ارتفعت أعداد الأطفال المهاجرين الآتين من دون مرافقة أهلهم إلى الدنمارك خلال العام الجاري، لتصل إلى نحو 940 قاصراً. أي ما يزيد بضعفين عن العام الماضي، وثلاثة أضعاف عن العام 2013. كما سجلت البلاد في شهر سبتمبر/ أيلول وحده 335 طفلاً كلاجئين قاصرين بلا مرافقين بحسب أرقام مركز الإحصاء ودائرة اللاجئين.
وفي هذا الإطار، يقول الباحث في شؤون الهجرة في جامعة كوبنهاغن مارتن بيدرسن إنّ المسألة لا ترتبط بدول الشمال فحسب، بل “هي ظاهرة عالمية. ويمكن رصد تزايد انتقال الأطفال والقصّر بين حدود الدول من دون أهل”.
رسمياً، يجري الحديث، وبحساسية كبيرة كون القوانين تمنع تماماً إثارة قضايا الأطفال والقصّر، أنّ للأطفال السوريين والإريتريين نصيباً كبيراً من هذه الأرقام في العامين الأخيرين. ومع ذلك، فالأطفال الأفغان باتوا في الصدارة اليوم.
الشريحة العمرية الأكثر وصولاً هي ما بين 14 و17 عاماً (القوانين الأوروبية تعتبر كل من هو تحت الثامنة عشرة قاصراً). لكنّ الأمر لا يخلُ من أطفال عرب بلا مرافقين لا تتعدى أعمارهم العاشرة.
من جهتهم، يعيد خبراء الهجرة تزايد أعداد الأطفال المهاجرين إلى أنّ وضع أفغانستان نفسه يسوء أمنياً واقتصادياً. لكنّ هنالك عاملاً آخر لا تجري مناقشته في العلن بسبب حساسيته السياسية، وهو أنّ أعداداً كبيرة من أطفال أفغانستان المهاجرين، والذين تضاعفوا أربع مرات أخيراً، يأتون من إيران، التي كانوا لاجئين فيها.
لكن، وفي كلّ الأحوال تبدو مشكلة الدنمارك مع هؤلاء القصّر وأرقامهم واحتياجاتهم أقل تعقيداً مما هي عليه في جارتها السويد. ففي الأخيرة وصل الرقم إلى 14 ألف طفل وقاصر خلال النصف الثاني من العام الحالي. نصف هؤلاء من الأفغان، مع وجود مئات من الأطفال السوريين والإريتريين.
وعن ذلك، تقول عالمة الاجتماع وخبيرة الهجرة ليزا شوستر إنّ “بعض أهالي الأطفال يتركونهم بسبب الوعود بالالتحاق بهم وضمانات تحقيق المستقبل المشرق”. شوستر تشير إلى ضمانات ليست صادرة من حكومات بل من شبكات تهريب البشر. ولم يكن من الصعب على “العربي الجديد” في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي في بودابست (كمعبر إجباري نحو الشمال وقتها) أن تتحدث مع بعض هؤلاء القصّر الذين كانوا يتصرفون كالكبار في تقليد كيفية التحرك والتجمع باتجاه القطارات وادعاء بعضهم أنّه من سورية ظناً منه أنّ ذلك سيسهل الانتقال شمالاً. عائلة سورية قالت لـ”العربي الجديد” يومها عن بعض الأطفال: “هؤلاء الأطفال الثلاثة ظلوا في أعقابنا مثل خيالنا أينما تحركنا وجلسنا يريدون الإيحاء أنّهم من سورية، وكنا نشفق عليهم أحياناً. لكننا نتساءل كيف يتركهم أهاليهم في رحلة هي في الأصل قاسية على الكبار”.
وتشير الباحثة في الشؤون الإيرانية في المعهد الدنماركي للدراسات الدولية يانا كريستيانسن إلى أنه ليس كلّ المهاجرين الآتين إلى الدول الإسكندنافية “هم آتون بالفعل من أفغانستان التي لم يولدوا فيها. فمنذ 2007 باتت السلطات الإيرانية تتعامل بسياسة لجوء مختلفة مع اللاجئين الأفغان وأهاليهم. وقد تعرض هؤلاء لكثير من المضايقات والملاحقات وفق عدد من التقارير الدولية. وفي ايران وحدها هناك 900 ألف لاجئ أفغاني مسجلون رسمياً بينما رقمهم يصل إلى 2 مليون ممن يعتبرون مقيمين غير شرعيين”.
وبحسب ما ذكر بعض الأفغان في الدنمارك لـ “العربي الجديد” فإنّ “كثيراً من زملائنا وأصدقائنا جرى استغلال ظروفهم ووعدوهم بتسوية وضع أهاليهم ومنحهم الجنسية الإيرانية إن شاركوا في مجموعات تسافر إلى سورية للقتال مع النظام. لقد قتل الكثير منهم، وفرّ آخرون من سورية مباشرة عبر مهربين إلى تركيا ومنها أكملوا مشوارهم مع السوريين”.
الأعمار محلّ خلاف
تتجادل السويد والدنمارك حول تحديد أعمار المهاجرين الذين يعتبرون قصّراً. وتنشر صحف يمينية صور شبان أفغان يقولون إنّهم في السادسة عشرة “بينما يبدو هؤلاء في العشرينات، ويمكن التمعّن ببنية أجسادهم ولحاهم التي يحلقونها وتبدو كثيفة الشعر”، بحسب تلك الصحف. وهو ما يدفع الدنمارك بالفعل إلى اتهام السويد بأنّها لا تتأكد كفاية من الأعمار الحقيقية لـ”المهاجرين الأطفال”.
العربي الجديد
