صفحات العالم

أسد ميت خير من أسد جريح


 عبد الرحمن الراشد

ربما بقي لنظام الأسد شهران، ثلاثة أو ستة، لا أحد يستطيع أن يعطيه عمرا أكيدا، إلا أن الأكيد حقيقتان، واحدة أنه ساقط والمسألة مجرد وقت، والثانية أنه قادر، وحلفاؤه، خلال الوقت المتبقي على إلحاق الأذى بالشعب السوري والمنطقة.

التخريب هو اختصاص النظام ومهاراته المشهور بها. والتطورات الأخيرة، مثل تراجع نجاحات الثوار وتوسيع النظام معاركه في لبنان بالاختطاف والتآمر بالتفجير، تفرض الإلحاح على مسألة تزويد الثوار بسلاح نوعي. وعلى الرغم من أن النظام باشر منذ بضعة أشهر استخدام القصف الجوي ضد المناطق المدنية، وهو أمر نادر الحدوث في الحروب الأهلية ونادر السكوت عليه دوليا، فإن الثوار لم يسقطوا سوى طائرة واحدة وأسر قائدها، ليس لنقصهم أو نقص رصاصهم لكن بسبب عجزهم عن الحصول على الأسلحة النوعية المتقدمة لمواجهة المقاتلات الجوية، والمدرعات، فالمعركة غير متكافئة على الإطلاق. وبالتالي ستستمر المعادلة السابقة، نظام جريح وساقط بعد زمن ما، وفي الوقت نفسه قادر على الفتك بالناس.

ونعرف أنه توجد اعتبارات عدة وراء حرمان الثوار من هذه الأسلحة، أهمها الفوضى الضاربة في معسكر الثوار، وتعدد هويات الثوار السياسية؛ فالإسرائيليون وحلفاؤهم لن يقبلوا بتزويد الثوار بصواريخ مضادة للدروع والطائرات قد تنتهي ضدهم، أو كما انتهت صواريخ ستنغر مجاهدي أفغانستان في يد مسلحين بباكستان، ووجدت مدفونة في السعودية قبل نحو عشر سنوات، وظهرت فجأة في استعراض القوات القطرية. ومثل الإسرائيليين، يخاف الأتراك أيضا من نفس النتيجة أن تقع الأسلحة الحاسمة في يد حزب العمال الكردستاني اليساري الانفصالي المتهم بارتكاب عدد من العمليات على الأراضي التركية. وبالطبع معظم الخوف هو من الجماعات المتطرفة التي من المؤكد أنها دخلت سوريا. وقد يكون النظام السوري نفسه، الذي كان يرعى «القاعدة» وقت الأزمة العراقية، هو من فتح لها الباب ليعزز اتهاماته للثوار ويخيف الغرب بأن البديل هم إسلاميون متطرفون مثل «القاعدة» و«الشباب» في الصومال. وهذه مخاوف كل دول المنطقة لا إسرائيل وتركيا والغرب فقط. وهذه استراتيجية سوريا وإيران وحتى روسيا، التخويف من الجماعات المتطرفة أن تكون البديل لبشار.

إنما على الرغم من وجاهة هذه المخاوف تبقى المعادلة، النظام يسقط ببطء والبلاد تتفكك والجماعات المتطرفة تصبح بطلة وتكبر مع الوقت الطويل على حساب القوى الوطنية السورية التي تتظاهر وتقاتل منذ عام ونصف. وبالتالي الخوف من البديل المتطرف عذر سخيف، حيث توجد حلول تقنية وميدانية تمكن من مناولة الأسلحة المتفوقة للمعارضة بأقل قدر من المخاطرة. إن ترك النظام الجريح لأشهر أخرى يجعله يرتكب المزيد من المجازر، وكذلك سيرتكبها حلفاؤه في لبنان وغيره، وتعرض المنطقة للمزيد من الفوضى والمخاطر، الأمر الذي تعهد النظام صراحة بتنفيذه ضد خصومه في الداخل والخارج.

ومع عجز الدول الكبرى، ومعهم تركيا، عن إقامة منطقة حظر جوي، تحاشيا للصدام مع قوى مثل روسيا، لم يعد هناك من مخرج لهذا الموقف المعقد جدا إلا بدعم الثوار لاختصار الستة أشهر الدموية الباقية والإجهاز على مصدر المشكلات، وهو النظام في دمشق. بسقوط النظام لن يكون هناك ما يبرر الصدام مع روسيا وستقبل إيران التعامل مع الأمر الواقع الجديد، وسيكون الخلاف على الكيفية التي تدار بها سوريا الجديدة.

إذن، المفتاح هو تمكين الثوار لتحييد السلاح الجوي ومواجهة مدرعاته. لو تحقق لهم هذا لتغيرت المعادلة قبل شهر مضى بعد تفجير مبنى الأمن القومي وسط العاصمة وما تلاه من استيلاء الثوار على عدد من أحياء العاصمة التي اضطروا إلى إخلائها بسبب قصفها بالمروحيات والمدرعات والمدافع، وكانوا يدافعون عنها بأسلحة بسيطة.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى