صفحات العالم

أخيراً.. اعترف النظام بالشعب السوري!

 


خيرالله خيرالله

صمدت “هدنة الاضحى” ام لم تصمد. وقد تبيّن انها لا يمكن ان تكون هدنة حقيقية، كما لا يمكن ان تصمد. تبيّن أنّ الهدنة التي لم تصمد لا يمكن ان تخفي اهمّ ما كشفته الثورة السورية، وهي بكلّ المقاييس امّ الثورات العربية. كشفت الثورة فشل النظام في تغيير طبيعة المجتمع السوري. ما يؤكّد ذلك ان السوريين ما زالوا صامدين منذ ما يزيد على سنة وسبعة اشهر في مواجهة نظام لا يمتلك من خيارات غير الغاء الآخر. هل في استطاعة نظام، مهما بلغت قوة النار التي يمتلكها من الغاء شعب بكامله، خصوصا متى كان هذا الشعب يمتلك الارادة الصلبة التي لدى الشعب السوري؟ لو كان ذلك ممكنا او واردا، لكان الاتحاد السوفياتي ما زال حيّا يرزق هو والانظمة التي كانت تدور في فلكه، خصوصا في القارة الاوروبية.

حقّق الشعب السوري اخيرا خطوة لا يمكن الاستهانة بأهميّتها وذلك على الرغم من تقاعس المجتمع الدولي الذي تعبّر عنه مواقف مجلس الامن الذي يكبله الفيتو الروسي- الصيني من جهة والميوعة الاميركية من جهة اخرى. تتمثّل هذه الخطوة في النتائج السياسية لـ”الهدنة” التي لم تصمد نظرا الى أنّ النظام السوري لا يستطيع الالتزام بعدم اطلاق النار على السوريين لمجرّد خروجهم الى الشارع وابداء رأيهم فيه!

كانت فكرة التوصّل الى هدنة فكرة مهمّة في حدّ ذاتها، ذلك انها المرّة الاولى التي يجد فيها النظام نفسه مضطرا الى الاعتراف، وان ضمنا، بانّه في مواجهة مع طرف آخر يمثّله “الجيش السوري الحر”. لو لم يكن الامر كذلك، لكان النظام بقي يردد معزوفته القديمة عن وجود “ارهابيين” مطلوب القضاء عليهم…ومتى تحقّق ذلك، تعود الاوضاع الى طبيعتها في كلّ انحاء البلد. اسقطت الهدنة الحجة الاساسية للنظام المتمثلة في أنه يخوض مواجهة مع مع ما يسمّيه “مجموعات ارهابية”.

اخيرا اعترف النظام السوري، وان من دون ان يعترف، بالشعب السوري بعدما كان هذا الشعب الى ما قبل فترة قصيرة “مجموعات ارهابية مدعومة من جهات خارجية”. هذا على الاقلّ ما كان يقوله الرئيس بشّار الاسد امام زوّاره رافضا الاعتراف بأنّ في سوريا ثورة شعبية وان الشعب السوري الذي اعتقد انه جرى تدجينه على مراحل منذ تولي الرئيس الراحل حافظ الاسد السلطة في العام 1970 لا يزال شعبا حيّا. أنّه شعب يؤمن بالحرية والسيادة والكرامة وليس بالشعارات المضحكة- المبكية التي لا تنطلي على احد من نوع “الممانعة” و”المقاومة”.

يعرف الشعب السوري قبل غيره أنّ هذه الشعارات التي رفعها النظام منذ سنوات طويلة ليست سوى غطاء يستخدم للسعي الى تغيير طبيعة المجتمع وتحويل السوريين الى مجرّد عبيد يعملون في مزرعة تديرها شركة مساهمة اعضاء مجلس الادارة فيها من افراد العائلة الحاكمة لا اكثر. ظهر بكلّ وضوح أن المجتمع السوري ما زال يضمّ قوى حيّة تقاوم الظلم والعبودية.

رفض السوريون وما زالوا يرفضون ان يكونوا عبيدا لدى العائلة الحاكمة وأن تتحكم بهم اقلّية تسعى الى الاستفادة من الغريزة المذهبية لربط بلد عربي مهمّ ربطا عضويا بايران- ولاية الفقيه. لذلك ثار السوريون في آذار- مارس 2011 وقد آن اوان قطف ثمار الثورة المستمرة التي لا يمكن ان تتراجع بأيّ شكل لسبب واحد على الأقلّ. يعود هذا السبب الى ان عودتهم الى منازلهم لا يمكن ان تعني سوى الموت رميا بالرصاص او دخول زنزانة من دون رقم ليس معروفا متى يمكن المرء ان يخرج منها، هذا اذا خرج يوما.

ليست الهدنة، التي لم يحترمها النظام، سوى بداية. انها خطوة اولى على طريق طويلة لا يمكن ان تنتهي الاّ بزوال هذا النظام الجاثم على صدور السوريين واللبنانيين والعرب اجمعين، نظام يمتلك من الخبث ما يجعله يشجع حزبا مذهبيا يمتلك ميليشيا خاصة به في لبنان ويدعمه…بينما نراه يدعو الى العروبة والعلمانية في سوريا!

مع ظهور العجز عن تطبيق “هدنة الاضحى”، التي تعتبر انجازا للمبعوث الدولي والعربي السيّد الاخضر الابراهيمي، والتي تشكّل الاعتراف الاول للنظام بوجود شعب اسمه الشعب السوري، لا يمكن الاستهانة بالمخاطر الكبيرة التي لا تزال تحيق بسوريا ككيان موحّد.

على رأس هذه المخاطر اعتقاد النظام أنّه لا يزال في استطاعته اللجوء الى خيار “الجيب العلوي”. وهذا ما يفسّر الى حد كبير كل هذا التركيز على تهجير اهل السنّة من حمص ودخول “حزب الله” بشكل مباشر على خط العمليات العسكرية في تلك المنطقة.

الملفت أنّ احياء عدّة في حمص دمّرت كليا وصار اهلها خارج المدينة. هل هذا ما يجعل النظام والذين يقفون وراءه في موسكو وطهران يراهن على عامل الوقت وعلى انه كفيل بتفتيت سوريا وتغيير طبيعة مجتمعها في اتجاه تفكير كلّ مجموعة في اقامة حكم ذاتي في منطقة خاصة بها؟

من يتابع تركيز النظام على تدمير حمص حيّا حيّا، يجد أنّ غياب الرغبة الدولية في دعم الثوار جريمة لا تغتفر. ذلك أنّ اطالة امد الحرب الداخلية والسماح للنظام بمتابعة رهانه على “الجيب العلوي” جريمة لا تغتفر. لا لشيء سوى لأنّ مثل هذا الرهان سيمزّق المجتمع السوري وسيسمح بنمو قوى التطرّف بدل المخافظة على القوى الحية في المجتمع، وهي القوى التي قاومت النظام وما زالت تقاومه منذ ما يزيد على اربعة عقود!

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى