أوراق اللعبة السورية
حمادة فراعنة
تملك سورية، أو النظام السوري بشكل أدق، مجموعة أوراق مهمة تجعل من المتعذّر سقوط النظام بسهولة ويسر، أسوة بأقرانه من الساقطين في تونس ومصر وليبيا على التوالي .
والورقة الأولى التي تحمي النظام وتسانده تتمثّل بتماسك المؤسسة العسكرية والأمنية، واستمرارية ولائها للنظام، باعتبارها المؤسسة الأولى والأقوى والأهم في بقاء النظام وحمايته، وما المظاهر الانشقاقية من قبل المؤسسة العسكرية التي نسمع عنها أو نشاهدها سوى هوامش جانبية غير قادرة لهذا الوقت على إحداث الانفصال الجدي الذي يمكن من خلاله قصم ظهر النظام وجعله مترنحاً .
أما الورقة الثانية، فتتمثّل بوجود قوى إقليمية مساندة له حتى الموت كما يُقال، ربطت مصيرها بمصيره، وتتمثل بالنظام الإيراني وحزب الله اللبناني، والحلفاء الثلاثة يجلسون بلا تردد في خندق واحد، الأمر الذي يدلل على أن سقوط واحد منهم، يعني سقوط الاثنين الآخرين من ورائه، ومن هنا قيمة الترابط بينهم اعتماداً على ترابط المصالح بين ثلاثتهم إيران وسورية وحزب الله، الأمر الذي يتعذر الاستفراد بأحدهم بمعزل عن الحليفين الآخرين، ولذلك لا توجد إمكانية للاستفراد بالنظام السوري، ولا توجد إمكانية متوافرة لإسقاطه دون المساس بإيران وحزب الله .
الورقة الثالثة: إحاطة سورية بجيران لا يكنون العداء له، ولا يسمحون بالاستفراد به، وحتى ولو كانوا غير عاشقين له ولنهجه وسياسته وطريقة تعامله، ولكن مصالحهم متضررة من التدخل ضده أو العبث بأوضاعه الداخلية، لأن ذلك سينعكس عليهم بالسوء، وهؤلاء الجيران هم لبنان والأردن والعراق، فقد رفض لبنان والعراق التصويت لصالح العقوبات أو لفرض الحصار على سورية، والأردن طالب باستثنائه من فرض العقوبات، وهذا يعني وجود هامش من الحرية وعدم العداء وعدم الاستجابة لمبادرات عسكرية أو غيرها من حدودها ضد سورية.
الورقة الرابعة: عدم وحدة المعارضة وتشتت مراكز صنع القرار لديها، وتشتتها بين الداخل والخارج، وتشتت أولوياتها مما يترك أثراً بارزاً على عدم قدرتها في إدارة الصراع ضد النظام بقرار واحد وإدارة موحدة وبرنامج مشترك .
الورقة الخامسة: تردد أهالي دمشق وحلب في المشاركة في المظاهر الاحتجاجية ضد النظام مما يدلل على عدم رغبة قطاع من السوريين في الاندفاع نحو الاحتجاج ضد النظام .
هذه الأوراق وغيرها تجعل النظام ممسكاً بأوراق اللعبة، وإن كانت هذه الأوراق أو بعضها ستبقى أسيرة المراوحة والتبدل والتغيير مع الوقت، أي أن هذه الأوراق المتاحة للنظام لا تعني أنها ستبقى بيده إلى الأبد، ولكنها هي المقررة لهذا الوقت، ولمدى منظور غير محدد المعالم والأوقات مستقبلاً .
ثمة تجارب، ما زالت ماثلة للمراقبين لن تخرج دمشق، عن أحد سيناريوهاتها، فالتغيير والتبديل وارد، في صلب البرنامج الأميركي الأوروبي ، المتقاطع مع مصالح الشعوب العربية التواقة للتغيير وامتلاك زمام أمرها بيدها عبر صناديق الاقتراع، فإذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا قد ضحت بأعلى وأعز حلفائها وأصدقائها مبارك وبن علي وضغطت على أقرب مقربيها في المغرب والأردن من أجل تحقيق هدفين لا ثالث لهما وهما أنظمة جمهورية ذات رؤساء منتخبين، وأنظمة ملكية ذات حكومات برلمانية حزبية، هذا ما حصل وسيحصل في مصر وتونس وليبيا، وهذا ما حصل وما سوف يحصل في المغرب والأردن، والباقي على الطريق، أو على جدول الأعمال في سياق التطور الذي لا رجعة عنه، وسورية لن تكون بمنأى عن هذه التطورات .
ثمة بدائل وخبرات تتمثل بما يلي :
1 ـ تجربة تونس ومصر بالتغيير عبر الأدوات الثلاث الشعب والجيش والقرار الدولي .
2 ـ تجربة ليبيا من خلال الشعب مع التدخل الدولي العسكري المباشر .
3 ـ تجربة المغرب مع الأردن عبر الشعب وصاحب القرار (رأس الدولة) والضغط الدولي .
4 ـ التجربة الجديدة في اليمن في التوصل إلى تسوية بين المعارضة ورأس النظام مع القرار الدولي الضاغط .
وسورية لن تخرج عن هذا السياق، ولدى النظام الأوراق التي تؤهله للتوصل إلى حالة التغيير والتبديل، إما على النمط الأردني المغربي بامتلاك زمام المبادرة واتخاذ سلسلة من الإجراءات الاحترازية والخطوات الاستباقية لإجراء التعديلات الدستورية كما فعلت عمان والرباط، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على أساسها تسمح بقيام نظام تعددي يقوم على مبدأ تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع ، مع أن هذا الخيار كاد يكون متأخراً بعد نزيف الدم اليومي السائل على الأراضي السورية .
وكذلك لديه الخيار الآخر المتمثل بالتجربة اليمنية الجديدة عبر التوصل إلى تسوية مع قوى المعارضة تسمح بوقف نزيف الدم، وتوسيع قاعدة الشراكة، وإجراء التعديلات المطلوبة وصولاً إلى صناديق الاقتراع للرئاسة والبرلمان .
التدخل العسكري الأجنبي في سورية يكاد يكون متعذراً ليس بسبب حُسن أخلاق أميركا وأوروبا، بل للأسباب المذكورة أعلاه، وعلى النظام الاستفادة القصوى مما هو متاح له والإسراع بفتح أوسع الأبواب للحوار وللشراكة والتوصل إلى تسوية مع المعارضة ومع خصومه السياسيين، حماية لنفسه ولسورية .
( 2 )
التدخل الدولي
يقول منذر خاموس نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني السوري المعارض ” إنه لا يرى أي حل للأزمة السورية ، غير التدخل الخارجي ” وأضاف من بروكسل ” سنكون ساذجين إذا فكرنا أنه يمكننا كسب المعركة ، لأن ميزان القوة مختل لصالح النظام ” ( 8/12/2011 ) .
وإتصل معي مسؤول فلسطيني رفيع المستوى ، تعليقاً على مقالتي المعنونة ” أوراق اللعبة السورية ” التي إعتبرها هامة وموضوعية ، وأنني من خلالها أجدت قراءة المشهد السوري ، ولكنني أغفلت من وجهة نظره لورقة سادسة ، إضافة إلى الأوراق الخمسة التي ذكرتها بحوزة النظام السوري ، وهي ورقة الأنقسام الدولي حول الوضع من سوريا ، فالخمسة الكبار منقسمون حول الموقف نحو سوريا ، وأن روسيا والصين لديهما موقفاً حازماً أخر يختلف عن الموقفين الأميركي الأوروبي المشترك ، وبالتالي يتعذر صدور قرار عن مجلس الأمن ، يمكن أن يشكل غطاء لأي تدخل أميركي أوروبي في سوريا ، كما حصل في ليبيا ، وكما سبق وأن حصل في العراق قبل سنوات .
ولذلك ، وبناء على الرؤية الروسية ، ستفتقد واشنطن إمكانية تحصيل موقف من مجلس الأمن يجيز التدخل الأميركي الأوروبي تحت غطاء الشرعية الدولية لتقويض النظام السوري أو العمل على إضعافه لأن الفيتو الروسي المتفاهم مع الصين ، سيكون بالمرصاد لقطع الطريق على أية محاولة أميركية تستهدف سوريا في مجلس الأمن .
كما تفتقر واشنطن ، ولا تتوفر لها إمكانية حث الجيش السوري كي يتخذ قراراً لتلبية المعارضة وإحتجاجات الشارع السوري في أن يقول قادة الجيش لرئيسهم إرحل فيرحل ، كما فعل رشيد عمار مع رئيسه التونسي زين العابدين بن علي ، وكما فعل حسين الطنطاوي مع رئيسه المصري حسني مبارك ، فالجيش السوري لا يتلقى المساعدات المالية ، الأميركية الأوروبية ، ولا يتلقى التدريبات على أيدي الخبراء الأميركيين والأوروبيين ، ولذلك لا فضل أميركي أوروبي ، على سوريا ، ولا يملكون نفوذاً على جيشها ، وهو بذلك محصن من التدخلات الأجنبية كي يكون لهذه التدخلات التأثير على قراره كما هو واقع لدى مجموعتين من البلدان العربية : المجموعة الأولى التي تتلقى المساعدات المالية مثل المغرب وموريتانيا وتونس ومصر وجيبوتي والأردن وفلسطين ولبنان ، والمجموعة الثانية التي تتلقى الأمن والحماية لأنظمتها من الولايات المتحدة وأوروبا وهي مجموعة البلدان الخليجية الستة ، ولذلك تصدع هاتين المجموعتين ، للأرادة الأميركية وتستمع لنصائحها ، وإن لم نقل أنها تنفذ التعليمات والأشارات الواردة لها من الغرب الأميركي الأوروبي ، لأن الغرب يمدها بالقوة ويحميها ويحافظ على بقاء أنظمتها .
المسؤول الفلسطيني رفيع المستوى ، كان في موسكو ، وإلتقى مسؤولين روس من الخارجية وأجهزة الأمن ، ونقل لي قولهم له :
” الموقف الروسي لم يعد خجولاً ، في الدفاع عن مصالحه ، والتحدث بقوة عن رفض التدخلات الأميريكة الأوروبية ضد النظام في دمشق ، فقد إستطاعت واشنطن وحلفائها ترتيب أوراقها وحماية مصالحها في تونس ومصر وليبيا ، في غفلة من الموقف الروسي ، ولذلك لن تسمح موسكو بتدمير مصالحها في المنطقة العربية ، وفي سوريا بالتحديد ، وهي لن تبقى مكتوفة الأيدي والأفعال والمواقف نحو سياسة الهيمنة والأستئثار الأميركية في العالم ، خاصة وأن القوى الأصولية التي أعادت تحالفها مع واشنطن هي التي تقود لعبة المعارضة ضد الأنظمة العربية ، وهي التي تستفيد من نتائج صناديق الأقتراع عبر التفاهم مع الأميركيين ، وهذه القوى الأصولية بالذات هي التي لعبت دوراً أساسياً أبان الحرب الباردة ضد المصالح السوفيتية وهي التي تدعم تمرد الشيشان ضد المعارضة الروسية ” .
” ونقل المسؤول الفلسطيني رفيع المستوى عن الروس وصفهم لما يجري من أحداث في سوريا سواء حول إنقسامات الجيش أو مظاهر المحتجين على أنها ظواهر صبيانية غير مؤثرة على صُلب وتماسك الجبهة الداخلية السورية ، وإن كان المسؤولون الروس ، لم يخفوا قلقهم من تدهور الأوضاع في سوريا ، إذا لم يلتقط النظام زمام المبادرة ، وأن لا تقتصر على الجانب العسكري الأمني ، بل يُقدم مبادرات تستجيب لمصلحة توسيع قاعدة المشاركة في مؤسسات صنع القرار في الدولة السورية كي تجعل المعارضة الخارجية معزولة ، بلا تأثير ولا قيمة لها ، والبدء بسلسلة من الأصلاحات الجدية التي توفر الأمكانية لأنهاء حكم الفرد والعائلة والطائفة والحزب الواحد ” .
سواء ما قاله منذر ماخوس ، أو ما نقله المسؤول الفلسطيني عن أصحاب القرار الروسي يُدلل ، على أهمية القرار الدولي وتأثيره على صنع وسير ونتائج أحداث ثورة الربيع العربي ، ولذلك إضافة إلى ما يملكه النظام من عوامل محلية وإقليمية خمسة محيطة به وهي 1- تماسك المؤسسة العكسرية ، 2- مساندة إيران وحزب الله ،3- وجود جيران غير أعداء العراق ولبنان والأردن ، 4 – عدم وحدة المعارضة ، 5- تردد أهالي دمشق وحلب في المشاركة بالأحتجاجات ضد النظام ، ويكون الأنقسام الدولي هو العامل السادس المكرس لمصلحة النظام في دمشق وحمايته .
الغد