أبناء غوطة دمشق يتحدون في فيلق الرحمن/ صبر درويش
تَوَافق العديد من التشكيلات العسكرية المعروفة في الغوطة الشرقية، مؤخراً، على تكوين “فيلق الرحمن”. وما يميّز الفيلق الحديث الولادة، أن مكوناته رفضت سابقاً الانضمام إلى جيش الإسلام أو الجبهة الإسلامية.
الإعلان عن تشكيل فيلق الرحمن، يندرج في سياق محاولة بعض التشكيلات والكتائب التابعة للجيش الحر، إيجاد صيغة للتجمع في كيان واحد. وهي تجربة جديّة لتحسين شروط المواجهة مع قوات النظام، التي تسجل تقدماً ملموساً على العديد من الجبهات المحيطة بالعاصمة دمشق.
نشأة الفيلق كانت عبر اجتماع ألوية البراء، وأبو موسى الأشعري، ومغاوير الغوطة في جسد واحد، بقيادة أبو النصر “عبد الناصر شمير” قائد لواء البراء. ثم سرعان ما انضمت إليه معظم التشكيلات المستقلة الرافضة للانضواء تحت عباءة جيش الإسلام. وربما سرّع من الإعلان عن تشكيل هذا الجسد العسكري، سقوط مدينة يبرود في القلمون شمال دمشق. حينها شعر المقاتلون في حي جوبر الدمشقي بالخطر الذي ينتظرهم على هذه الجبهة، والتي يعتقد بأنها ستكون إحدى أعنف الجبهات في المستقبل القريب.
وإذا كان الفيلق يتلقى دعماً واضحاً، ويحظى بمتابعة وتنسيق بغية تنظيمه بشكل جيد. فإن “عمر” المقاتل في صفوف المعارضة المسلحة، يأمل أن يحظى الفيلق بفرصة حقيقية في مواجهة قوات النظام، وألا يكون مثل العديد من التشكيلات العسكرية الأخرى و”التي لم نر منها إلا اسمها”! في إشارة بينة منه إلى “جيش الإسلام”.
تنتشر قوات فيلق الرحمن، على عدد كبير من الجبهات؛ فهي تشارك في حصار إدارة الدفاع الجوي في مدينة المليحة شرقي العاصمة دمشق، حيث نفذت العديد من العمليات ضد قوات النظام المتواجدة بالقرب من حاجز تاميكو، على طريق جرمانا-المليحة. في الوقت نفسه، تتواجد قوات للفيلق في مدينة حرستا، وخاصة بالقرب من إدارة المركبات الخاضعة لسيطرة للنظام، كما لُوحظ تمدد جديد لها على جبهات القلمون. كما شنت قوات تابعة لفيلق الرحمن، خلال الأيام القليلة الماضية، عدداً من العمليات العسكرية الموجعة ضد قوات الأسد بالقرب من بنايات طعمة على المتحلق الجنوبي في المنطقة الفاصلة بين جوبر وزملكا. كل ذلك، ويظل التواجد الأهم للفيلق هو في حي جوبر الدمشقي.
تنقسم التشكيلات العسكرية المتواجدة في الغوطة الشرقية إلى جزئين: الأول يضم كتائب سلفية متشددة، انضوت غالبيتها تحت راية جيش الإسلام بقيادة زهران علوش أو ما عرف لاحقاً بالجبهة الإسلامية. والجزء الثاني يضم تشكيلات عسكرية محلية تتسم بالإعتدال، أغلب مريديها من أهالي بلدات ومدن الغوطة، وقد درجت على العمل طيلة الفترة السابقة بشكل منعزل ودون تنسيق في ما بينها.
كل ذلك، دفع بالتشكيلات المحلية، للعمل على تنسيق جهودها والتوحد في كيان منسجم يتيح لها الحفاظ على استقلاليتها، في وجه التمدد السلفي المتسارع، كما يتيح لها القدرة على مواجهة قوات النظام بفعالية عالية.
تشير الاصطفافات العسكرية الأخيرة، إلى ملامح نضج في الوعي السياسي لدى القوى العسكرية المتواجدة في الغوطة. إذ تقف خلف هذا “الفرز” مواقف سياسية تشير إلى خلافات حول طبيعة إدارة المدن المحررة وحتى آليات العمل العسكري ومواجهة قوات الأسد. فمن الواضح، أن الطرح المتشدد الذي قدمته التجمعات العسكرية الكبرى كالجبهة الإسلامية وغيرها، لم ينل قبول كافة الشرائح الإجتماعية المتواجدة في المنطقة. كما أن محاولات هذه التشكيلات، كجيش الإسلام، فرض سيطرتها على مدن وبلدات الغوطة المختلفة، أثار استياء العديد من التشكيلات العسكرية المحلية والأهالي. هذا ما يمكن لمسه في مدينة دوما، حيث أبدى لواء الاسلام اعتراضه على تشكيل المجلس المحلي للمدينة، والذي ساهم في تشكيله ناشطون مدنيون.
الكتل العسكرية الكبرى، وذات الطابع المتشدد، لم تنجح في تسجيل أي تقدم عسكري على أغلب الجبهات. الأمر الذي دفع بالتشكيلات الأصغر حجماً، ومنها فيلق الرحمن، للتجمع والمبادرة في التصدي لقوات الأسد على أكثر من جبهة ومنها جبهة حي جوبر بطبيعة الحال.
في هذا السياق، ليس غريباً أن تبادر التشكيلات المتشددة في اتهام فيلق الرحمن بالـ”علمانية”.
المدن