أسئلة من أجل سوريا
الفضل شلق
الوضع السوري يؤرّق العرب شعوباً وحكومات، لأسباب مختلفة بالطبع، نظراً لما لسوريا من موقع في الوطن العربي وفي قلب كل عربي.
لا بد من هذا المنعطف التاريخي من طرح بعض التساؤلات:
– ماذا يربح النظام إذا كسب نفسه وخسر شعبه؟
– هل تأخر الوقت ليكسب شعبه، أم بات ذلك مستحيلاً بعد إصدار الدستور وتعيين موعد الاستفتاء؟
– كيف يمكن للنظام العودة للتعايش مع شعبه بعد ما حدث من قتل وتدمير، أياً كان المسؤول عنهما؛ وسواء كان ذلك المسؤول هو النظام أو أعداءه أو كلاهما؟
– هل يمكن التعايش من دون حل سياسي يسبق الحل الأمني؟ بالأحرى هل الحل إلا سياسي؟
– العيش سوية يتعلق بالنظام وأجهزته وبالطوائف والمتشنجين فيها؛ ويخطئ كل من يعتقد بإمكان الانتصار على الخصم الطائفي، مهما كانت الفروق العددية؛ ليست الأعداد هي التي تنتصر في المعارك والحروب.
– هل كان الدستور الحالي (السابق) مدخلاً لسيطرة الحزب على السلطة أم نتيجة للسيطرة على السلطة؟ فلماذا يُمنح فرصة دستورية الآن؟ أما كانت إزاحة الحزب ممكنة باكراً لتجنيب سوريا ما أصابها؟
– الحل السياسي هو الذي يضمن وطنية النظام، لأن بقاء النظام مرهوناً بالدعم الخارجي، مهما كان هذا الدعم، ومن أي مصدر جاء، فإنه يلقي أسئلة حول استقلالية النظام. أفلا يقوّض ذلك القوة المعنوية الكبرى عند النظام؟
– أفلا يطرح الحل الأمني أسئلة لدى الناس حول جدوى التعايش؟ ألا يعني الحل الأمني الغلبة والتفوق. وهل يمكن الحل (السياسي) مع الغلبة والحل الأمني؟ لا تلتقي السياسة بالأمن بل تفترقان. يبدأ الأمن حيث تنتهي السياسة؛ وتبدأ السياسة حيث ينتهي الأمن.
– إذا كان بعض معارضي النظام (ولا نقول كلهم) يدعون للتدخل الخارجي (وهذا ترفضه كل الشعوب العربية)، وإذا كان النظام مدعوماً خارجياً، أفلا تعود سوريا لأن تصبح مسرحاً للصراعات الدولية كما كانت في الخمسينيات؟ وذلك بعد عقود من صيرورة سوريا لاعباً كبيراً ومركزياً في المنطقة؟
– مهمة كل نظام هي حل مشاكل شعبه، ألا يضعف النظام أن يصير مشكلة لشعبه؟ عندما يفقد أي نظام زمام الأمور، وعندما يعجز عن الحلول السياسية، يصير مشكلة لشعبه.
– عندما يصير النظام مشكلة لشعبه، هل يُلام الناس على البحث عن حل من خارج النظام. النظام وخصومه يبحثان عن حل من خارج النظام، ومن خارج سوريا. هل يجوز أن تكون سياسة النظام مجرد رد فعل على مبادرات الخصوم؟ أليس الادعاء: البادئ أظلم، هو بمثابة الوقوع في فخٍ ما؟
– إن دعوة خصوم النظام للتدخل الخارجي مرفوضة كلياً لدى كل الوطنيين السوريين والعرب، أما كان أجدر بالنظام أن يواجهها في تحالف كلي مع شعبه؟
– الثورة شيء والمعارضة شيء آخر. الثورة يصنعها الناس، والمعارضة تنافس النظام من أجل السلطة. لا انتصار مبرراً إلا لمن يتحالف مع الثورة والناس.
– الثورة العربية شاملة، وهي من المحيط إلى الخليج، تهدر بقوة زائدة: لا يستطيع أي حاكم عربي إنكار ذلك. يخطئ من يعتقد أنه بمنأى عنها. لدى سوريا، شعباً ونظاماً، رصيد لا يتمتع به غيرهما، فهل فات الأوان للتصرف وكأن الثورة إرادة النظام السوري كما هي إرادة الشعب السوري؟ أما آن الأوان كي يتصرّف النظام بوتيرة لا تقل عن وتيرة الثورة العربية؟ البطء في التصرّف إزاء ما يجري هو كعدمه.
– ما مضى قد مضى، وما هو آت يبعث على الخوف والهلع. ما يهيأ لسوريا في مجلس الأمن وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، بدعم أو طلب من الجامعة العربية، يذكر بالسيناريو العراقي خلال العقدين الماضيين. هل تستطيع سوريا الصمود من دون تضامن شعبها كما في حروب التحرر الوطني؟ من دون الوحدة الداخلية التي حققتها بعد الانتداب الفرنسي، وبرغم الانتداب. ألا تحتاج سوريا إلى تعبئة وطنية كما في حرب التحرر الوطني؟
– الموضوع الآن ليس الصراع على السلطة، بين النظام وهذا الفريق أو ذاك، وليس الصراع الدولي على سوريا بين هذه القوة الدولية أو الإقليمية العظمى أو تلك، بل الموضوع هو الحفاظ على التراث الوحدوي لشعب، ما عرف إلا الوحدة الوطنية والقومية طريقاً له أو هدفاً لنضاله. ألا يكون النظام مؤتمناً على هذا التراث الوحدوي؟
– ألا يتطلب الأمر مخيالاً سياسياً أكثر إبداعاً مما شهدناه؟ وهل مكتوب علينا أن نناقش خصوم النظام بالصغائر والأمور الجانبية؟
– هل يحق لنا أن نناقش ونحاور إلا دفاعاً عن قضايانا الكبرى في الوحدة والحرية والاشتراكية (يسميها البعض الآن عدالة اجتماعية؛ فكأن العدالة الاجتماعية يمكن أن تتحقق في ظل نظام ليبرالي في زمن الليبرالية الجديدة التي يسمونها متوحشة).
– هل يحق لنا إلا الدفاع عن سوريا في ظل أي نظام يحكمها؟ وهل يحق للنظام إلا الدفاع عن الأمر الذي وجد من أجله؟ في كل البلدان العربية الأخرى انفصلت الوطنية عن القومية، إلا في سوريا، فهناك الوطنية والقومية شيء واحد.
– في الشؤون اليومية، وفي الحياة العادية يكون طبيعياً أن يهتم المرء بأموره الخاصة، وأن يكون لذلك أولوية عنده؛ أما في الظروف الثورية، وفي المنعطفات الثورية (والثورة منعطف تاريخي) فإنه من الطبيعي أن تكون الأولوية للشأن الوطني والقومي على الفردي والذاتي.
– يستمر الصراع في سوريا وعلى سوريا. نشعر وكأن كارثة كبرى تكاد تحل بنا كعرب حريصين على سوريا وعلى مصيرها، وبالتالي علينا وعلى مصيرنا.
أفلا يحق لنا أن نتساءل، وأن ننتظر جواباً ممن هم في موقع السلطة، سواء كانت سلطة مادية أو سلطة معنوية، سواء كان النظام أو خصومه؟
السفير