حمّود حمّودصفحات الرأي

أخوات الإخوان: جدل النسوية الإسلامية/ حمود حمود

المقدمة:

يأتي هذا الكراس بعد السقوط المدوي لإخوان مصر؛ لكنه أيضاً يأتي في ظل السقوط التاريخي المتأصل فيهم. وفي الحقيقة، إنّ السقوط الثاني أمتن من الأول وأثبت؛ وذلك بسبب تمأسس الإخوان على طول تاريخهم وفق أيديولوجيات كانت أشبه بالطواحين الأيديولوجية الهوائية، تعارك التاريخ قبل أيّ سلطة سياسية دون إحراز أيّ تقدم لا على الصعيد المعرفي و لا حتى الأيديولوجي. معركة الإخوان أساساً ليست مع السلط السياسية، بمقدار ما هي معركة ضد التاريخ الذي تسير وفقه هذه السلط. إنه السقوط المتأصل فيهم أمام التاريخ. وإذا كان من المبكّر الحكم أنّ الإسلام السياسي قد لفظ أنفاسه الأخيرة على صعيد الصراع على السلطة في أكثر من بلد عربي في ظل الفرص الكثيرة التي قدمها «ربيع العرب» للإسلاميين، فإنّ هذا ليس حاله إذا ما أُخذت الصورة بمستواها الأعمّ والأعمق- أي صراعهم الأساسي والوجودي في محاولة إثبات ذاتهم، إسلاموياً، أمام الغرب وحداثته. فهم من هذه الناحية، ومنذ بدء تشكّل كياناتهم، استمروا في تسجيل فشلهم، المرة تلو الأخرى. لا بل إنّ أيديولوجياتهم لم ترتق حتى إلى مستوى الجدل مع كثير من الأيديولوجيات والنظم السياسية الغربية التي أنتجها القرن العشرون، حتى ولو كانت تحمل ركائز التوتاليتارية، كالنازية مثلاً (رغم تقاطع الإسلاميين معها في اتجاهات متعددة). وهذا يعود بنحو أساس إلى الطبيعة الماقبلية والماضوية التي تُسيّر البُنى الهيكلية لأيديولوجية الإسلام السياسي، بعكس معظم الأيديولوجيات الأخرى التي انطلقت من الوقائع التي فُرضت في عالم الغرب.

هل ينطبق هذا الكلام على «أخواتـ»ـهم، «الأخوات المسلمات»؟ نحاول هنا الإجابة على هذا السؤال. لكن لنتفق بداية على نقطتين: الأولى، أنّ مشروع الأخوات المسلمات لم يقم بالأصل في الربع الثاني من القرن العشرين كمشروع تحرري يبغي تحرير المرأة، حتى ولو كانت المرأة المسلمة؛ وليس كذلك لأنّ «الفاحشة» بدأت تسري وسط نساء مصر كما كان يهذي المؤسس حسن البنا، فأراد أن يخلص مصر منها. المشروع قام بالأصل كمشروع «ضدي» للإخوان المسلمين ككل، حينما بدأ الإخوان يشعرون بأولى هزائمهم الأيديولوجية أمام القادم الغربي، أي الحداثة. وقد مثّل هذا، بالمعنى الدقيق حينها، سقوطاً تاريخياً بقي معلقاً بهم إلى هذه اللحظة. القادم الغربي، هو التحدي الأكبر الذي كان على الإخوان مواجهته. وقد كانت النسوية متضمنة في خارطة القادم الغربي- الحداثة. من هنا ملاحظة، أنّ الأخوات لم يكن ليصعدن لولا بيئة الانحطاط والهزيمة. أليس هذا ما نراه اليوم وهنّ يصعدن في الهواء وسط انحطاط الإخوان الذكور وسقوطهم السلطوي؟

ولأنّ المرأة تمثل البؤرة المركزية في «العقل القضيبي» الإخواني، فمن الطبيعي تكريس معظم الجهود عليها، لكن لا من أجل تحريرها، بل من أجل استخدامها كأداة في مواجهة التاريخ-الحداثة-الغرب. وهذا هو معنى قول حسن البنا حينما شدد في أولى رسائله، «المرأة المسلمة»: «حذار فإن المرأة التي تُصلح الأمة بصلاحها، هي المرأة التي تجلب على الأمة الفناء والاضمحلال بفسادها». وإذا كان الأمر على هذه الدرجة من الخطورة، فإنّ «الأخوات المسلمات» هنّ من سينبرين للدفاع عن ذكورية الإخوان القضيبية.

إننا سنشدد لاحقاً أنّ الأخوات المسلمات لم يكنّ سوى «لواحق ذكرية» في هذا المشروع الإخواني. لذا، سيغدو من الطبيعي أنْ تتنقّل الأخوات المسلمات في آفاقهم الوجودية والمعرفية والسلوكية بحسب ما يلميه عليهنّ الإخوان الذكور: من مجال الأعمال الخيرية والأهلية إلى المجالات الأكثر عمومية، أي السياسة؛ لكن لا من بوابة السياسة (وبخاصة أنّ السياسة مدفونة برمال بعث الماضي)، وإنما من بوابة الرقص على السياسة. وقد أخذنا مثالاً على ذلك، السيدة زينب الغزالي، المرأة الأصولية الكبيرة، أو «المجاهدة زينب» كما كانت تدعى أصولياً.

النقطة الثانية، هي أنّه ينبغي زرع ظاهرة الأخوات المسلمات وفق الخارطة الأصولية الأشمل للعمل النسائي الإسلامي، أي فيما اصطلح عليه غربياً بـ «النسوية الإسلامية». وهذا ليس اجتهاداً شخصياً هنا، بمقدار ما يعود أساساً إلى من اخترع هذا الاصطلاح من نساء غربيات ممن يندرجن في إطار النسوية. وقد حاولنا هنا، قدر المستطاع، درس الاستحقاق اللامعرفي لهذا الاصطلاح، وبيّنا كم أنه اصطلاح مخاتل ومراوغ، لا بل متناقض بذاته.

هكذا، فإننا قمنا أولاً، لكن بنحو سريع، بتحديد ما يعنيه اصطلاح النسوية وكيف نستخدمه في هذا الكراس؛ ثم انتقلنا إلى شرح ملابسات اصطلاح النسوية الإسلامية. وقد دخلنا بعدها إلى سياق ذلك من خلال مثال الأخوات المسلمات: المرحلة التأسيسية، ثم تناول أحد أهم الأمثلة الأخواتية، وهي زينب الغزالي. لينتقل الكراس بعدها إلى درس الأخوات في ظل «ربيع العرب»، وهي المرحلة الأشد التي عاود فيها الأخوات الظهور في ظل ما مرّ وما يمرّ به الإخوان المسلمون. وقد كانت لنا وقفة صغيرة مع الأخوات المسلمات السوريات، رغم عدم فاعليتهنّ الكبرى ضمن ظاهرة الأخوات المسلمات على مستوى التنظيم الإخواني عموماً. لكن كان ينبغي الوقوف قليلاً عندهن وحلّ إحدى الإشكالات المتعلقة برباطهنّ مع ظاهرة «قبيسيات دمشق». وفي الختام، كان لنا وقفة ختامية لنتساءل عن مصير النسوية الإسلامية عموماً، والأخوات المسلمات خصوصاً.

لا يُمثّل هذا الكراس سوى «مقدمة» صغيرة في سبيل الإجابة عن سؤال: ماذا يعني «الأخوات المسلمات» وفق هيكلية النسوية الإسلامية؟ ماذا يعني «الأخوات المسلمات» وفق خارطة «العقل القضيبي» للإخوان الذكور؟ وكل ما أرجوه أنني قاربت الإجابة، ولو قليلاً. وليس من داع للتأكيد أنّ كل ما يصادف في الصفحات التالية من أخطاء أو هفوات، فأنني أتحملها وحدي.

وأخيراً، وليس آخراً، أتوجه بالشكر لمركز «البوصلة» وعلى رأسه الأستاذ نبيل الملحم، صاحب الدعوة لكتابة هذا الكراس؛ وهو الرجل الذي يكرس حياته لا في مصارعة هذا اليباب الضارب فينا فحسب، بل كذلك في إثبات أنّ للحياة الإنسانية معنى تكسوه رمالٌ نحن نخلقها، أنّ للحياة وجودٌ فينا…

موقع الآوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى