صفحات الناس

آثار الكيماوي تظهر في حلب!/ يسار قدور

لم تكن مجزرة الغوطتين، التي قام بها النظام السوري في الحادي والعشرين من شهر آب المنصرم، إلا واحدة من سلسلة المجازر التي ارتكبها هذا النظام. ولم يعد ضحاياها إلا أرقاماً مثلهم مثل ضحايا مجزرة البيضا في بانياس، ومجزرة الحولة والتريمسة وداريا وغيرها الكثير من المجازر، التي أضافها نظام الأسد إلى سجل جرائمه في مسار الثورة السورية.

يتابع السوريون حياتهم التي اعتادوها في إحصاء عدد شهدائهم بشكل يومي من دون الاكتراث بالأدوات التي تتم بها عمليات القتل. فالنظام السوري لم يوفر في حربه ضد شعبه أي نوع من الأسلحة إلا واستخدمها، ابتداءً من السلاح الأبيض والبنادق مروراً بالمدافع والطائرات وراجمات الصواريخ وصواريخ السكود وغيرها، وانتهاءً بالحصار والتجويع كما حدث في مدينة المعضمية ومخيم اليرموك والكثير من المناطق، وبخاصة في ريف دمشق وحمص، لكن العدد الكبير للضحايا واستخدام السلاح الكيماوي، الذي يشكل تجاوزاً فاضحاً للخط الأحمر الأميركي المزعوم، أوجد بارقة أمل لدى السوريين بتدخل المجتمع الدولي، لوضع حدّ لهذه الجرائم اليومية، التي تعيشها سوريا من أقصاها إلى أقصاها.

كلنا يذكر التصريحات الأميركية والدولية عن الضربة العسكرية ضد نظام دمشق ووجوب معاقبته – وإن بضربة محدودة – حتى ظنّ الكثيرون أنّ الضربة آتية خلال ساعات أو أيام على أبعد تقدير، لكن الذي كان يحصل فعلياً هو تمرير الوقت، لإيجاد مخرج من الموقف المحرج الذي وقع فيه المجتمع الدولي، وبالفعل تمّ ذلك من خلال المبادرة الروسية (المتفق عليها) ليتم التصويت على أول قرار في مجلس الأمن بمباركة روسية وليس بفيتو روسي – صيني مشترك، ويعلن بعدها النظام السوري نصره التاريخي بركوعه، كما هي كل انتصارات قوى الممانعة والمقاومة في حروبها الكونية.

باشرت منظمة حظر السلاح الكيماوي عملها في سوريا وكأنها في سباق مع الزمن، وبدأت التصريحات التجميلية للنظام السوري تنهال من كل حدب وصوب، متناسية كل مجازر النظام وعلى رأسها مجزرة الكيماوي، ناهيك عن الضحايا الذين يسقطون يومياً، لتعلن المنظمة، الحائزة على جائزة نوبل للسلام مؤخراً، إنجاز مهمتها باستثناء منطقتين بسبب العمليات القتالية الدائرة فيها، فيلتقط النظام السوري الرسالة ويسارع إلى إعادة السيطرة، أو كما يسميها “تطهير” منطقة “صدد” في محافظة حمص، ويبدأ حملته العسكرية غير المسبوقة بحلب في طريق خناصر، للوصول إلى مدينة “السفيرة”، التي تصله بمعامل الدفاع (المحاصرة) والتي تحتوي على أهم المراكز التي يجب تفتيشها من قبل منظمة حظر الكيماوي (حمامة السلام لهذا العام).

مع إدراك اللاعبين الدوليين صعوبة المهمة في حلب يسارع “أصدقاء الشعب السوري” بإشارة أميركية روسية إلى قطع كل الإمدادات عن كتائب الجيش الحر في حلب حتى على مستوى الطلقات والذخيرة، ويذهبون أبعد من ذلك بإغلاق الحدود بشكل كامل، ويبدأ النظام السوري حملته بنشاط غير مسبوق ويسترد خناصر، حتى أنّ طيرانه ينتعش باستخدام البراميل المتفجرة بكثافة من جديد.

مع عجز الجيش الحر عن رد هذه الكثافة النيرانية، خصوصاً بعد الحصار المطبق عليه من أصدقائه قبل النظام، تبدأ المناطق بالسقوط بيد النظام تباعاً، ولا يغفل النظام عن إصدار بيانات عسكرية رسمية بإنجازاته – لطمأنة أصدقاء الشعب السوري – وتسقط مدينة السفيرة بعد إبادة نسبة كبيرة من معالمها البشرية والعمرانية، وتتبعها قريتي “تل عرن” و”تل حاصل” الفاصلتين بين السفيرة ومعامل الدفاع ليحقق النظام السوري أكبر إنجازاته في مدينة حلب منذ بداية معاركه فيها حتى اللحظة.

لم تكن هذه هي الضربة الوحيدة التي يتلقاها الجيش الحر في حلب، حيث قرأت دولة العراق والشام، أو مايعرف بـ”داعش”، مايدور على الأرض بدقة، وبدأت بدورها حربها المعلنة ضد كتائب الجيش الحر “بحجة معاقبة المسيئين وخروجهم عن الشريعة”، مستغلة انشغاله في الجبهة الشرقية “السفيرة – خناصر” لتحكم سيطرتها على مدينة “اعزاز” في الريف الشمالي على الحدود التركية (المغلقة) وتتابع مشوارها إلى بعض البلدات الأخرى، متحاشيةً تماماً منطقتي “نبّل والزهراء” قلعتا النظام الوحيدتين في الريف الشمالي، وتتابع باتجاه مدينة حلب معلنةً سيطرتها على العديد من المناطق المحررة (التي تقع تحت سيطرة الجيش الحر) من دون أن تحتاج لاستخدام ولو طلقة واحدة باستثناء منطقتين اثنتين فقط، ليجد الجيش الحر نفسه في أسوأ حالاته، ويكون لأول مرة الطرف الأضعف بين القوى الموجودة في مدينة حلب (دولة الأسد – دولة العراق والشام)، خصوصاً بعد ورود أنباء عن استشهاد “عبدالقادر الصالح” الرجل الأول في لواء (التوحيد)، الذي يعتبر أكبر وأضخم قوى الجيش الحر في حلب، وخسارته مدينة السفيرة الاستراتيجية وما حولها لأنها تربط معامل الدفاع وطريق خناصر وصولاً إلى محافظة حماة، وهذا يشكل خط إمداد مفتوح للنظام من جهة، وهي البوابة ذاتها التي دخل منها الجيش الحر إلى حلب، إضافة إلى أنها تشكل معبراً للريف الشمالي الذي لم يستطع النظام الاقتراب منه يوماً بعد أن خسره إلى الآن.

في ظل هذا المشهد الجديد يجد الجيش الحر في حلب نفسه مكرهاً لإعلان النفير العام مؤخراً لصد هجمات النظام، كما تتبعه “داعش” بالإعلان ذاته في اليوم التالي مباشرةً من دون معرفة إعلانهم مع من أم ضد من.

وفي ظل هذا المشهد أيضاً، يبقى معظم أهالي حلب المحرومون من الماء والكهرباء ووسائل الاتصال، بسبب مايحدث على الأرض، بانتظار عابر سبيل يروي ظمأهم بأخبار قد تكون مطمئنة عن مدينتهم، لأنهم لايسمعون سوى أصوات القصف والرصاص.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى