أطفال سوريون يروون.. قصصاً من سجل التمييز/ سعدى علوه
كلما صعدت إلى حافلة المدرسة يركلني التلامذة ويضربونني ويتركونني خارجاً حتى يستقلها كل الأطفال اللبنانيين، لأكون الأخير الذي يصعد إلى متنها.. فقط لأنني سوري». يختصر معتصم، ابن الـ11 عاماً، بعض معاناته ونحو خمسمئة ألف طفل سوري نازح في لبنان.
هناك في المدرسة ينادونهم «السوري» أو «السورية». يتعاملون معهم كأنهم بلا أسماء. يمارسون عليهم شتى أنواع العنف اللفظي والمعنوي والجسدي، بينما يتعرضون في المجتمع والشارع لاعتداءات جنسية.
بعض من القصص الموجعة التي يعيشها الأطفال السوريون في لبنان والأردن، وثقتها «منظمة الرؤية العالمية» في تقرير أعده الأطفال النازحون أنفسهم وعنونوه بـ«قف إلى جانبي – مستقبلنا المجهول». الدعوة إلى الوقوف معهم وجهها الأطفال إلى مجتمعات البلاد المضيفة، وإلى المجتمع الدولي والدول المانحة.
التمييز السلبي ضد معتصم لم يقتصر على الحافلة حيث يقولون له: «لا نريد الحثالة معنا». تعرض للعنصرية في الصف حيث يتهمونه بكل تجاوزات يرتكبونها. لا يلعبون معه وليس لديه أصدقاء من بينهم، حتى الأساتذة يهوِّلون عليه.
تحرش وزواج
بالرغم من أن ريم، والدة معتصم، هي معالجة نفسية – اجتماعية، إلا انها لم تتمكن من حمايته. تقول ريم إن ابنها يعاني سلس البول ليلاً بسبب ما يتعرض له. انتهت قصة معتصم بانتقاله إلى مدرسة أخرى تحتوي على عدد أكبر من التلامذة السوريين. وهكذا فرزت الإدارة السوريين عن اللبنانيين في قاعات الدرس وفي الملاعب.
لكن قصة معتصم، التي وثقتها ساندي مارون من «الرؤية العالمية»، لم تنته. ظل يتعرض للعنف وسوء المعاملة في الشارع، وفي كل مكان يقصده، حتى أن بعض الأطفال يتركون كلابهم تهاجمه وتنال منه.
المعاناة لا تقتصر طبعاً على معتصم. 86 في المئة من الأطفال السوريين في لبنان والأردن رأوا أنهم يتعرضون للعنف في المجتمعات المضيفة.
قسّم نحو 140 طفلاً سورياً شاركوا في كتابة التقرير في لبنان والأردن مشاكلهم على أكثر من صعيد: البيت والمدرسة والمجتمع والشارع والبلد بشكل عام.
كتبوا عن الفقر والعوز الذي يرزحون وعائلاتهم تحت وطأته، عن عدم كفاية الغذاء واللباس والدواء، وعن ارتفاع الإيجارات وتدني دخل من يجد فرصة عمل. رووا تأثير عوزهم ومشاكلهم على الأوضاع النفسية لأهاليهم، وكيف يعيشون في خيم وغرف صغيرة تفتقر إلى الخصوصية وتساءلوا عن مدى قدرتهم على التعلم في ظروف مشابهة. قالوا انهم غير قادرين على بث همومهم لأهاليهم «يتحملون كثيراً، لا يمكنهم أن يسمعونا». بعض الآباء والأمهات يفرغون تعبهم ومشاكلهم في تعنيف أطفالهم: «والد صديقي يعود من العمل مرهقاً وإن حاول محاورته، يقوم بضربه وتعنيفه بسبب الضّغوط النّفسيّة التّي تعاني منها الأسرة».
يقول مؤمن: «والدي طبيب، كان يعمل في سوريّا وعندما نزحنا إلى لبنان، كانت كلّ المستشفيات اللبنانيّة ترفضه لانه سوريّ فقط لا غير، ما أثر في طبيعة حياتنا سلبًا».
وتحدث الأطفال عن شبح الزّواج المبكر الإجباري حيث أظهرت الاستمارات أن العديد من البنات ما دون الثامنة عشرة من العمر يتزوجن بسبب الضغوط المالية، وقد دفعت بعض الفتيات للزواج بسنّ مبكر مكرهات لكي يعشن حياة كريمة لا يعانين فيها من الفقر.
من جهة ثانية تعاني بعض الفتيات من الإجبار على الزواج المبكر ويعود ذلك إلى تعرضهن للتحرش، وهذه الظاهرة آخذة في التفاقم، فالخوف عليهن وعلى مستقبلهن دفع الأهل لتزويجهن بقصد «حمايتهن»…. ولـ«سترهن».
على صعيد المدرسة
يواجه الأطفال السوريون الذين سنحت لهم الفرصة بدخول المدارس صعوبة في التأقلم والانسجام. يلقون عليهم اللّوم إزاء أي مشكلة تحدث في المدرسة، بينما يعجزون عن الدفاع عن أنفسهم لأن المديرين والأساتذة، في لبنان والأردن، يميزون ضدهم أيضاً. والأمر لا يقتصر على التمييز، بل يتعرضون للعنف الجسدي واللّفظي والمعنوي.
يقول محمد: «تعرض أحد أصدقائي للضرب المبرح من المدير لأنه اتهمه بشيء لم يقم به، وعندما حاول الدفاع عن نفسه، لم يصدّقه فضربه على رأسه حتى أدماه». وتروي مريم: «في أحد الأيام، طلب الأستاذ من رفيقي أن يجيب عن سؤال باللغة الإنكليزية، لم يستطع الإجابة بسبب ضعفه في اللغة، فما كان من الأستاذ إلاّ أن ضربه». وهناك توجيه الشتائم والإهانات ليس من الأساتذة فحسب إنّما من الطلاّب أنفسهم. كل هذه التصرفات والشتائم والإهانات تؤثر سلباً في نفسياتهم وبالتالي في رغبتهم بالدراسة.
لكن بعض الأطفال، وهم قلة، لا يقبلون بما يتعرض له التلامذة السوريون فيقومون بالدفاع عنهم.
على صعيد المجتمع
كل ذلك، بالإضافة إلى التمييز في العمل الذي يواجهه أهاليهم في نوعية العمل والراتب فيتأثرون بتدني مستوى حياتهم وعدم تلبية الحاجات الدنيا. أحد أسباب هذا التمييز، وفق ما حدده الأطفال، هو «العنصرية والنزعة الطائفية التي سادت هذه الأيام كثيراً مع أننا لم نكن نعلم ما معنى هذه المصطلحات لولا هذه الأزمة».
ويعاني أطفال سوريا المهجرون من العنف في الشارع كالضرب المبرح على الجسد والإهانات اللّفظية وأقلها «أيمتن رح ترجعوا عبلدكن وتريحونا».
وتقول فتاة سورية من الأردن: «عندما نذهب إلى مركز تجاري للتسوق يأتي إلينا الشباب الأردنيون ويعيروننا بالقسائم الّتي نحصل عليها ويُلقون اللّوم علينا بسبب ارتفاع الأسعار في الأردن ونحن نجد أنفسنا عاجزين عن التعامل معهم».
أما قرارات منع التجوّل الذي اتخذته بعض البلديات بعد الثامنة مساء فيضايق الأطفال وأهاليهم «فمثلاً إذا أصبنا بوعكة صحيّة في اللّيل، لا يستطيع أهلنا نقلنا إلى المستشفى بسبب هذا القرار». وشدد معدو التقرير على أن ليس اللبنانيون أو الأردنيون جميعهم بهذه القسوة، وأن هناك الكثير من الأصدقاء بينهم.
التسول على الطرق
أضاء الأطفال السوريون على التسول على الطرق الذي يعاني منه أطفال المخيمات والفقراء. ويتعرض هؤلاء «للضرب من قبل بعض الشباب إضافةً إلى الاعتداءات الجنسية وتجارة الأعضاء». وحددوا سبب تسول هؤلاء بحاجة أهلهم وإخوتهم الأصغر منهم سنًا للمصروف والحاجات المنزليّة. وتحدثوا عن اضطرار نساء سوريات لـ«بيع ما يملكنه في الشوارع، إضافة إلى بيع البعض شعرهن».
مطالبهم
واعتبر الأطفال في تقريرهم أن بقاءهم وعملهم ودراستهم في لبنان والأردن تعتمد على وجود أوراق ثبوتية لا يملكها معظمهم بسبب ظروف النزوح المفاجئ، خطوا توصياتهم مطالبين بتوقف القتال والحرب وإحلال السلام بين الجهات المتقاتلة ليتمكنوا من العودة إلى ديارهم، وتوفير الفرصة لهم لمساعدة الأطفال الآخرين، وللمشاركة في أعمال الإغاثة ومساعدة اللاجئين، وأن تقدم البلدان المضيفة التسهيلات القانونية للاجئين على أراضيها كي يتمكنوا من التنقل بحرية وتأمين المستلزمات الحياتية الأساسية التي يحتاجون إليها من مأكل ومشرب ومسكن وتعليم وتأمين فرص العمل، وأن تعاملهم المجتمعات التي تستضيفهم بشكل أفضل وأن تتقبلهم إلى أن تنتهي هذه الأزمة، وأن يضغط المجتمع الدولي على حكوماته للتعاون من أجل مساعدتهم وإنهاء أزمة بلادهم.
سعدى علوه