صفحات الثقافة

أريد أن أصير مانوكان في مواجهة العدم/ سهى عواد

من هنا الطريق

أغرس أسناني في قصيدة. في جثة. أحدّق فيها وأتساءل لماذا لم تصفعني بعد. أرى قصائد مشنوقة في الغرفة. أضيئها وأبصر بعينيها. أرى جثة وحيدة في الزاوية، أناولها كأساً وأبتسم. أرى أمّاً تحاول إعادة طفلها إلى بطنها صارخةً: من هنا الطريق. أحكّ دمي، أتوتر. ثمة شجرة تريد أن تتزيّن برقبتي، وخزانة تتساءل عن طول عظامي. ثمة عازف في الخلف يريد المزيد من الأصابع من أجل مقطوعته الجديدة.

الجميع ينتظر.

* * *

أليس

خذي يا أليس. هذه حفرة ارتديها. هذا أرنب أبيض ضاجعيه. خذي فمي وامضغيه جيداّ. تعالي قليلاً يا أليس، دعي الشمس تمرّ، دعي الحياة كلها تنزل في المحيط.

أسلّمك مفتاحاً ومسدساً. رتّبي كلّ شيء من أجل أن تكون طلقتكِ جاهزة للانطلاق.

* * *

صورة

أذهب ألف مرة إلى صوتك وأرجع عارية. أصوّر نفسي. أخلط لعابك بالسمّ لأحمّض الصور. أدخل رئتي إلى جسدي وأطرد اسمك قبل أن ألبس فستاتي.

* * *

كيف خلقت نفسي

قدمي اليسرى ثعبان يغوي قدمي اليمنى، بينما التفاحة تتفرّج وتأكل نفسها ببطء.

أتوقع أن تمتدّ ساقي لتعانق رجل الكرسي. أتوقع أن تقفز في اتجاه أعمى لتلعب دور عصاه. أتوقع أن تتركني وترحل لأنها أحبّت.

ثمة إلهٌ ثقب حائط غرفتي ونظر. قال لي خذي هذا التعب وابني لنفسك روحا صالحة. وهذا مسدس عندما تنتهين.

* * *

أنوريكسيا الجماهير

عندما كنت صغيرة كنت أتخيل أنني أقدم برنامجا عبر المرآة. لم أكن أذهب لتناول الطعام مخافة أن يضيّعني الجمهور. أصبتُ بأنوريكسيا الجماهير.

* * *

نزوة

أريد أن أقرأ قصة. أن أقرأ رواية. عن رجل شقّ طريقاً وسط رأسه. عن قراصنة، عن ملاحقة. أريد أن أقرأ عن الحرب. لا أن أعيشها. أريد أن أكون بطلة. أريد أن أرى جبلاً يتدحرج. وطرقاً تندمل. وبوابات تفقّس كالبوشار في هذا الركام. أريد أن أرى مهرّجاً. اجلبوا لي هذا المهرّج. وليحمل المهرّج الطنجرة. ولينفجر. وليسقط في البوّابة. وليكن شهيد البدايات الجديدة. اجلبوا لنا التابوت من فضلكم. والرقّاصة.

* * *

اشتريت هذه القصائد البارحة

هناك تسعة ملايين قذيفة في انتظاري. تسعة ملايين أقول لك. فكيف أخرج من البيت؟

* * *

ثمة شجرة في اﻷرض أخالها أحيانا كعبي. اعتليها بدون شفقة.

* * *

أنها تلك اللحظة مجدداً. أوقف السيارة. أعرف أني وصلت. لا أقوى على النزول. أتطلع إلى الساعة. إلى الراديو. أرغب في سماع انفحار في تلك اللحظة. لم أعد اتذكر كم مرّ من وقت وأنا على هذه الحال. هل تأتي الحرب اللعينة؟ أنا في حاجة ماسة لقتل أحدهم. لأهدئ من روع بندقيتي. ﻷغسل يدي بدم طازج.

* * *

أشرب ماء كثيراً. أسقي أظفاري. وأتخيّل فاكهتها المقبلة.

* * *

قال عمي، وهو مستلق على سريره في المستشفى، إن عليَّ انقاذه من مؤامرة تحاك ضده. قال إنهم يريدون قتله. قلت له لا تخف. لا تخف. ثمة من يريد قتلهم أيضاً.

* * *

تخبرني مريضتي عن النمل الذي يسرح في جسدها وعن الانسان الآخر الجالس في هذا الجسد، الذي يحاول أن يطرد النمل.

* * *

في استطاعتي ربما تدخين التعب. أو غرز غيمته في صدري. وإنجاب مخدرات جديدة منه تكفي لمنع حرب جديدة. تكفي لقيام الأشجار بثورة أخيرة.

* * *

حسناً أيها الحائط، يبدو أننا قريبان. ألا تتذكر أنك أنجبتني عندما كنت حقلاً.

* * *

أنا والله والمانوكان

كيف نأكل والأرض تتقيأ كل يوم؟ ثمة جثث قرب الأشجار التي أحاول أن أزرعها في شعري. جثث تحشر نفسها بين الشعرة والمشهد. أعرف من ضيّع جثته. من باعها أو أودعها البنك. أعرف من هجرها. من تركها ليوم شتائي بارد. أعرف أن الخزائن لم تعد تتسع ولا الأفواه ولا الضلوع. حتى المحال التجارية، حتى الصحراء. حتى الكواكب المكتشفة حديثاً التي لم نرها من قبل. لا نرى سوى الجثث. ها هنا جثة الله. معروضة على شكل مانوكان.

* * *

القلب مجموعة قنابل صغيرة. كبسة واحدة. عملاق يقف على أمنيتي الأخيرة. يشدّ حزام عقله. أطلبي وتمنّي. أطلب ان أصير جثة جميلة. أن لا ينتفخ وجهي وأن لا تغادر عيناي بحرهما. أن أصير مانوكان في واجهة العدم. على صورة الله. نتفرج على الكوكب يحترق. الله يا عاشق الحرائق ستسجن. أتمشى بثوب جديد. بعض الرماد يلحق برجلي. أنفضه كذكرى. جثة أخرى أصطدم بها. علينا تنظيف هذا المكان يا الله وبسرعة. أحمل مكنسة وثوباً وأكنس بجثتي المكان. وهذه الأرض. يا بقعة دم سابحة في الفضاء. تخثري. ارتمي فوق نفسك واثقلي. ربما تقعين ولا يلتقطك أحد.

* * *

كان اسمي محمود عندما قررت الذهاب إلى ماليزيا

لم يكن دائماً اسمي محمود، لكني الآن في هذا الجسد، أنا محمود. ألبس شورتًا كحلياً وأتحدى الحر. أقف في طابور طويل أنتظر من الرجل الجالس وراء المكتب في آخر الزاوية أن يغيّر اسمي. أن يدعوني ممدوح في الأقل. الناس الواقفون معي يريدون تغيير أسمائهم. كلنا خلقنا بأسماء لا نحبّها. حتى الله. ما هذا الاسم يا الله؟ كأنه لا شيء. لو كنت الله لطالبت بتغيير اسمي على الفور وسمّيتُ نفسي تيودور ولبستُ رداء أحمر وطاردتُ نفسي. أتطلع من حولي جيداً، لأرى ما اذا كان الله مندسّاً هنا في الطابور يعمل على تغيير اسمه عند المختار أيضاً. أحمل الهوية مجددا. أتفصحها. حسنًا يا محمود، أسأل الشاب الصغير في الصورة، إلى أين تريد أن تذهب الآن؟ أجاوب نفسي بكل ثقة: إلى ماليزيا طبعاً. إلى ماليزيا.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى