«يا حيف» تشهد إقبالاًً على اليوتيوب: سميح شقير يغنّي الانتفاضة السوريّة
كان من الطبيعي أن تهزّ بوادر الانتفاضة السوريّة المغنّي الملتزم الموجود حاليّاً في باريس للعلاج. سبق لصاحب «زهر الرمان» أن تفاعل مع ثوّار تونس ومصر … وها هو يفجّر قهره على ضحايا درعا
بشير صفير
منذ مطلع الثمانينيات، التزم الفنان السوري سميح شقير الأغنية ذات الطابع الإنساني والوجداني، واضعاً معظم ما أنتج في خدمة الدفاع عن القضية الفلسطينية. بالتأكيد، لا تزال فلسطين محور القضايا العربية. غير أنّ التحولات التي يشهدها العالم العربي حاليّاً وضعت معاناة الشعوب مع أنظمتها في واجهة الأحداث … وكانت لسميح شقير وقفة فنية عندها. إثر سقوط الطاغية الأول، بارك سميح شقير لتونس ثورتها. وعندما تعنّت الثاني، شدّ سميح على أيادي الثوار المصريّين.
في الحالتيْن، بدا الموقف السياسي الذي يجب اتخاذه سهلاً، وبالتالي صياغة الدور السياسي للعمل الفني الغنائي. لكنّ التحركات الشعبية التي شهدتها سوريا، وتحديداً الأحداث الدامية في درعا، وضعت فناني سوريا أمام الامتحان الصعب في ظلّ ضبابيّة ما يجري. لكنّ سميح شقير بقي متصالحاً مع تاريخه، وكانت له كلمته الواضحة: أغنية بعنوان «يا حيف» تضاربت الآراء حولها على موقع «يوتيوب» بين هجوم ودفاع وعتاب. لا شيء مهم موسيقياً يُمكن قوله في الأعمال الثلاثة. أو أقله، لا يبدو الموضوع ملحّاً في هذه الظروف. الألحان ليست بيت القصيد هنا، عدا أنها لا تشكّل إضافةً كبيرة على ما نعرفه من ريبرتوار شقير.
في التحيّة إلى الشعب التونسي، وهي أفضل بقليل من زميلاتها من حيث النغمة، يبارك سميح «للعروس» ثورتها «بعد الأيام المرّة». ويشير أيضاً إلى دورها في ثورات الشعوب العربية ضد الطغيان والقهر. كما يصوّر الملامح المهمة لثورة «الياسمين»، وتأثيرها في عقلية الحكام العرب: «يا شبابك نزلوا الشارع قالوا لا للديكتاتور/ هربت تماسيح مبارح وانقرض الديناصور/ مِن لمّا الثورة قامت، وكتار اللي خافوا، وارتجفوا، واهتزوا ويستنّوا (ينتظرون): مين اللي عليه الدور؟».
أما في أغنيته عن ثورة مصر، فقد استوحى شقير مِن إرث الشيخ إمام/ أحمد فؤاد نجم، عبر تطعيم النص بشذرات من أغنيات عدّة للثنائي المصري المناضل، إضافةً إلى تحية في الختام لسيد درويش عبر إدراج النشيد الوطني المصري، مع الإشارة إلى أن الأغنية لا تتطرق مباشرة إلى النظام المصري أو «الريّس»، وقد أنجزها في خضم الثورة، إنّما قبل خلع مبارك.
وها هو يصدر، من باريس حيث يقيم للعلاج، أغنية جديدة تستمدّ زخمها من الأتون السوري المشتعل. «يا حيف» مهداة «إلى شهداء الحرية في درعا» كما جرى تعريفها على «يوتيوب». تراوح هذه الأغنية بين الندب واللوعة والحسرة والأسف والعتب. وترصد أحداث درعا منذ اعتقال الأطفال، إلى انطلاق التظاهرات حتى إطلاق الرصاص على الأهالي: «يا حيف/ زخّ رصاص على الناس العزّل يا حيف/ وأطفال بعمر الورد تعتقلن كيف؟/ كيف؟ وإنت ابن بلادي/ وتقتل بولادي/ وضهرك للعادي/ وعليّ هاجم بالسيف/ وهادا اللي صاير يا حيف/ وبدرعا ويا يمّا ويا حيف …». وفي مكان آخر «متنا بإيد إخوتنا/ باسم أمن الوطن/ ونحنا مين نحنا/ اسألوا التاريخ يقرا صفحتنا/ مش تاري السجان يمّا/ كلمة حرية وحدِة هزتلو أركانو …». في طريقة تناوله لموضوعه، وأدائه للأغنية، يبدو شقير صادقاً في التعبير عن غضبه، وفي دفاعه عن حرية الشعب.
دارت نقاشات حادة حول موقف الفنان سميح شقير ممّا يجري في سوريا. فبعضهم ما زال يرى أن الغموض يكتنف ما يجري ميدانيّاً هناك. لكن الفنّان الملتزم لم يصغ إلا لغضب الشعب، وهو غضب شرعي ووجه بالقمع الدامي. فما لا يجوز التردد في الدفاع عنه هو دماء مواطن أعزل يقتل أو يعتقل، لمجرد مطالبته بحقوقه. من هنا باتت «يا حيف» حقاً من بين هذه الحقوق.
وبصرف النظر عن الرأي الموسيقي والسياسي في «يا حيف»، فمن المؤكد أن هذه الأغنية ستبقى كشهادة ووثيقة تاريخيّة، على منعطف صعب يعيشه الشعب السوري، ودفع ثمنه ضحايا من المواطنين العزّل والأبرياء.
الأدق في الموضوع أن الأغنية تحمل نفَساً تحريضياً لمجرد وجودها. أضِف إلى ذلك أنّ نصها حوى تلميحاً في هذا الاتجاه من خلال بعض العبارات (وكذلك الأداء): «والشعب مثل القدر/ مِن ينتخي مايِن/ والشعب مثل القدر/ والأمل بايِن».