أردوغان الذي جنّ/ حـازم صـاغيـّة
حُجبت خدمة تويتر في تركيا، نزولاً عند رغبة “سلطانها” ورئيس حكومتها رجب طيّب أردوغان. وهذا قرار يرقى إلى جنون، بيد أنّه جنون ملوّث وخبيث لأنّ المقصود منه التغطية على فضائح فساد (متاجرة بالذهب الإيرانيّ) تورّطت فيها عائلة أردوغان وكان تغريد تويتر أبرز ناقليها ومروّجيها.
لقد انضافت الصفاقة إلى الجنون.
قرار أردوغان يأتي مضادّاً لكلّ ما يجري في تركيّا وفي العالم سواء بسواء. فهو يحصل فيما ملايين العرب ماضون، بأشكال مختلفة، في المطالبة بالحرّيّة وبالحقّ في المعرفة والاطّلاع على ما يحصل في الكون.
والحال أنّ الشبيبة المدينيّة خصوصاً لم يعد يسعها العيش من دون وسائط التواصل الاجتماعيّ. أمّا العالم الغربيّ، الذي كان أردوغان يعلن الرغبة في الاندراج فيه، فلا يكنّ سوى الاحتقار لمن يحجب تويتر، بينما تغدو مطالبته بدخول أوروبا أقرب إلى مزاح سمج.
في تركيّا نفسها، لن تواجه الرأسماليّة الأناضوليّة، حليفة أردوغان في صعوده السياسيّ، قرار الأخير بغير الاستياء. ذاك أنّ مصالحها المتشابكة مع مصالح العالم لا تحتمل هذه المكابرة الجهولة كما عبّر عنها رئيس الحكومة القائل إنّ “المجتمع الدوليّ” لا يهمّه.
حتّى حزبه نفسه، حزب العدالة والتنمية الحاكم، يُشكّ كثيراً في قدرته على التعايش مع مثل هذا القرار. وفي سياق كهذا يمكن النظر إلى اعتراض رئيس الجمهوريّة عبد الله غول على قرار رفيقه رئيس الحكومة الذي يتصرّف كمن فقد صوابه.
والحقّ أنّ الأخير ينتقل، منذ مواجهات ساحة تقسيم التي عالجها بالعنف، من أزمة إلى أخرى، وقد تتوّجت تلك الأزمات، السابقة على حجب تويتر، في صدامه بالداعية فتح الله غولن بينما كانت روائح الفساد تتصاعد منبعثة من بيته. أمّا الإنجازات، وأهمّها تدشين تسوية مع “حزب العمّال الكردستانيّ” تنهي الحرب التركيّة – الكرديّة المديدة والمكلفة، فيبدو أنّها توقّفت.
وهذا بعدما انهارت نظريّات وزير خارجيّته داوود أوغلو عن “الصفر مشاكل”، ليتبيّن، بعد الثورة السوريّة خصوصاً ولكنْ أيضاً بسبب الخلاف مع مصر، أنّه لا توجد سوى المشاكل.
غنيّ عن القول إنّ النهج الذي يتّبعه أردوغان، وآخر تعبيراته حجب تويتر، ينمّ عن نزوع استبداديّ ضيّق الأفق سبق أن استعرض نفسه في اعتقال الصحافيّين ومحاصرة حرّيّاتهم وحرّيّات مؤسّساتهم. وما من شكّ في أنّ نهجاً كهذا، يقوم على خنق التعبير، يُفقد أردوغان كلّ الميّزات التي كانت تدفع إلى تفضيله على العسكر الذي حكم البلد، مباشرة أو مداورة، لعقود.
لكنّه أيضاً يثير مخاوف جدّيّة حيال العودة إلى العنف، على ما يحصل حين تُسدّ آفاق التعبير والاختلاف السلميّ. ولا ننسى أنّ تركيّا تحتضن أزمات ضخمة كتلك الكرديّة وتلك العلويّة، ناهيك عن التناقض الضامر راهناً بين الإسلام السياسيّ والمؤسّسة العسكريّة.
ويبقى أنّ نتساءل، فيما يجنّ أردوغان ويتكشّف عن فاسد مستبدّ آخر، عن معاني بعض العبارات – المفاهيم التي راجت طويلاً، كالقول بمصالحة الإسلام والديمقراطيّة، أو مصالحة الإسلام والحداثة انطلاقاً من التجربة التركيّة في ظلّ قيادة… أردوغان.
موقع لبنان ناو