مراجعات كتب

أربعة باحثين في السلم والنزاع الأهلي في سوريا مآلات متقاربة بعد تحديد المقوّمات والمهدّدات

يقف الانسان السوري اليوم عاجزا امام عبثية المشهد بكل تجلياته وقواه السياسية وتياراته الفكرية السلمية منها او العسكرية، غير قادر على فك طلاسم الواقع السوري المتشظي والمهدد في سلمه الاهلي الذي لم يوضع بعد تحت مجهر البحث والدراسة بشكل جدي، وكل ما كتب عن هذا الواقع هو عبارة عن تحليلات صحافية غير معمقة تتناول جزئية هنا او هناك، ولا توجد دراسات نقدية تحليلية جدية في ما يخص السلم الاهلي وعوامل النزاع الكامنة، في هذه المرحلة البالغة الحساسية، والتي قد تستجلب الحرب الاهلية اذا لم يتوافر الوعي بما قد تؤول اليه الاوضاع.

كتاب عوامل السلم الاهلي والنزاع الاهلي في سوريا، الصادر عن “مركز المجتمع المدني والديموقراطية في سوريا”، يعتبر احد الكتب البحثية المهمة في هذا المجال، اذ يتناول واقع السلم الاهلي وعوامل تكريسها وعوامل النزاع الاهلي وانفجارها من خلال تحديد مجموعة من النقاط التي تم استخلاصها من الجلسات التدريبية والاجواء التفاعلية والنقاشات التي سادت ورشات الاعلام المدني، والنتائج التي تمخضت عنها، وتقديم هذه الآراء الى اربعة باحثين سوريين متابعين لمجرى الاحداث وسياق التحول في سوريا للاستئناس وتطعيم دراستهم بها كونها عبرت عن وعي شريحة من المجتمع السوري متابعة لواقع معظم المناطق السورية.

وقد اغنت تلك الآراء مشروع الدراسة النقدية التي لم تكن من النمط التقليدي المثقل بالمصادر والاشارات المرجعية، بل كانت عبارة عن رؤية نقدية تفكيكية لآراء عينة البحث المستهدفة ومنهجية التقصي المعتمدة والتي قد يكون لها دور ايجابي في حفر المفاهيم السائدة وتجاوزها نقديا وصولا الى معرفة اكثر انفتاحا بالواقع المتأزم.

مقومات السلم الاهلي واركانه:

يتطرق الكتاب في مدخله الى مجموعة من المقومات يجب توافرها من اجل صون السلم الاهلي وترسيخه في اي مجتمع، وتتمثل هذه المقومات في تعزيز الادارة التعددية والاحتكام الى القانون والحكم الرشيد وحرية التعبير والعدالة الاجتماعية، ووجود اعلام حر ومتوازن، والعدالة الانتقالية وتجريم التفاضل العصبوي التقليدي.

حتى يتمكن اي مجتمع من بناء السلم الاهلي المنشود يجب: ان يعيش الانسان حياته، ويمارس اعماله بحرية مسؤولة، وان يحصل على متطلبات عيشه وحقوقه بيسر وسهولة، من دون ان يخشى الاعتداء على حقه او ماله او على امنه الشخصي او امن اهله.

الكتاب في اربعة اجزاء تضمن كل جزء منه دراسة لباحث. تناول الجزء الاول دراسة لمحمد سامي الكيال عن عوامل النزاع والسلم الاهلي في سوريا، والثاني دراسة لناريمان عامر بعنوان سوريا: في ما يؤجج سلمها ويطفئ عنفها، وتضمن الجزء الثالث دراسة لبدرخان علي بعنوان الصراع الاجتماعي السياسي في سياق الثورة والحرب، اما الرابع فهو دراسة للباحث محمد ديبو عن الطائفية كعامل من عوامل النزاع الاهلي.

تباينت رؤية المشاركين في البحث باختلاف ادوات التحليل وتفسير مقومات السلم الاهلي ومهدداته، فاذا كان الشباب الذين شكلوا العينة المستهدفة اسرى المنهجية المسبقة لتلك المحددات بين (مقومات ومهددات) وتعاطوا مع مكونات جامدة (الطائفية – القومية – طبقة)، فان ورقة سامي الكيال رفضت التعامل مع تلك المكونات وآثرت الاشتغال على دراسة الفعل والبنية المتجادلة، لذلك وصل الباحث الى استعارة مفهوم التوق للحياة بدلا من السلم الاهلي الجامد.

في السياق ذاته، ذهبت ناريمان عامر الى ان الثورة السورية تعبير عن قمع سلطة مديد (عامل داخلي) وجدت مبررها في (العامل الخارجي) واستغنت عن محددات المنهج المسبق التي اتكأ عليها الناشطون، وطرحت فكرتي غياب الهوية والمشكلة الاقتصادية في تفسير السلم الاهلي وزعزته.

اما بدرخان علي فدخل من مدخل بنية النظام لابنية المجتمع لتفسير الثورة وعلاقاتها بالسلم الاهلي وان النظام السوري من النمط السلطاني الشمولي الذي يتمتع بعمق السلطة وهشاشة الدولة وقد انفرط العقد الاجتماعي بينه وبين المجتمع، ما زاد في استخدام العنف والعنف المضاد.

بدوره فكك محمد ديبو بنية النظام من بوابة الطائفية، فتوصل الى ان النظام ليس طائفيا، بل يستجدي الطائفة بقدر مصالحه ويتشابك مع طوائف اخرى ويستخدم الطائفية المطبقة، ويضرب اعداءه بتهمتها لذلك كانت الثورة وكان تأخر حسمها.

هكذا تجد في قراءة هذا الكتاب المتميز ان جميع من ادلوا بدلوهم قد اتفقوا على الهدف، ولكنهم اختلفوا في الرؤية واداة التحليل، بيد انهم وصلوا الى مآلات متقاربة في بناء السلم الاهلي او نسفه. (الكتاب الكتروني)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى