آخر أيام المخيمات
السلطات التركية متهمة اليوم بإعادة 130 لاجئاً سورياً من مخيماتها إلى بلادهم قسراً على خلفية الأحداث التي وقعت في مخيم “أقتشه قاله”. هكذا عبرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين عن قلقها من استخدام السلطات التركية لأساليب غير مقبولة: “نؤيد تطبيق القانون في المخيمات واللجوء إلى القوانين المحلية لسوق مرتكبي الجرائم إلى القضاء. لكن إجبار لاجئين على العودة إلى بلادهم لا يمكن استخدامه كعقاب أو عمل رادع”. في حين خرجت وزارة الخارجية التركية لتنفي الاتهام، ورفضت أنقرة أي اتهام بإجبار لاجئين على العودة إلى سوريا.
لافانت جومروكتشو الناطق باسم الخارجية التركية قدّم روايةً رسمية مختلفة معتبراً أنّ كل ما فعلته القوات الأمنية هو حماية أكثر من 35 ألف سوري في المخيم، مشيراً إلى أن مجموعة من مائتي نازح قامت منذ يومين بإلقاء الحجارة على القوات الأمنية دون أي مقدمات أو أسباب، وأكدت الخارجية وجود تسجيلات توضح الاعتداء وتحدد المشاركين به.
الحكومة التركية التي ترزح تحت ضغط ملف اللاجئين، يبدو أنها اليوم تستعيد مهارات جارها السوري في أساليب اختراع رواياتٍ غير مقنعة. ومن ثمّ تجد من يؤمن بأحاديثها ويؤكد رواياتها كما حدث حين تضافرت تصريحات لمسؤول تركي لم يصرح عن اسمه بأن هؤلاء الذين واجهوا قوات الأمن التركية هم مجموعة من المحرضين وأنهم لا يلقون تأييد سائر اللاجئين.
يبدو أن هذه الرواية تساق اليوم في إطار “شيطنة” قسم من اللاجئين السوريين متخذةً ذلك ذريعةً لإعادتهم إلى سوريا، وفي حين تؤكد الحكومة أنها لا تعيد اللاجئين قسراً إلى بلادهم وأنهم عادوا طواعية، يبدو الحديث مصمماً لتصوير اللاجئين السوريين على أنهم سيّاح يمكنهم العودة متى شاؤوا، كما أنه يشيع صورة المخربين الذي يعتدون على الدولة المستضيفة. وبما أن السلطة التركية لم تظهر التسجيلات ولم تقم بتحويل أحد إلى القضاء حتى الآن، وتتمسك اليوم برواية أنّ النازحين تركوا المخيم بإرادتهم الخاصة، فالرواية لا تختلف كثيراً في أذهان السوريين عن روايات إعلام النظام السوري عن المخربين والمندسين والمارقين على السلطة.
وبرغم تصريح جومروكتشو إنه في أثناء الإجراءات الرسمية لتقديم تلك المجموعة للنيابة العامة، طلبت “عن طيب خاطرها” العودة إلى سوريا خوفاً من المحاكمة ومن رد فعل السوريين الآخرين، يطرح هذا الكلام المزيد من إشارات الاستفهام التي تبدأ بقانونية هذا الطلب أساساً وتجاوزه لمسائل الحق العام. أي محكمة تلك التي قبلت بهذه التسوية الغربية؟ وعلى أي أساس؟ وكما طرحت المفوضية هل يتوافق هذا الفعل مع المواثيق الدولية التي تستنكر إعادة اللاجئين إلى بلادهم بالقوة؟ هل ينبغي أن تكون القوة المستخدمة مجرد قوة عسكرية إخضاعية؟ ماذا لو كانت “المغادرة عن طيب خاطر” نتيجة اختيار أهون الشرين؟ ما هي الخيارات التي فرضتها الحكومة التركية على هذه المجموعة دافعةً إياها إلى اختيار العودة إلى الجحيم السوري.
المنهج الذي تدعي الخارجية اتباعه من قبل الحكومة التركية والذي يقوم على سياستي “الباب المفتوح” و”عدم إجبار السوريين على العودة إلى بلادهم” ما زال اليوم موضع شك وقلق من جهات عدة، في وقت ترفض فيه السلطات التركية أي اتهامات، وتؤكد أنها لا ترد أي سوري يرغب في المجيء إلى الأراضي التركية، ولا تطرد أيا من اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها. أما المعضلة الأساسية في مسألة اللاجئين فهي تتعلق بالتعتيم الإعلامي في المخيمات والذي لا يقلّ فداحةً عن التعتيم الإعلامي في الداخل السوري، فلا نحن قادرون على معرفة هؤلاء المتهمين، ولا استطلاع آراء اللاجئين، ولا الحصول على تسجيلاتٍ توضح حقيقة ما حدث بين اللاجئين والسلطة التركية.