أنا أيضاً تعرّضت للاعتداء/ رشا عمران
هناك حملة عالمية هذه الأيام على مواقع التواصل الاجتماعي، تضامنا مع النساء اللواتي تعرّضن للتحرش والاعتداء الجنسي خلال حياتهن، الحملة تحمل عنوان: أنا أيضا (Me –too). وكما اتضح على موقعي تويتر وفيسبوك، حققت الحملة رواجا مذهلا، ليس عربيا فقط، وإنما على مستوى العالم، وشاركت فيها نساء من مختلف الأعمار والهويات الاجتماعية والوطنية والعرقية. وكان اللافت أيضا مشاركة عدد كبير من الرجال في الحملة، ولم تكتف المشاركات والمشاركون بوضع هاشتاغ الحملة دليلا على المشاركة، بل كتبت كثيرات منهن حوادث الاعتداء الجنسي التي تعرّضن لها، سواء في طفولتهن، أو في مراحل حياتهن كلها.
المدهش في القصص التي سردت، أو التي استطعت متابعتها أو سمعت عنها، أن التحرّش والاعتداءات الجنسية تكاد تكون محصورة بالذكور الأقارب، العائلة والجيران والأصدقاء. أو في العمل، المديرون والمسؤولون في مؤسسةٍ ما. وفي هاتين الحالتين، النساء والبنات، هن العرضة للاعتداء أكثر من الشبان أو الأولاد، حيث ثمة سلطة ما، اجتماعية ودينية واقتصادية، تبيح للذكر المعتدي أن يقوم بفعلته، وهو يعرف أنه سوف ينجو من العقاب، وإن عوقب فسيكون عقابه مخففا، ففي اعتداء المحارم لن يتجرأ أحد على الحديث عما حصل، بل ربما سيحصل نوعٌ من التواطؤ على الصمت والتجاهل، خشية انهيار المنظومة الأسرية أمام المجتمع من جهة. ومن جهة ثانية، الخضوع للسلطة الذكورية في العائلة، السلطة التي يحق لها فعل ما تشاء بالأنثى، زوجة كانت أم أختا أم ابنة.
ذات يوم، حدثتني صديقة تعمل مرشدة نفسية في دولة عربية، عن فتاة منهارة نفسيا، هاربة من منزلها، ولجأت إليها للمساعدة. أخبرتها الفتاة أن شقيقها الأكبر يجبرها على معاشرته يوميا، وهي لا تعرف ماذا تفعل! وعندما استدعت المرشدة والدي الفتاة، فوجئت بأنهما يعرفان ما يحدث، وأن الأب برّر صمته بالتالي: الولد يحتاج للجنس، ولا نريده أن يفعل ذلك خارج البيت، و”جحا أولى بلحم ثوره”. هل هذه الحكاية فريدة؟ يتضح مما تحدثت به الفتيات في الحملة إياها أن اعتداءات المحارم في بلادنا العربية تكاد تكون سياقا اجتماعيا، وأن الصمت عنها من السياق نفسه، ومثله أيضا الاعتداءات ضد النساء والفتيات في مراكز العمل والوظيفة والجامعات، وكل ما يشبه ذلك. وفي حالات مثل هذه، وهي كثيرة جدا، يتمتع المعتدي بسلطةٍ نافذةٍ قد تقضي على مستقبل البنت في حال اعتراضها، ولأن للسلطة علاقات متشابكة، فإن حديث المعتدى عليها لن يأتي بأي نتيجة، فتفضل الصمت والاستمرار بالعمل أو التعليم، وهي تشعر بغضب شديد وكراهية توجهها نحو ذاتها.
هل من المفيد هنا أيضا الحديث عن الاعتداءات الجنسية لأسباب سياسية، والتي تحدث في معتقلات الأنظمة، وما يشبهها، أو في حالات الحروب الأهلية وغير الأهلية؟ في السنة الأولى للثورة السورية، سمعت من معتقلين ومعتقلات كانوا قد قد اعتقلوا لأشهر لدى النظام، عن حالات اعتداء جنسي، واغتصاب جماعي كفيلة بتحويل المعتدى عليهم إلى وحوش، سيمر أيضا هذا بلا حساب، كما كل الاعتداءات الجنسية في بلادنا، الاجتماعية والعائلية والوظيفية والسياسية.
على أن الاعتداء ضد النساء ليس فقط جنسيا وجسديا، ثمّة في السلوك الموجه ضد النساء اعتداء نفسي، لا يقل تأثيره خطرا عن الاعتداء الجسدي، فمثلا أن يصبح لشكل المرأة وجسدها معايير خاصة، تجارية، ويتم تصنيف الأنوثة وفق هذه المعايير، واعتبار المرأة ذات المقاسات الكبيرة أقل أنوثة من غيرها، وقول هذا لها صراحة، واعتبارها أقل حظا في الحب والزواج والوظيفة والمناصب، وهو ما لا يطبق على الرجال إلا فيما ندر، أليس في هذا اعتداء نفسي يشبه الاعتداء الجسدي، ويترك الأثر السيئ نفسه لدى المستهدفة؟
أليس أيضا في التعامل الاستعلائي في مجتمعاتنا مع المرأة، فقيرة الحال المادي، وحرمانها من حرية اجتماعية، تتمتع بها ميسورة الحال، ما يمكن وصفه اعتداءً نفسيا أيضا.
يحتاج الحديث عن الاعتداءات الممارسة ضد النساء إلى جهد ووقت وزمن طويل، غير أن المنبع الأول لها هو في تشريعات السياسة والدين واشتباكهما معا ضد شريحة النساء. البدء من هناك، لا من مكان آخر.
العربي الجديد