أكراد أم كردستانيون؟/ ميشيل كيلو
في كتابٍ عن المسألة الكردية في سورية، يميز مؤلفه، الصديق جمال باروت، بين نمطين من رؤية المسألة الكردية، هما الرؤية الكردية والرؤية الكردستانية.
تتركز الرؤية الكردية على حقوق الكرد الديمقراطية والمدنية التي يجب أن ينالوها كمواطنين في الدولة السورية، رفعاً للظلم والاضطهاد الذي لحق بهم فترة طويلة، وتأكيداً لديمقراطية الثورة، ولدورهم فيها، الذي يجب أن تترجمه حقوق سياسية وثقافية وإدارية راسخة، ومعترف وطنياً بها. ومع أن أحداً لم يبين بعد هوية هذه الحقوق ومداها، فالمؤكد أنها ستشمل كل ما يكرس حرية الكرد، مواطنين سوريين، بما في ذلك حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم، أي في تشكيل كيان سياسي يعبر عن هويتهم القومية، بالتوافق والتراضي مع بقية مواطناتهم ومواطنيهم الذين ستقاس ديمقراطيتهم بمدى قبولهم بهذه الحقوق.
في المقابل، تتركز الرؤية الكردستانية على وجود أرض وطنية خاصة بالكرد، لهم حق إقامة دولة مستقلة عليها، قبل بقية السوريين بذلك أم رفضوه، فالمسألة تتخطى الحقوق الديمقراطية والمواطنة المتساوية، وتتصل بحقوق سيادية لدولةٍ يلغي انتماء الكرد إليها هويتهم، وهوية الدولة السورية التي ستصبح كياناً أجنبياً يحتل أرض دولتهم الوطنية، إن هو عارض قيامها. ثمة، هنا، مشروعان كرديان متناقضان، سيتحقق أولهما في إطار الدولة السورية، وثانيهما خارجها. ومن يتابع تطورات العامين الماضيين، سيرى إزالة أسماء عربية عن معظم مدن الجزيرة وقراها، وهي التي صار اسمها مقاطعة “روج آفا”، بينما صار اسم المنطقة “غرب كردستان”، واسم كردها “شعب غرب كردستان”، وأقيمت، قبل نيف وعام، منطقة حكم ذاتي موسع ومستقل، لديها برلمان ودستور وجيش وحكومة.
هذا المشروع أملته عقلية ترى في سورية مستودع قوميات وأقوام اضطهدها العرب، بدافع من طبيعة اضطهادية خاصة بهم، لا تترك أي مجال لأي حلول عادلة بالتفاهم معهم، وتجعل من الحتمي انفكاك الأمم التي يضطهدونها عنهم، وتحررها من استبدادهم، أسوة بما يفعله حزب “ال بيا ده”: المدافع الأمين عن حقوقها.
مثّل المجلس الوطني الكردي التيار الأول، وحزب حركة المجتمع الديمقراطي التيار الثاني، لكن التيارين عقدا أخيراً “اتفاق دهوك” الذي ركز على ثلاث نقاط، يقول نصها الحرفي، كما ورد في التقرير الشهري الأخير للجنة السياسية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سورية، (يكيتي):
“تشكيل مرجعية سياسية، تقود دفة السياسة الكردية المشتركة في هذه المرحلة. مشاركة المجلس الوطني الكردي في الإدارة الذاتية، المعلنة منذ عام تقريباً من حركة المجتمع الديمقراطي (كان المجلس قد دان، في حينه، قيام هذه الإدارة- ملاحظة من الكاتب). اعتبار المناطق الكردية السورية وحدة إدارية سياسية واحدة، وتشكيل وحدات عسكرية بالتعاون والتنسيق مع وحدات حماية الشعب، ريثما يتم توحيدها في تشكيل عسكري متفق عليه، له قيادته”.
هل قرر المجلس الوطني الكردي التخلي عن حقوق الكرد الديمقراطية ضمن الدولة السورية، وعن موقعه جزءاً من الحركة الوطنية الديمقراطية التي كان أحد أركانها طوال نيف ونصف قرن، وتبني مشروع “حركة المجتمع الديمقراطي” الكردستاني، ونظرته إلى “المناطق الكردية السورية، باعتبارها وحدة إدارية وسياسية واحدة”، لأنها أرض كيان سياسي منفصل عن سورية، أم أن الـ”بيادا” قررت التخلي عن مشروعها، والقبول بالحقوق التي ستكون للكرد في دولة ديمقراطية سورية، لا تفرق بين مكوناتها؟
بصراحة: هناك ما يثير القلق، منه أن الاتفاق عقد في حمأة أحاديث دولية عن تقسيم سورية وتفكيكها، ومنه تصاعد لهجة قومية شديدة التعصب والإقصائية، في الحديث عن مناطق معينة من سورية، فهل يبدد إخوتنا الكرد قلقنا، ونتدارك معا مخاوف تثير الخلاف والضغينة اليوم، وستسبب تاريخا مديداً من العداء غداً؟
العربي الجديد