صفحات سورية

أزمات المنطقة بين الترابط الموضوعي ودواعي الانفكاك؟/ مهران سالم()

 

 

قليلون أولئك الذين ما زالوا يمارون في مدى الترابط القائم بين الأزمات الضاربة في أرجاء العالم العربي وفي الإقليم، وخصوصاً لجهة القوى الإقليمية والدولية الفاعلة فيها، وتأثير ما يجري منها في ساحة على الأخرى. فالنزاع متعدد الأبعاد والمناحي، الدائر في العراق على سبيل المثال، لا يمكن في أي حال من الأحوال، فصله عن نظيره في سوريا، كما لا يمكننا أن نتجاهل تفاعل وتأثير تطور النزاع، في كلا البلدين، على الأوضاع في اليمن أو في لبنان، والعكس صحيح أيضاً. فتطور الصراع العسكري والسياسي في اليمن، مثلاً، ستكون له انعكاسات أكيدة على مجريات الصراع في باقي الساحات الأخرى، وأفق التحولات السياسية الممكنة فيها.

ويندرج في هذا السياق، الترابط الوثيق بين العملية «العسكرية والسياسية« التي تقودها السعودية في اليمن، والاتفاق المنتظر بشأن الملف النووي الإيراني، فاتفاق طهران مع مجموعة «5+1«، وخاصة مع الولايات المتحدة، وما يستتبع ذلك من انعكاسات جيو- سياسية في المنطقة، تنقل إيران من دولة «مارقة«، وفق التصنيف الأميركي السابق، إلى الدولة الأكثر نفوذاً وتأثيراً على مستوى الإقليم، يجعل من البحث في إظهار صلات الترابط بين الحدثين أمراً نافلاً – من العبث إضاعة الوقت والجهد عليه. في وقت دأبت فيه طهران، على فعل كلّ ما من شأنه أن يثير المخاوف المشروعة لدى غالب دول المنطقة والبلدان الخليجية.

وسبق لتلك الدول والبلدان أن أبدت مخاوفها من أن يمهّد إبرام اتفاق نووي مع إيران إلى تحولٍ جوهري في ميزان القوى والبيئة الاستراتيجية المحيطة بها، فيما يسود انطباع لديها بأن إدارة البيت الأبيض، (المهجوسة بالاتفاق المنشود مع طهران، والذي يبدو وكأنه يشكل غاية وأولوية قصوى لها، لا تتقدّم عليها أية غاية أو أولوية أخرى)، لا تمانع، أو أقلّه لا تبالي، بتكريس النفوذ الإيراني في المنطقة، (والذي قد يمنحها الجرأة على المزيد من التدخل في شؤون الدول الأخرى، وفق التقدير الخليجي)، في حين تعتبر غالب الدول الخليجية أن مشكلاتها مع إيران أكبر بكثير من ملفها النووي، وأن التوصل إلى اتفاق بشأن هذا الملف لا يعدو كونه غطاءً، أو مجرد وسيلة، لتثبيت موقعها كلاعب إقليمي «أول«، بعد ما راكمته خلال السنوات السابقة من نفوذ في أكثر من بلد عربي.

ويبدو، في هذا الإطار، أن ما تمخض عن قمة «كامب ديفيد« الأميركية – الخليجية من نتائج، لا يكفي لتهدئة الهواجس المثارة، إذ بدا على نحو واضح أن إدارة أوباما تراهن على تجديد تحالفها أو «شراكتها« مع دول مجلس التعاون الخليجي، مثلما تراهن أيضاً على بناء علاقة «طيبة« مع طهران! كما بدا كذلك أن هذه الإدارة ليست بوارد التدخل، أو بالأحرى العودة للتدخل، بـ«قوة« في نزاعات المنطقة، انسجاماً مع الرؤية التي حملها أوباما منذ ولايته الرئاسية الأولى، (اللهمّ، إلا في حال العدوان العسكري الفاضح على حلفاء واشنطن). ولعلّ هذا ما يفسر تهرّب الرئيس الأميركي من السعي إلى توقيع معاهدة دفاعية مع الدول الخليجية، وذلك حرصاً منه، كما يبدو، على الاتفاق النووي المنتظر مع طهران.

وعلى ذلك، يدعو كثير من المراقبين إلى «الحذر الشديد« في التعامل مع الإدارة الأميركية، وفي أي ملف من الملفات المطروحة. فهذه الإدارة «اللاهثة« من أجل إرضاء طهران، لا تتساءل على نحو جدي عن مدى التزام الأخيرة بالمبادئ التي سعى أوباما إلى إقرارها في قمة «كامب ديفيد«، من قبيل «احترام سيادة الدول«، وأن «لا حل عسكرياً للنزاعات الأهلية الدائرة، بل يجب اعتماد الوسائل السياسية والسلمية«، وصولاً إلى أن «الحكم يجب أن يشمل مختلف المكونات الاجتماعية، ويحترم حقوق الإنسان ويحمي الأقليات…«!

وعلى خلفية تحضير المسرح الإقليمي لجلوس اللاعبين الأساسيين إلى مائدة المفاوضات، غدا تاريخ الثلاثين من حزيران (يونيو) المقبل، (المهلة الأخيرة لإبرام اتفاق نووي مع إيران)، موعداً تُربط به الكثير من الاستحقاقات في المنطقة العربية؛ من مستقبل العملية العسكرية والسياسية في اليمن، إلى مصير «جنيف3« الخاص بسورية، إلى مستقبل الحرب على «داعش« (في وقت تبدو فيه إدارة أوباما وهي تنتقل من فشل إلى آخر في مسار هذه الحرب، مع سقوط المزيد من المدن والأراضي العراقية والسورية بيد «الدولة الإسلامية«)! إلى مستقبل الانتخابات الرئاسية في لبنان، وصولاً إلى تأجيل تقديم مشروع قرار فرنسي إلى مجلس الأمن خاص بالقضية الفلسطينية.. الخ.

مما يوحي، وكأن البحث في حلول ممكنة لكل تلك الأزمات والاستحقاقات سيكون في إطار «صفقة كبرى« تشملها جميعاً. وبالتالي، فإن على كلٍ منها أن تقف منتظرة نضوج الظروف الموضوعية والذاتية التي ستساهم في «ولادة« هذه الصفقة الشاملة، ولكن «المتمنّعة والمتعثرة«، والتي بات انتظار مجيئها أشبه بانتظار غودو بطل مسرحية صامويل بيكيت الشهيرة.؟!

وهنا يبرز الخلاف مع هذه الرؤية، التي نعتقد أنها تنطوي على قدر لا بأس به من الاستسهال والتبسيط، إذ إنه وعلى الرغم من الإقرار السابق بتشابك تلك المسارات وحلقات الصراع الدائر، إلا أن التفكير في مقاربة حلول لها يقتضي العمل على فك ارتباطها القائم في ما بينها، والانتقال إلى التفكير (النظري والعملي) في حلول تدرّجية ومنفردة لكل حلقة من حلقاتها على حدة. وبغير ذلك فإننا قد ننتظر طويلاً، كيما يتسنى لنا الوصول إلى الاتفاق المنشود بشأنها جميعاً، ودفعة واحدة! أي أن نعاود الكرّة ثانياً، ويحصل بنا مثلما حصل في السابق، عندما ربطنا مشكلات العالم العربي جميعها (التنمية، العدالة الاجتماعية، التعددية والديمقراطية..) بحل الصراع العربي – الإسرائيلي!

لعل «الحصاد المرّ« لذلك، هو الذي أوصلنا إلى ما نتخبط فيه من «أوحال« في المرحلة الراهنة؟!

() كاتب من سوريا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى