صفحات الناس

أطايب زمان”: لاجئات سوريات إلى دنيا المطاعم/ دجى داود

 

 

بيروت

تجتمع 14 سيدة في مركز كاريتاس في منطقة الرميلة، جنوبي لبنان. يتجمّعن بشكل نصف دائرة، ويجلس رجل في مقابلهنّ. تظنّ للوهلة الأولى أنّ هذا صف في مدرسة، قبل أن تستدرك أنّهنّ يُجدن القراءة والكتابة.

يتحدّث الرجل عن أصول غسل الخضروات، وحفظ اللحوم، وعن درجات الحرارة، وأشياء أخرى تتعلّق بسلامة الأطعمة لعدد كبير من الأشخاص، فتُدرك أنّه “شيف”. لا تكتفي السيدات بالإنصات، بل تشاركن بتجاربهنّ وأسئلتهنّ.

بعد ذلك، تحضر سيدة وتتبادل الأدوار مع الشيف سليمان. تُمسح الطاولات، ويؤتى بالمواد الأوليّة لمائدة اليوم. كبة صاجية، فتة المكدوس، والبرازق. ثلاث من الأكلات السوريّة الشعبيّة. تتبادل السيدات مع مدرّبتهنّ “جيهان” الوصفات المختلفة للأكلة نفسها. ثمّ تُختار طريقة أو طريقتان، ويبدأ العمل.

تنقسم السيدات إلى قسمين، حسب الوصفة. تشاركن جميعاً في عمليّة الطهو. واحدة تخلط المكونات، أخرى تطحنها، ثمّ تصنع عجينة الكبة. بعدها، تتساعدن في ما بينهنّ لتعلّم الطريقة الأفضل لحشو الكبة من دون أن يتغيّر شكلها عند القلي. تتكرّر العمليّة في صنع فتة المكدوس. فتتعاونّ على تقشير الباذنجان، وحشوه وقليه، ثم تقديمه. الأمر ذاته بالنسبة إلى البرازق.

العمليّة هذه هي جزء من مشروع تدريب سيدات سوريات ولبنانيات على تعلّم أصول الطبخ ومعايير السلامة العالميّة، والذي تنظّمه مفوضيّة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في لبنان، بالتعاون مع كاريتاس والمسؤول عن سوق الطيب كمال مزوق.

يهدف المشروع إلى “مساعدة اللاجئات السوريات على دخول سوق العمل ومساعدة عائلاتهنّ”، كما تقول المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين في لبنان دانا سليمان في حديث لـ”العربي الجديد”.

تقطن معظم المتدربات في منطقة برجا. بعضهنّ من الأقارب، لكنّ الروح الموجودة بينهنّ لا تقتصر على من تعرفن بعضهنّ من قبل. لا تُفارق الضحكة وجوه المشاركات، رغم أنّ معظم الحديث يتناول حياتهنّ. لا تغيب سورية عن الحديث أيضاً. تؤكّد المشاركات أنهنّ بقينَ في سورية “حتى آخر رمق”. تنتقد مشاركة أنّ بعض النساء تقوم بحمية غذائيّة، تقول والابتسامة على وجهها: “نحن الأزمة نحّفتنا”.

يهدف البرنامج إلى تدريب النساء السوريات على الطبخ للمطاعم، أي بكمّيات أكبر، مع الحرص على السلامة الغذائيّة للطعام. لا يُعلّم البرنامج السيدات الطبخ. فالمشاركات يعرفن طهو المأكولات السوريّة الشعبيّة، إلا أنّه “يهدف إلى توحيد الوصفات بغية إدراجها على لائحة مأكولات سوريّة لتسويقها لاحقاً”، كما تؤكد سليمان.

عرفت المشاركات بالبرنامج عبر جمعيّة “كاريتاس” اللبنانيّة الخيريّة. فيُسجّل بعض اللاجئين السوريين أسماءهم في الجمعيّة كيّ يحصلوا على خدمات اجتماعيّة لا توفّرها لهم مفوضيّة اللاجئين بحجّة أنّ حالة العائلة ليست مستعصية. في البداية، اعتبرت المشتركات أنّ البرنامج ترفيهيّ. تقول إحدى المشاركات، إيمان، إنّها “فوجئت عندما أخبرتها المدربة جيهان بوصول التدريب إلى مرحلة جدّية”.

والمشروع اليوم في دفعته الثانية. فقد قامت مفوضيّة اللاجئين بالتعاون مع “كاريتاس” ومزوّق بتدريب 25 سيدة سوريّة ضمن مشروع أطلق عليه اسم “أطايب زمان”، وقد دخلت المشاركات سوق العمل.

صفاء سوريّة من الشام، ولها ولدان. تحبّ الطبخ كثيراً، كما تقول لـ”العربي الجديد”. يظهر كلام صفاء جلياً في عملها. هي تطهو بشغف. خرجت صفاء من سورية بعدما صار الوضع صعباً. لم يخرج زوجها معها لأنه موظف حكوميّ.

افتتحت صفاء مطعماً سمّته “شام”، لكنّه لم يكمل الأشهر الستّة، بسبب الأحداث في دمشق. عرفت بالمشروع بعدما سجّلت اسمها في “كاريتاس” منذ شهرين. تعتبر صفاء أنّ البرنامج يدخل السعادة الى قلبها، فهي تحقّق جزءاً من أحلامها الآن: أن تعلّم الطبخ وتتعلّمه.

يظهر جلياً على وجوه المشاركات أنّ البرنامج من أساليب الرفاهية. هو كالعلاج غير المباشر من آثار الحرب في سورية على نفسيات المشاركات. لا تفارق الابتسامة وجوههنّ. يتحدّثن عن مشاكلهنّ والضحكة لا تفارقهنّ.

وفي هذا الإطار، تؤكّد سليمان أنّ “البرنامج له بُعد آخر غير البعد الماديّ، فالمشاركات تجدن فيه مفراً من هموم كثيرة رافقتهنّ بعد مغادرتهنّ سورية”.

نور الهدى مشاركة أخرى في البرنامج. الأخيرة نزحت إلى لبنان مع عائلتها بعدما “فقدت العائلة القدرة على تحمل تبعات النزوح داخل سورية، لأنّ زوجها بلا عمل منذ أشهر”. تُعوّل نور الهدى على البرنامج ليكون ركيزةً تستند إليها في عمل قد تجده بعد فترة لإعالة العائلة، رغم أنّها حائزة على شهادة في الشريعة. تتحدّث نور عن مآسي النزوح القسري في سورية. هي لم ترغب في ترك بلدها، “بقيتُ في سورية حتى آخر رمق”، تضيف. تؤكّد الأخيرة أنّ مشاركتها في البرنامج زادتها معرفة وخبرة، بفضل التدريب الذي تتلقاه مع المشاركات.

تؤكّد سليمان عدم وجود تمييز امرأة عن أخرى في البرنامج، لأنّ كل واحدة فيهنّ أضافت لمسة خاصّةً بها. وتقول: “هدفنا أن نساعد جميع المشاركات، وسنعمل على تكرار المشروع في مناطق أخرى من لبنان، أي في بيروت والشمال والبقاع والجنوب وجبل لبنان”.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى