صفحات المستقبلياسين السويحة

أميركا في صف “القاعدة”؟ نكتة!/ ياسين سويحة

تنهمر شلالات هستيريا النذير والوعيد لأميركا وحلفائها، تنطلق على مدار الساعة من إعلام النظام السوري وشاشاته وحلفائه الممانعين، تارة تُبشّر بإغراق الأساطيل الأميركيّة في دقائق، أو بمسح إسرائيل من الوجود خلال ربع ساعة، وتارة أخرى تعلن جهوزيّة عشرات الآلاف من اﻻستشهاديين الذين ينتظرون إشارة القيادة السوريّة للانطلاق باتجاه أهدافٍ غربيّة هنا وهناك.. وسط ذلك كله يلحظ المتابع بسهولة أن هذه العنتريّات إنما تفضح، على عكس ما ترغب، رعباً صارخاً مما يُحتمل أن يأتي قريباً جداً. جمهور النظام السوري، والمُمانعة إجمالاً، يواجه اليوم مشهداً لم يكن يتوقّعه. فالرفع الحثيث، ومن دون ردّ فعلٍ دوليّ يذكر، لسقف إجرام النظام في ما يخصّ عدد الضحايا ونمط الأسلحة المُستخدمة، بالإضافة إلى تطمينات روسيّة ﻻ تخلو بدورها من عنجهيّة مهووسة بإثبات دور الدولة العظمى بإسفافٍ يُشبه سلوك الأغنياء الجدد، أعطت النظام وأهله انطباعاً بأن الطريق مفتوحة، والوضع مُتقدّم، وﻻ أخطار وجوديّة على المدى المنظور. ماذا الآن؟ ولماذا الآن؟

توجّس النظام  مفهومٌ وبديهي، لكنّه ليس وحده المتوجّس من الضربة المقبلة، بل عند “خصومه” الغربيين التوجسات ذاتها، بحسب الروايات السطحيّة التي ﻻ ترى مما يجري في سوريا سوى صراع بين النظام و”جهاديين”، هو الإحساس بالاستهداف عينه، بل وﻻ يصعب أن نجد لغة مشابهة للغة النظام في ردّ الجهات الجهاديّة على التدخّل الأميركي.

 لم تنتظر جبهة النصرة، وسليلتها – خصمها أي الدولة الإسلاميّة في العراق والشام “داعش”، قرع طبول الحرب الأميركيّة كي تُعبّرا عن موقف عدائي تجاه الغرب والولايات المتحدة لا ينفصل عن العداء للنظام السوري وإيران. فأدبيات “النصرة” و”داعش” وليدة صراع التنظيمات الجهاديّة مع الغرب في أفغانستان والعراق أساساً، لكن أيضاً في باكستان واليمن وغيرها. الخطاب المتواتر والموتور لـ”داعش” في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، عن هجمات غربيّة آتية ضدّها لا محالة، بحسب رأيها، هو غطاء لجزء كبير من سلوكها القمعي، إذ تُبرر اعتقالات وتصفيات بتُهم من قبيل العمالة لاستخبارات غربيّة وإقامة “صحوات أميركيّة” وتعبيرات “مُمانِعة” من هذا القبيل.

لا ينحصر الحسّ المتوجّس من الغرب، والرافض للأميركيين، في “النصرة” و”داعش”، بل في الإمكان العثور عليه أيضاً عند جهاتٍ جهاديّة أخرى، توصف عادةً بأنها أكثر براغماتيّةً من “داعش”. الجبهة الإسلاميّة السوريّة، والمُكوّنة من جماعات إسلاميّة مُسلّحة مهمة وقويّة، مثل “أحرار الشام” و”لواء الحق” و”صقور الإسلام”، أصدرت بدورها بياناً اعتبرت فيه أن “الهدف الحقيقي من وراء العمليّة العسكريّة -إن حصلت- هو تحقيق مصالح منفذيها”، وأنّ هذه العمليّة “مقدمة لمشاريع سياسيّة مفروضة ومرتبطة بهذه المصالح”، ودعا البيان إلى “توحيد الصفّ والاعتصام بحبل الله لجميع القوى العاملة على الأرض، كخيار وحيد”.

 بالتزامن مع بيان الجبهة الإسلاميّة السوريّة، ظهر مقطع فيديو لبيانٍ تُلي وسط مجموعة من المُسلّحين في مشهد دمار، عرّفوا عن أنفسهم بأنهم “مرابطون على أرض الشام”، وحملوا ﻻفتةً أظهرت شعارات وهويّة موقّعي البيان، ومنهم ألوية الحبيب المصطفى، وكتيبة مغاوير الإسلام، وحزب التحرير. وأعلن البيان رفضه للتدخّل العسكري الغربي بوصفه “عدواناً جديداً على الأمّة الإسلامية”، مذكّراً بجرائم الأميركيين وحلفائهم في “فلسطين والعراق وأفغانستان والقوقاز ومالي والشيشان”، كما أشار البيان إلى براءة موقّعيه ممّن يدعم هذا التدخّل من “معارضة الداخل والخارج”، مُعتبرين أن “من يستجدي الحل من الإعداء بعد هذا التذكير خائن لله ورسوله والشهداء”.

 الأوساط الجهاديّة في سوريا تعتبر نفسها مُستهدفة بالتدخّل العسكري الغربي المُحتمل، وهي مُحقّة في ذلك على الأغلب. ﻻ يسهل فهم دوافع التغيّر العميق في ظاهر السلوك الأميركي تجاه الأزمة السوريّة، بعد عامين ونيف على اندلاعها، من دون التفكير في توجسها من تضاعف نفوذ وحضور هذه التيّارات الجهاديّة في المناطق المُحررة من سيطرة النظام، لا سيما أنها تستفيد من شبكات تمويل وتسليح ذاتيّة ﻻ تحتاج، على عكس الكتائب المُسلّحة المنضوية في “الجيش الحر”، إلى غطاء دولي كي تعمل. هل سنشهد عمليات عسكريّة أميركيّة ضد مواقع “داعش” وغيرها من التنظيمات الجهاديّة كخطوة تالية لاستهداف مواقع النظام؟ ربما. بل على الأرجح.

 ثمة مثلث من العلاقات المُعقّدة، قوامه النظام السوري والولايات المتحدة والتنظيمات الجهاديّة. يُشكّل، ديالكتيكاً، مُركّباً لمحاولات كلّ من أطرافه استغلال العداء بين طرفيه الآخرين. وسط هذا التعقيد، ﻻ مفرّ من النظر باستهزاء إلى تحليلات متنامية كالفطر عن نيّة الولايات المتحدة القتال في صف “القاعدة”، تحليلات تزداد هزلاً وسورياليّة كلّما ثقُلت القيمة المُفترضة لتوقيع كاتبها.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى