«أجمل» أمهات العرب… ثكالى «ربيعَيْن»
فاطمة رضا
«أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها وعاد مستشهداً… فبكت دمعتين ووردة، ولم تنزوِ في ثياب الحداد»، كلمات للشاعر حسن عبدالله غنّاها الفنان مارسيل خليفة فأبكت الملايين على مشهد أمّ تستقبل فلذة كبدها «مستسلمة» لواقع أهمية القضية التي ذهب في سبيلها. وصف بليغ، لمشهد مؤلم، وصفه الشاعر في أواسط السبعينات من القرن الماضي. ويتابع: «عاد… ويداه محايدتان».
في مطلع الأسبوع الجاري، تناقلت وكالات الأنباء صورة والدة تبكي ابنيها اللذين قضيا في معركة في إدلب، بدت يدا الشابين محايدتين، وبدا وجه الأم «جميلاً»، نظراتها مستسلمة وكأنها تقول لهما: «لا بأس، لقاؤنا المقبل قريب». هي المرتبة الأعلى للجمال، ربطها عبدالله بخسارة لا تعوّض، وكأن على الأم أن تُختبر في أغلى ما عندها. كم من امرأة تمنّت لو كانت يدا ابنها محايدتين من البداية، وكم من شاب قضى، على رغم حياده، في حروب ونزاعات لم تفرّق بين مدني ومحارب.
مشهد أم تستقبل نعش ابنها مزغردة، بات أليفاً على النظر وإن يبقى عصياً على الاستيعاب. تصدح زغرودتها باستقبال شاب أرادته متبختراً ببدلة العرس، وإذ به يعود محمّلاً على الأكتاف، ملفوفاً بكفن غالباً ما يكون علم بلاده الذي استشهد في سبيله. تزغرد في لحظة فاصلة بين التسليم بالواقع ونكرانه. تزغرد رافضة الخضوغ لقدر حرمها من رؤية ابنها عريساً.
من تونس الى مصر فليبيا واليمن والبحرين وسورية… نزفت أمهات دموعاً بعد أن جفّت دماء أبنائهن في العروق. حاكت أمهات الثورات العربية أمهات لبنان وفلسطين اللواتي قضين حياتهن خائفات من هجوم اسرائيلي من هناك او اقتتال داخلي من هنا. يعشن في رعب أن يخسرن أبناءهن، مَن اختار منهم درب النضال المسلح، ومَن طاوله الموت لمجرد انه ابن هذه الارض أو تلك، تماماً كطلاب جامعة بغداد، الذين فارقوا الحياة بتفجير انتحاري وصدحت أصوات هواتفهم بين أشلائهم من أمّهات سارعن إلى الاتصال للاطمئنان الى أولادهم الذين التحقوا بركب شهداء العراق بعد ان استباحت يد الغدر مقاعد دراستهم…
حادث سير أو حادث عرضي أو حادث صحي او حادث قتل أو حادث إهمال -كالذي حرم ثلاث أمهات لبنانيات من أطفالهن بعد ان انهار جدار مدرستهم عليهم وعلى زملائهم-… تتعدّد الأسباب والحرقة واحدة، لوعة في القلب لا توصف وأمهات ثكالى يعشن ما هو مخالف للمنطق الذي يقول «الأولاد هم مَن يدفنون أهلهم، وليس العكس».
وقفت نساء كثيرات في الحروب والثورات وهتفْنَ فداء للوطن والحرية والكرامة، هؤلاء الأمهات شكّلن صدمة كبرى لنظيرات لهن ولنساء حُرِمن نعمة الإنجاب. تشكيك أولي في ردّ فعل الأم، وإن كانت تعني ما تقوله؟ ومن ثَمّ نقاش في ما إذا كنّ سيسِرْنَ على خطاها إذا ما كان ذلك يعني نجاة الوطن؟ من دون أن ننسى الانتقائية والنسبية في التعامل مع مفهوم مصطلح «الشهادة»، بين مَن يعتبر ضحاياه شهداء دون ضحايا الطرف الآخر، ومثال على ذلك ما يثيره وضع منهاج التاريخ في لبنان من إشكالية، إضافة إلى النسبية في توزيع صفة «المناضل» و «المعارض»، فالمعارض يستحق القتل بالنسبة الى مناصري الأنظمة، والعكس «صحيح»، ما يضع النظرة الانسانية، في موقع لبس.
معادلة صعبة، أحلى خياراتها مرّ كالعلقم: «الوطن» أو «الابن»، فما نفع وطن سيد وحر ومستقل وديموقراطي من دون «ابن» تضجّ بحركته الشوارع ويعبق المنزل بأحاسيسه، وهل من جدوى لـ «حياة» ابن في وطن لا يتسع له ولأحلامه؟
الحياة