صفحات الناس

المجتمع المدني وقضية اللاجئين السوريين: هيكل شديد التصدّع/ يارا نحلة

 

 

تواجه قضية اللاجئين السوريين في لبنان أزمات متعددة، وليس مجال الإغاثة والعمل غير الحكومي إستثناءاً في هذا المجال. فبالإضافة إلى ما يتكبّده السوريون من مشكلات مصدرها سياسات الدولة اللبنانية وقوانينها، فإن الخلل يصيب أيضاً هيكلية المؤسسات غير الحكومية وآليات عملها. فيما يلي خلاصة مقابلات أجرتها “المدن” مع ثلاثة أشخاص عاملين في مجال إغاثة السوريين، يناقشون خلالها أبرز الأزمات التي تعاني منها منظمات المجتمع المدني في لبنان.

الهيكلية المؤسساتية

يبقى السؤال عن طبيعة المشاريع التي تقوم بها الجمعيات غير الحكومية ومدى ملاءمتها لواقع إحتياجات ومتطلبات اللاجئين إحدى الإشكاليات الأساسية في موضوع المجتمع المدني. يقرّ غسان (إسم مستعار)، وهو عامل في منظمة إنسانية دولية، أن “الجمعيات الدولية العاملة في مجال إغاثة اللاجئين تمتلك من المعايير التقنية والمعرفة والتحليل لنوعية التدخلات الملائمة ما يفوق تقنيات الدولة اللبنانية وجودة خدماتها”. لكن غسان يشير، من جهة أخرى، إلى تدخّل عامل التمويل في إملاء طبيعة عمل هذه الجمعيات “التي يُفترض أنها غير حكومية، لكنها تتلقى تمويلها من الحكومات، وهنا تدخل رغبات الدول الكبرى في الصورة”.

للمموّل هواجسه وأجنداته السياسية والإقتصادية التي قد يعرفها العاملون في الجمعية، أو قد تغيب عنهم. لكن الخط السياسي العريض الذي يحدّد طبيعة عمل الجمعيات هو ما له علاقة بمصالح الدول الكبرى وإستثماراتهم في الأزمة السورية. يقول محمد التلّ، وهو أيضاً عامل في جمعية دولية تُعنى باللاجئين السوريين، إن المموّل “يُجري صفقة سياسية”، أي أنه لا يلتفت إلى الحاجات الواقعية لأعداد اللاجئين، وقد يكون حتى جاهلاً بها. “فقد تكون الحاجات واضحة، لكن التمويل يذهب في إتجاه آخر، لأسباب سياسية بحتة”، وفق جاد حجار، وهو الآخر يعمل في هذا المجال. أما العاملون على الأرض الذين يمتلكون معرفة موضوعية بحالة اللاجئين، فالتواصل بينهم وبين المموّل شبه منقطع، وذلك نتيجة لهيكلية هذه المؤسسات المؤلفة من أربعة أو خمسة مستويات، ما يفرض هذا الأسلوب في العمل وهذه التبعية للمموّل، وفق التلّ.

يقدّم التلّ أمثلة على ذلك، فيشير إلى تغيّر أجندات الجمعيات من عام إلى آخر بشكل منفصل عن التبدّل في متطلبات اللاجئين أنفسهم، فـ”في سنة معينة قد تذهب كل الأموال بإتجاه الحماية، هنا يمكن الحديث عن أهداف مخابراتية لدى الجمعيات، أما حين تصبّ الجهود في مجال التعليم، فيمكننا الحديث عن مشروع توطين”. في المقابل، قد تكون الصرخة الأكبر للاجئين هي جراء معاناتهم من البرد وإنعدام وسائل التدفئة، وقد تدير الجمعيات الأذن الصماء لها.

الفعالية

تضعنا هذه العوامل أمام سؤال آخر: ما مدى فعالية هذه المشاريع التي تنفذها الجمعيات؟ وتتدخّل هنا معطيات أخرى لتحدّد فعالية العمل الاجتماعي، ومنها آليات عمل الجمعيات التي ترتكز إلى البيروقراطية. وهذا بغضّ النظر عن حجم المشروع ومدى صغره. ويتحدث غسان في هذا الإطار عن “قوانين الجمعيات التي تنتج برامج ذات تصميم وتخطيط عالي الجودة، لكن بميزانية هائلة للمصاريف الإدارية على حساب الإنفاق المباشر على تنفيذ المشروع”. كما تتأثر فعالية المشاريع بإستيراد الخبراء والعاملين الأجانب غير الملمين بالواقع اللبناني.

يضاف إلى ما سبق، آنية العمل وغياب مفهوم الإستمرارية، “إذ تكون فترة تنفيذ هذه المشاريع محدودة، وهامش استفادة اللاجئين ضئيل مقارنة بكلفة المشروع”. ويعلّق حجار “من خلال الأموال التي أنفقتها الجمعيات في عرسال مثلاً، كان من الممكن إنشاء مركز تربوي يستطيع تقديم الخدمات لخمسة آلاف شخص بشكل دائم”. غير أن ذهنية العمل المستدام مفقودة، وذلك نتيجة العمل بمبدأ “الطوارئ”ـ الذي يناقض كل ما له علاقة بالإستمراية، وفق التلّ.

إشكالية الدولة اللبنانية

وأخيراً، لا يمكن التغاضي عن دور الدولة اللبنانية في كل ذلك. فالوزارات نفسها تطمح للإستفادة من هذا القطاع الإقتصادي الذي يسمى بالجمعيات غير الحكومية، ما يزيد من بيروقراطية العمل، ويقلل من فعاليته. وبالعودة إلى إشكالية التعليم، “تفرض وزارة التربية والتعليم شراكة مع الجمعيات مع ما يرافق ذلك من شروط وقوانين غير ملائمة لأوضاع اللاجئين، كالتقيّد بالمنهاج اللبناني غير المناسب للسوريين، وحصر تعليمهم بعدد غير كاف من المدارس الرسمية”، وفق حجار.

كما تفرض الوزارات قرارات تؤثر على سير عمل الجمعيات، مثل “نزع صفة اللاجئين عن السوريين الهاربين من سوريا، وهذا ما أدى إلى إغلاق الحدود ورفض الإقامات وملاحقة ومداهمة وإعتقال السوريين بشكل تعسفي وترحيلهم وتلفيق التهم لهم من قبل الأمن العام. بالإضافة إلى عدم الإعتراف بأي مخيم للاجئين، وبالتالي منع اللاجئين القاطنين فيه من الحصول على ماء أو كهرباء أو صرف صحي أو طبابة أو إعاشة..”، وفق غسان.

“فوضى عارمة تعتري عمل المجتمع المدني وعلى جميع الأصعدة”، وفق التلّ. والفساد يحيط به من كلّ الجوانب، ويتغلغل في كل طبقات الهرم الذي يشكّل هيكلية المنظمة، وذلك بدءاً من المحسوبيات في توظيف الخبراء والمدراء الأجانب، وصولاً إلى فساد العاملين على الأرض من اللبنانيين، حتى أنه يلامس اللاجئين أنفسهم الذين قد يسعون إلى الإستفادة وإن بأساليب غير نزيهة. فالفساد لغة جامعة، والفاسد الأجنبي لا يقطع صلته بالفاسد اللبناني. فبالنسبة للتلّ “الجمعيات تعلّمنا الفساد”. غير أن العاملين في هذا المجال يجمعون على وجود مساحة تسمح للفرد العامل ضمن المؤسسة بإحداث فرق إيجابي، وإن بطرق ملتوية، أي ما يمكن تسميته بـ”الفساد الإيجابي”.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى