أمراء الكراهية/ رشا عمران
لا يكفي أن تكون سورياً فقط لدى أمراء الكراهية في سورية. لا يكفي أنك تؤمن بالعدالة، وبحق الشعب الذي تنتمي له بأن يعيش بكرامةٍ، وبحقه بأن يحلم بمستقبل أولاده، وأن يرى بلده كما يشتهي. لا يكفي أن تؤمن بأن يكون بلدك موحّداً، ومؤسّساً على عقد اجتماعي منصف وعادل لكل أبناء بلدك. لا يكفي أن تؤمن بالتغيير الديمقراطي وتداول السلطة، كما كل الدول المتحضرة. لا يكفي أنك ترى بعشر أعين، لا بعينين اثنتين، لتستطيع أن تميز المجرم من البريء، ولتدلّ على المجرمين الذين أوصلوا البلد إلى ما وصلت إليه من خراب. لا يكفي لدى أمراء الكراهية في سورية أن تطالب بحماية المدنيين، وأن تطالب بوقف هذه المقتلة اليومية المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات. لا يكفي أن تطالب الذين خرجوا إلى أمانهم بالكفّ عن التحريض على القتل، والكفّ عن مطالبة المحاصرين بالصمود، والكفّ عن دعم القتلة بكل اتجاهاتهم.
لا يكفي هذا كله لأمراء الكراهية في سورية. عليك أن تكون مثلهم تماماً، وأن ترى بأعينهم هم، وأن تنطق عن هواهم هم، وأن ترى الصواب في ما يرونه هم، وأن تجعل من أحلامهم أحلامك، ومن شتائمهم شتائمك، ومن أحقادهم أحقادك، ومن ارتباطاتهم ارتباطاتك، ومن قدرتهم على التشفي بالموت والتهجير والتشرّد قدرتك، ومن ألفاظهم ألفاظك. لا يكفيهم أن تؤمن أن كل نقطة دم نزفت من مدني بريء هي من دمك، وكل دمعة حزن من مشرّد هي دمعتك، وكل صرخة قهر من مظلوم هي صرختك، لا يكفي أمراء الكراهية السوريين، ومن يدورون في فلكهم، أن تكون هكذا. عليك أن تشبههم تماماً في كل شيء، وإلا فقائمة الاتهامات والشتائم جاهزةٌ ليطلقوها في وجهك كرصاصة. يتهمك أمراء الكراهية المؤيدون للنظام بأنك إرهابي، وحاقد على المدنية السورية، وبأنك عميل مأجور للقوى الظلامية، كلما قلت إن حصار المدنيين في مناطقهم من النظام وحلفائه، ومنع أسباب الحياة عنهم، ثم تهديدهم بالإبادة، وقصفهم اليومي وتدمير أحيائهم، وحرمان أطفالهم من أبسط حقوقهم، ثم تهجيرهم من بلداتهم ومدنهم الأصلية، ووصمهم بتهمة التطرف والإرهاب، هو عار إنساني وأخلاقي، لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، وستدفع ثمنه أجيال سورية قادمة وقتاً طويلاً.
سيتهمك هؤلاء بالعمالة أيضا، إذا طالبت بالكشف عن مصير مئات الآف المعتقلين في سجون النظام، من خيرة أبناء البلد،، أو إذا قلت إن النظام زجّ السوريين في حربٍ جعلت منهم جميعاً قتلة ومقتولين. لا مانع لدى هؤلاء من تجريدك من سوريتك، فأنت، في نظرهم، لست أكثر من خائن لسورية التي يريدونها أسدية، لو لم يبق فيها حجر على حجر. يُشبههم في ذلك أمراء الكراهية المنضوون تحت اسم الثورة، هؤلاء الذين يصرّون على أن الثورة ليست ثورةً شعبية، بل ثورة السنة ضد العلويين والشيعة ومن في حكمهم. إذا قلت لهم إن كلاما كهذا سيجعل العالم يقف ضد التغيير في سورية سيتهمونك بالعمالة للنظام، وإذا ما انتقدت التسليح العشوائي والأسلمة والتطييف إذ حولوا الثورة حرباً مدمرة، سيقولون عنك إنك مجرد شبيح متخفٍّ في الثورة كي تضربها من قلبها. وإذا ما قلت إن قادة الكتائب الجهادية مجرد أمراء حربٍ، ولاؤهم لمموليهم، وليس للثورة أو لسورية، فأنت خائن للثورة وطائفي أقلوي، أو مرتزق عند النظام.
يجرّدك هؤلاء أيضاً من انتمائك للثورة التي يريدونها إسلاميةً طائفيةً عسكريةً لو لم يبق مدني واحد في سورية. يضعك الاثنان بين خيارين وكأن لا ثالث لهما، بين ما يفترضانه حقاً وباطلاً معكوساً، يجرّدانك من خياراتك، من كل ما حلمت به. يجبرانك على اعتناق الكراهية مبدأً، الكراهية التي لم تُبق من سورية التي يتشدّقون بمحبتها شيئا. أنت هنا لست تياراً ثالثاً يقف محايداً بين الثورة والنظام. أنت مع ثورة التغيير ضد نظام الإجرام، لكنك مع الثورة التي فقد آلآفٌ حياتهم لأجلها، ولست مع الحرب والأجندات والبيع والشراء. ما يطمئنك هو إدراكك أنك لست وحدك هكذا، ثمّة ملايين السوريين مثلك، صوتهم خافتٌ مثل صوتك، وبوصلتهم عصت دقّتها على الكراهية.
العربي الجديد