صفحات العالم

الخليجيون وصلوا


ساطع نور الدين

هي نسخة طبق الأصل عن المبادرة الخليجية التي طرحت ونفذت في اليمن. كان يتوقع ان يتفادى الوزراء العرب التذكير بتلك المبادرة، التي جرى استلهام بعض بنودها تحت ضغط الحاجة الملحة الى التكيف مع الحالة السورية الفريدة والمختلفة تماماً، والتي يبدو للوهلة الأولى أنها لا تحتمل مثل هذا التكرار ولا تقبل مثل هذا الإسقاط. لكن الدافع والقياس الأول والأهم هو حجم الدم الذي سفك في اليمن ولا يزال يسفك في سوريا.

هي خطوة مفاجئة، ومتقدمة جداً بالمقارنة مع ما كانت عليه المبادرة العربية حتى الامس. لعلها إيذان بانطلاق المبادرة العربية الفعلية، التي كانت تكتفي بالمراقبة وتقتصر على المساومة على أعداد الجثث والمعتقلين والمفقودين والفارين. ثمة اقتراح عربي عملي، مرفق بتهديد دولي بعيد المنال بل قد يكون وهمياً.

نتيجة هذه الخطوة العربية لا يمكن لأحد ان يتوقع ان ينفتح نقاش داخل سوريا حول التغيير والإصلاح وشروطه وآلياته، بل يرجح ان يكون رد الفعل الأولي هو ان تفتح أبواب جهنم اكثر من أي وقت مضى وعلى السوريين جميعاً.

هكذا كان رد الفعل اليمني الفوري على المبادرة الخليجية: المزيد من الاستقطاب والقتل، ثم المزيد من المفاوضات وحفلات التوقيع التي انعقدت مرات عديدة قبل ان يخرج الرئيس علي عبد الله صالح قلمه من جيبه ويمهر المبادرة، ويعطي إشارة الانطلاق للبدء بالتنفيذ الأغرب والأكثر إثارة للجدل لبنودها الغريبة والمثيرة: رأس النظام يخرج الى العلاج، لكنه يترك خلفه كل شيء على حاله، بل يرسخ وجود ورثته البيولوجيين والسياسيين في السلطة والجيش والإدارة اكثر من ذي قبل.

لكنها لم تكن مبادرة فارغة من اي مضمون. ثمة إسهام حقيقي في حقن المزيد من الدماء اليمنية، وفي منع الاندفاع نحو واحدة من اخطر وأسوأ الحروب الأهلية في التاريخ العربي الحديث والقديم، الحافل بمثل هذه التجارب. حمت دول الخليج العربي نفسها أيضاً من اضطراب داخلي شديد ومن موجات هجرة إنسانية وأمنية يمنية كان يمكن ان تشكل تهديداً إضافياً لاستقرار مجتمعاتها.

استعادة المبادرة الخليجية وإسقاطها على الحالة السورية لا يعني انها ستصل الى خواتيم متطابقة..حفلات التوقيع على المبادرة الخليجية المصدر العربية الغطاء، يمكن ان تتخذ أشكالاً مختلفة في سوريا، ويمكن ألا تنعقد أصلاً.. الجديد الآن هو ان دول الخليج الست، بما فيها سلطنة عمان التي سارت مع التيار بعدما حاولت ان تحافظ على خط الرجعة الإيراني، قررت بعد طول تردد ان تتقدم نحو سوريا وتتعامل مع أزمتها باعتبارها أزمة حدودية على غرار ما هي أزمة اليمن، وباعتبارها أزمة داخلية يمكن ان تخترق الحدود الخليجية بسهولة.. سواء بشكل مباشر او حتى من خلال الحليف الإيراني لسوريا الذي يستعد لخوض معركته الأخيرة من اجل الدفاع عن شركائه في دمشق.

قررت دول الخليج التدخل في الأزمة السورية، متسلحة هذه المرة أيضاً بالغطاء العربي والغربي. والتدخل لا يعني الاكتفاء بسحب نص سابق من الأرشيف الخليجي، وعرضه على السوريين. ثمة جبهة فتحت من جانب الدول الست التي تملك وحدها من بين جميع الدول العربية، القدرة على تحريك المال والسلاح، فضلاً عن الإعلام المتحرك أصلاً من أجل ضمان تغيير سريع في سوريا.

للحالة السورية خصوصيات لا يمكن لدول الخليج العربي ان تنكرها أو أن تتفاداها، مثلما لا يمكن لأحد في بلاد الشام ان يظل بمنأى عنها. لكن التغيير في سوريا صار اسرع مما كان قبل المبادرة الخليجية المصدر العربية الغطاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى