أنقرة وبارزاني و «قوات سورية الديموقراطية»/ ليفينت غولتكين
مع عودة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى رئاسة حزب «العدالة والتنمية»، رفع النظام الداخلي لسياسة الحزب شعار «دولة واحدة، علم واحد، شعب واحد ووطن واحد». وما أغربه من شعار، فهل رأيتم دولة في العالم فيها دولتان أو علمان أو وطنان؟ والشعار هذا يرمي إلى إلهاب حماسة الجماهير فحسب. وهذا ليس بجديد على حكومة «العدالة والتنمية» التي تُقدم على ما يخالف سياساتها المعلنة، ولا هو طارئ على تركيا. فالنهج هذا يسبق عهد هذا الحزب، وحين تناول المسألة الكردية، على وجه التحديد. أذكر أنني في حوار مع جنرال متقاعد في عام 2000 قال لي: «إن الجيش التركي سئم وتعب من دخول شمال العراق لملاحقة مسلحي حزب «العمال الكردستاني»، فأوكلنا المهمة إلى بارزاني وطــالباني هناك، وقلنا لهما إن المسؤولية تقع عليكما في منع عمليات التسلل هذه». فقلت له: «انت تقر بأنكم إذاً أرسيتم أول لبنة في بناء كردستان العراق»، فرد والأسف يعلو صوته: «كيف كان لي أن أعرف حينها أن الأمور ستبلغ هذا المبلغ؟». وفي 2003، بدأت عملية غزو العراق، وكان واضحاً أن واشنطن ترمي إلى تقسيم البلد هذا وإنشاء إقليم كردستان العراق المستقل.
وعلى رغم أن الهدف هذا لم يخفَ على أنقرة، قدمت تركيا دعماً لوجيستياً للقوات الأميركية حينها، ولو جاء الدعم متأخراً. وحدث ما كان متوقعاً، وبرز كردستان العراق شبه دولة مستقلة تقف أمامنا اليوم. ومنحت تركيا الزعماء الأكراد جوازات سفر تركية لتيسير حركة تنقلهم وسفرهم، فجالوا في دول الغرب وروجوا لمشروعهم الخاص هناك. وبعدها أعلنت أنقرة أن كردستان العراق كيان معاد. ولا ننسى تهديدات أنقرة في 2007 وإعلانها أن كردستان العراق خط أحمر وأنها تعارض أي محاولة للاستقلال عن العراق أو إنشاء كيان كردي هناك، في وقت كانت شركة «أوياك» التابعة للجيش التركي تصدر الإسمنت إلى أربيل والسليمانية. و «أوياك» لم تكن تغرد خارج السرب. فالشركات التركية الكبيرة كلها كانت تساهم في بناء كردستان العراق وتنميته حينها، على رغم التصريحات السياسية النارية، لنفاجأ بعدها بصداقة قوية بين أنقرة وبارزاني وتعاون رسمي واعتراف بهذا الكيان.
وحين اندلعت الأزمة السورية، وحذر المحللون الأتراك حينها من أن اندلاع حرب أهلية في سورية سيؤدي إلى تقسيمها والى ظهور كيان كردي في شمالها. وعلى رغم التحذيرات هذه، سعت أنقرة إلى تعزيز العمل المسلح هناك، وبدأت تقول في «قوات سورية الديموقراطية» ما كانت تقوله في السابق في بارزاني. فمن جهة دعمت أنقرة الحرب الأهلية في سورية، ومن جهة أخرى، أعلنت أن تقسيم سورية- وهو سينجم عن تلك الحرب- هو خط أحمر (محظور). ويدور كلام كثير من المحللين والصحافيين المقربين من الحكومة على مؤامرة عالمية من أجل تقسيم العراق وسورية لإنشاء دولة كردية كبرى، ثم تقسيم إيران والدور على تركيا في نهاية المطاف. وعلى رغم الكلام هذا، يثنون على سياسة أنقرة التي تدعم تقسيم العراق وسورية والسير في ركاب هذه المؤامرة الدولية المزعومة.
ولكن هل ثمة ما يفسر ما وراء هذا التناقض الكبير بين السياسة المعلنة والسياسة في أرض الواقع. وجلي أن السيناريو الذي حدث مع أكراد العراق يتكرر اليوم مع أكراد سورية: التهديد والخطوط الحمر من جهة، والإقدام على ما يساعد على قيام هذا الكيان الكردي في سورية، من جهة أخرى. لماذا لا نحاول التقرب من الأكراد في سورية وحل مشاكلنا معهم بالحوار إذن؟ لماذا يكون الأكراد أصدقاء لإيران وأميركا وروسيا، ونحن عدوهم الوحيد؟ تقول الحكومة إن «قوات سورية الديموقراطية» هي امتداد لحزب «العمال الكردستاني» الإرهابي، ولذا يتعذر الحوار معه. ولكن حين دعت أنقرة صالح مسلم، زعيم تلك المجموعة الكردية السورية، وتفاوضت معه في الخارجية مرتين ألم تكن تعلم أنه امتداد «للكردستاني»؟ وحين طلبت مساعدة تلك القوات الكردية في نقل قبر سليمان شاه في شمال سورية خوفاً من داعش، وتعاونت معها هل كان هذا خافياً على أنقرة؟ أليست العلاقات التركية مزدهرة مع بارزاني الذي يعد العدة لاستفتاء على الاستقلال عن العراق؟ ألم يقدم حزب «العدالة والتنمية» الحاكم الشكر والتقدير لحزب «هدابار» الكردي لدعمه النظام الرئاسي في استفتاء الشهر الماضي، على رغم أنه يرفع لواء «كردستان تركيا» ويعتبر أن إرساء نظام رئاسي في تركيا هو السبيل إلى هذا الحلم ؟ ولكن ما هي معايير هذه السياسة؟ وهل السياسة هذه كما تقول أنقرة تصب في مصلحة الدولة التركية أم في مصلحة بقاء الحزب الحاكم في السلطة فحسب؟
* كـــاتــب، عن موقع «ديكـــان» الإلكتـــــروني، 22/5/2017،
إعداد يوسف الشريف
الحياة