعبية في 120 حياً من أحياء مدريد. وتناقش اللجان الحلول السياسية، قبيل الانطلاق إلى بويرتا دل سول.
تحول الشاب الأوروبي، غير المسيس، اللامبالي بالسياسة والسياسيين والذي قلما يشارك في الانتخابات إلى إنسان آخر، مختلف تماماً. مسيس كله، حتى أخمص قدميه. ربما بعدما شاهد ما فعله الشبان العرب. هذا ما يحدث في اسبانيا والبرتغال وفرنسا واليونان.
«نحن نكتب التاريخ الآن». «الفرصة المتاحة لنا قد لا تتكرر» هذه شعارات الشباب الأوروبي اليوم، فهل يصلون عما قريب إلى شعار «الشعب يريد إسقاط النظام». لننتظر ولنر.
السفير