أميركا وتسليح كرد سورية/ خورشيد دلي
بقدر ما شكل قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تزويد كرد سورية بالأسلحة الثقيلة لتحرير الرّقة من “داعش” صدمة لتركيا التي يستعد رئيسها رجب طيب أردوغان لزيارة البيت الأبيض، بقدر ما شكل تحولا أميركيا إزاء العلاقة مع تركيا وكرد سورية معا. ولعل السؤال يتعلق بتداعيات هذا القرار على العلاقات التركية– الأميركية عشية قمة أردوغان- ترامب. وثمّة من يعتقد أنه كان رسالة أميركية إلى تركيا قبل كل شيء، فحسب هؤلاء، لا يعقل أن تضحّي أميركا بتحالفها التاريخي مع تركيا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لصالح كرد سورية الذين لا يشكلون قيمة كبيرة في ميزان المصالح والعلاقات الدولية، ولعل هذه الرؤية تنطلق من معادلةٍ أساسية، أن السياسة الأميركية تقوم على المصالح قبل كل شيء. وعليه، يذهب بعضهم إلى أن القرار الأميركي يتجاوز قضية دعم الكرد بالسلاح لتحرير الرّقة إلى قضية ترتيب العلاقة مع تركيا، بعد أن ذهبت الأخيرة بعيدا في تقاربها مع روسيا بخصوص الأزمة السورية، وبدأت تنفكّ تدريجيا في عهد أردوغان عن فلك السياسة الأميركية. بمعنى آخر، الهدف الأساسي من القرار إرغام الرئيس أردوغان على تقديم تنازلاتٍ كبرى لترامب خلال القمة المرتقبة بينهما.
زاد الإصرار الأميركي على المضي في دعم كرد سورية، على الرغم من الاعتراضات التركية، شكوك أنقرة إزاء النوايا الأميركية، لاسيما أن الأمر يتعلق بقضية حسّاسة تشكل جوهر الأمن القومي التركي. وعليه، تميّز رد الفعل التركي على القرار الأميركي بالرفض القاطع لهذا الدعم، خصوصا أن القرار جاء عقب استقبال ترامب وفداً تركياً رفيع المستوى (رئيس الاستخبارات حقي فيدان، رئيس الأركان خلوصي أكار، الناطق باسم الرئاسة إبراهيم كالين)، حيث كان الهدف من زيارة واشنطن التمهيد لقمة أردوغان– ترامب، وإقناع الإدارة الأميركية بالتخلي عن كرد سورية في معركة تحرير الرقة، والاعتماد على الفصائل السورية المشاركة في عملية درع الفرات، والتي تدعمها تركيا بقوة.
شكّل القرار الأميركي صدمة لأنقرة، على الرغم من محاولة الإدارة الأميركية طمأنتها بالقول إن واشنطن ملتزمة بحماية حلفائها الأعضاء في الحلف الأطلسي. ويمكن القول إن القرار الأميركي نسف عمليا الهدف الأساسي لزيارة أردوغان إلى واشنطن، فالرسالة الأميركية منه: سنخوض معركة الرّقة مع الحليف الكردي، وهو ما يكشف حقيقة قصور الوعي التركي في فهم طبيعة التحالف مع الولايات المتحدة، إذ يفرض اعتقاد تركيا بأن تحالفها التاريخي مع أميركا على الأخيرة التخلي عن تحالفها مع الكرد يفتقر إلى منطق فهم السياسة الأميركية، إذ الثابت أن واشنطن تنطلق، في سياساتها وتحالفاتها، من مصالحها التي ربما تقتضي التحالف مع أكثر من طرف، وليس من منظور السياسة التركية ورؤيتها، ولعل هذا ما حصل مع التحالف الأميركي– الباكستاني، عندما اتجهت واشنطن إلى إقامة شراكةٍ مع نيودلهي، عندما وجدت أن مصالحها تقتضي ذلك.
وتنطلق الإدارة الأميركية في علاقاتها مع الكرد وتركيا، انطلاقا من سياسة إدارة التوازنات مع الحليفين، وهي سياسةٌ تتضمن ما يشبه ضماناتٍ لتركيا، بخصوص احتواء الصعود الكردي، وفي الوقت نفسه، الاستفادة من دور الكرد، سواء في محاربة “داعش” أو في الصراع على الأزمة السورية، من دون أن يعني ما سبق التخلي عن الحليف التركي، لأسبابٍ استراتيجيةٍ تتعلق بأهمية تركيا للسياسة الأميركية، ولاسيما في ظل نزاعها مع روسيا على الشرق الأوسط والقوقاز وأوكرانيا، وغيرها من الدوائر الاستراتيجية المهمة.
الثابت أن الإدارة الأميركية تدرك أن الحرص التركي على استبعاد الكرد من معركة الرّقة ليس بهدف محاربة “داعش”، كما أن تركيا تدرك أن التحالف الأميركي – الكردي يتجاوز، في أهدافه، محاربة “داعش”، فلكل طرفٍ حساباتٌ استراتيجية، تركيا تفكر بأمنها القومي، وتخشى من أن يؤدّي سيطرة الكرد على الرقة إلى ولادة دولةٍ كرديةٍ على حدودها الجنوبية تحت رعاية حزب العمال، وهذه قضية حياة أو موت لسياستها التقليدية، فيما حسابات واشنطن وأجندتها مختلفة، وهي في النهاية تتعلق برؤيتها ومصالحها العليا، لكن الواضح أن الهوة بين الجانبين تتسع يوما بعد آخر، وتبدو سياسة المساومات فقدت كثيراً من قيمتها في لحظةٍ حساسةٍ قد تضع هذه العلاقة عند مفترق طرق.
العربي الجديد