أطفال “شهداء اليرموك” الانتحاريين/ عمر البلخي
على الرغم من الضربات التي تلقاها “لواء شهداء اليرموك” و”حركة المثنى الإسلامية”، إلا أنهما مازالا قادرين على شنّ هجمات واسعة على مناطق سيطرة المعارضة، في حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، ومنها تسيل وعدوان وسحم الجولان والشيخ سعد. ولوحظ خلال هجمات “لواء شهداء اليرموك” المبايع لتنظيم “الدولة الإسلامية”، على تلك البلدات، تجنيده لأعداد كبيرة من الأطفال في صفوفه، ممن تراوحت أعمارهم بين 12 و15 عاماً.
أبو أحمد، من بلدة تسيل، قال إنه بعدما سيطر “لواء شهداء اليرموك” على البلدة لوحظ انتشار عدد كبير من الأطفال من أبناء عناصر “اللواء” الذين قتلوا في معارك سابقة. وانتشر الأطفال المسلحون بأعداد كبيرة على الحواجز التي وضعها “شهداء اليرموك” داخل البلدة. أبو أحمد أشار إلى أن “اللواء” زرع في أذهان الأطفال فكرة الانتقام من أبناء حوض اليرموك.
وأضاف أبو أحمد أن طفلاً يدعى ماجد، عمره 14 عاماً، قُتِلَ والده في معركة حاجز العلان غربي بلدة سحم، منذ عام تقريباً، فأخذ الابن سلاح والده، وبدأ العمل بشكل خفي في صفوف “لواء شهداء اليرموك”، ثم اتهم بمساعدة “اللواء” في تنفيذ عمليات اغتيال، طالت إحداها عنصراً في “أحرار الشام” على طريق سحم الجولان-تسيل. والطفل ماجد كان يعمل بشكل خفي في بلدة تسيل، قبل أن يظهر مع سلاحه، بعد سيطرة “شهداء اليرموك” على البلدة، وهو مشبع بفكرة الثأر لوالده. وماجد بحسب أبو أحمد، لم يكمل تعليمه الإبتدائي، ولا تملك والدته من أمره شيئاً، وهي ليست براضية عما يفعله، ولكنها غير قادرة على منعه. أبو أحمد يعزو الموضوع أيضاً، إلى وضع العائلة المادي السيء جداً، فـ”اللواء” يدفع جيداً لمجنديه.
استخدام “شهداء اليرموك” للأطفال في معاركه الأخيرة ضد المعارضة، تجاوز تكليفهم بعمليات الرصد، وتنفيذ الاغتيالات، إذ سُجّل للمرة الأولى تنفيذ أطفال من حوران لعمليات انتحارية، بعدما فجّر طفل لا يتجاوز عمره 12 عاماً نفسه في حاجز للجيش السوري الحر في بلدة حيط، وقتل عدداً من العناصر، كما فجر طفل آخر نفسه في بلدة إنخل في ريف درعا.
أبو علي من إنخل، قال إن أغلب الأطفال المنتسبين هم ممن فقدو آبائهم خلال الأحداث الجارية، أو ممن لا يملكون عملاً، فيتم إغرائهم بالمال والسلاح. الأيتام هم الشريحة المفضلة من الأطفال في التجنيد لدى “شهداء اليرموك”، فلا روابط عائلية ولا عشائرية تقوم بردعهم، بحسب أبو علي.
أبو علي كان شاهداً على حضور طفلين عند أحد أمراء “شهداء اليرموك”، يريدون الانتساب، فسألهم الأمير عن دوافعهم، فقالا: “نريد قتال نظام بشار الأسد”، فقال لهم الأمير: “نحن مجاهدون ولا يهمنا أمر بشار الأسد”، ثم سألهم: “إذا طلب منكما الإنتقال إلى العراق أو أفغانستان، فهل توفقا؟”. هما تلعثم الطفلان وانسحبا من المكان.
ويُخضع اللواء المنتسبين الجدد لدورتين إحداهما عسكرية والأخرى دينية مدتها 15 يوماً، يخرج منهما المنتسب كامل الولاء للواء، ويأتمر بأمر أميره العسكري فقط. وبالإضافة إلى الشحن الطائفي والعقائدي، والإغراءات المادية خلال الدورة الدينية، يكون تركيز الشرعي العام للواء على تعاليم العقيدة وعلى نواقض الإسلام العشرة، خصوصاً “موالاة الكفار”، أي أن يكون غير المسلم هو الولي وصاحب القرار على المسلم. بهذا التركيز يؤسس “شهداء اليرموك” لقطيعة بين منتسبيه، خاصة الأطفال منهم، وذويهم في المعارضة وفصائل الجيش الحر.
اتهامات “شهداء اليرموك” للمعارضة لا تتوقف على “التعامل مع الخارج”، بل تسعى وراء اقناع المنتسبين الجدد، في الدورات الشرعية، بأن الجيش الحر هم “صحوات ومرتدين وكفار، ومن الواجب قتالهم شرعاً، باعتبار يأتمرون بأوامر خارجية، ومن دول يعتبرونها كافره”.
هذه التعاليم والتدريبات كان ضحيتها أطفال كثر، ومنهم ليث ابن الـ12 عاماً، ممن ضاقت به سبل العيش في الداخل، وبعد تأمين عائلته تكاليف تهريبه إلى أوروبا، وقع فريسة بيد “الدولة الإسلامية”، في طريقه إلى تركيا. التنظيم ألقى القبض على ليث أثناء عبوره في مناطق سيطرته، على حاجز رجم البقر، في نهاية اللجاة من جهة البادية السورية، في ريف حوران الشرقي.
ليث، ابن معلم مدرسة قرية قرقس في ريف القنيطرة، كان أمل والده للحصول على فرصة حياة أفضل للعائلة في أوروبا، عن طريق لمّ الشمل. لكن ذلك لم يحدث، لأن من يعتقلهم التنظيم يخضعهم لدورة شرعية. أخبار ليث انقطعت عن عائلته، لأكثر من ستة شهور، ثمّ تلقى الأب اتصالاً منه ليدعوه فيه إلى مبايعة “الدولة الإسلامية” والنجاة من الظلم والكفر. وبعد غياب استمر لسنة تقريباً، اتبع الطفل فيها دورات دينية وعسكرية في الرقة، عاد الطفل ليث، وهو يحمل اسم “أبو همام الانصاري”. وبحسب والده، فأبو همام الأنصاري، طفل متطرف قاسي القلب غليظ في تعامله مع والديه وإخواته. ليث تبدل كلياً، وأصبح لا يأتمر إلا بأمر “أمير المؤمنين” أبو بكر البغدادي. وسرعان ما غادر أبو همام، منزل والده بعد زيارة قصيرة، لينضم إلى معقل “لواء اليرموك” في قرية الشجرة في ريف درعا الغربي.
والد ليث، المكلوم، حاول استعادة إبنه بشتى الطرق، لكنه لم يفلح. وبعد شهر من إقامته في معقل “شهداء اليرموك”، اختير أبو همام الأنصاري، لتنفيذ عملية انتحارية بسيارة مفخخة ضد أحد حواجز الجيش الحر في إنخل. أبو همام، إبن الـ12 عاماً، نفّذ عملية انتحارية احترافية، أواخر أذار/مارس، قُتل على أثرها جميع عناصر الحاجز.
ويُقيم “شهداء اليرموك” دوراته الشرعية، في موقع سري، يدعى “الجزيرة”، وهي النقطة الصفر بالنسبة للحدود الثلاثية بين سوريا والأردن والأرض المحتلة. وتتم الدورات بإشراف الشرعي الملقب بأبو حمزة القرشي. أما “حركة المثنى” فيتلقى منتسبوها دوراتهم الدينية، في موقع الشركة الليبية في قرية جلين في ريف درعا الغربي.
ويرسل “شهداء اليرموك” لنشر أفكاره، متحدثين وخطباء إلى المساجد في بعض القرى، ممن يعملون في الحلقات الدينية على تجنيد الشباب والأطفال وبث الأفكار المتطرفة في الوسط العام، لتقبلها. السلطة التي يمنحها السلاح للأطفال، المغسولة أدمغتهم، بالإضافة إلى المال، هي دوافع أساسية للتغرير بالأطفال، كما يلعب التفكك الأسري دوراً بارزاً. وفي حين يبقى موقف الأهالي في أغلب الحالات رافضاً الفكر المتطرف الذي يحمله الأبناء، إلا أن غياب سلطة قادرة على إحضار أطفالهم بالقوة، تجعلهم مكتوفي الأيدي، ينتظرون مصير أطفالهم في تنفيذ عمليات انتحارية.
المدن